الرئيسية » بأقلامهم

بقلم ـ خالد محمد الشامي

كان اللون وسيظل أكثر المرئيات إثارة للأحاسيس ، أكان ذلك حبا أم بغضا ، سعادة أم حزنا، سلما أم حربا. أشهر التفرقات العنصرية كانت بسبب اللون ، وأوضح دلالات الحرب كان جريان الدم الأحمر ، وأولى علامات نهاية الحرب رفع الراية البيضاء ، وأكثر علامات الهلع الوجودي ارتداء الأسود. كان اللون الأسود لدى البشرية هو الأكثر ارتباطا بالمآسي ، منذ شهد الغراب الأسود أول سفك للدم بشري ، ومن بعدها صار رمزا لكل ما هو سلبي ، وحول المعتاد إلى مستغرب. وكان الشعر كثير الاحتفاء بهذا اللون، كرمز واضح الدلالة بين الشاعر وجمهوره لإيصال ما يريد بأقل كلفة ، وأكثر إيحاء. ولذلك تجنب الناس التعامل مع الأسود في الغالب تجنبا للشؤم ومراعاة لإعجاب الآخرين ورضاهم، وباعتبار النساء الأكثر اهتماما وحساسية للألوان فقد كان هذا اللون غير مرغوب عندهن، إلا فيما اقتصر على الخلقة الموهوبة من الخالق، فقد اضطروا واضطررن إلى القبول به مع ذم بعضه كسواد البشرة، ومدح بعضه كسواد العينين والشعر، هذا قبل أن تظهر العدسات والباروكات. وفي التجارة مثلا عانى بعض التجار من كساد بضاعته لا لشيء إلا لأنه أساء اختيار اللون ، ومن أمثلة ذلك ما حدث لذلك التاجر في العصر الأموي حين كسدت تجارته من الخُمُر - (جمع خمار) – ذات اللون الأسود ،عند نساء المدينة ، ولم ينقذه من محنته إلا الشاعر مسكين الدارمي حين عرض عليه أن يكون منبره الدعائي في ترويج بضاعته، مقابل حصوله على جزء من الربح ، فوافق التاجر، وسار الدارمي في الأسواق وهو يردد بصوته الشجي: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد ؟! قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى عرضت له بباب المسجد ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق ديـن محمــد وشاع الخبر في المدينة ، وتوافدت النساء على ذلك التاجر كل واحدة منهن تريد الظفر بخمار أسود ليصدق عليها قول مسكين الدارمي. في القرن العشرين ستتكرر الصورة وإن بأساليب وحيثيات أخرى ، من خلال الرواية الأشهر والأجمل (الأسود يليق بك) ، وقد بدأ مفعولها السريع يظهر على بطلة الرواية نفسها(هالة الوافي) التي كانت ترتدي الأسود كتعبير عن حزنها على والدها وشقيقها اللذين قتلا خلال أعمال العنف الشهيرة في الجزائر ، ثم صارت ترتديه رغبة في إرضاء ذوق شخص دخل حياتها فجأة عن طريق وسائل عدة ، كان أشهرها عبارته التي أرفقها بإحدى باقات الورد (الأسود يليق بك) ، ولم يكن ذلك سوى رجل الأعمال (طلال هاشم) ، الذي أدت عبارته تلك مفعولها الدعائي بصورة تفوقت على دعاية منافسه الإعلاني (مسكين الدارمي). ودليل ذلك كما سبق هو بدء سريان تأثيرها ونتائجها في المحضن الأساس (الرواية). حيث استطاع (طلال هاشم) من تحويل اللباس الأسود عند (هالة) من رمز تعبيري عن الحزن ، إلى رمز تجعل منه جسرا لإشباع رغبة الطارق الجديد في حياتها ، وصار الأسود مرتبطا به دون أن يغدو مرتبطا بما كانت تهدف إليه قبلا ، ولذلك حينما اختلفت معه ورغبت في التخلص كل شيء يذكرها به ، كانت أولى الذكريات التي خلعتها هي الأسود الذي لم يعد يليق بها ، ونسيت ثأرها القديم مع الإرهاب. أما التأثير الدعائي الحقيقي فهو المنعكس على الواقع، فقد بدأ رواج العبارة قبل رواج البضاعة ، صارت تتردد في بعض الكتابات ، وفي عدد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي . غير أن تأثير الدارميين الجدد سينعكس - وإن بصورة غير مباشرة - على سلوك القراء خصوصا منهم النساء، ولذلك فلا تستغرب أن تجد إحداهن في اليمن مثلا وهي تتمثل تداعيات الرواية وأصداءها - حين ترتدي الأسود - أكثر من استدعاءها لمطلب شرعي ، وبدلا من أن تجدها تستحضر في ذهنها أقوالا تصفها بالغراب الأسود تجدها تزهو لأن الأسود يليق بها. لكن ثمة سؤال: هل ستتوحد الكاتبة بروايتها فيصبح الأسود لونها المفضل ؟! أم أن شركات الإعلان لا تبالي بمشاعر المعلنين قدر اهتمامها بجيوبهم ؟!

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أنت الوحيد
سأغتال القصيد
لن أرحلَ
في الدّقيقة الأخيرة ماقبل الغروب
صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم في العصر الجاهلية

اخر الاخبار

الرئيس الفلسطيني يعتز بالعلاقات القائمة على الأخوة والتضامن مع…
القوات المسلحة الملكية المغربية تُشارك بدورة تدريبية حول إزالة…
مجلس الحكومة يدرس اتفاقا بشأن التعاون العسكري والتقني بين…
ولي العهد السعودي يُهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تؤكد أنها شاركت في إنتاج فيلم "سلمى"…
نادين نسيب نجيم تكشف عن سبب عدم مشاركتها في…
النجمة ماجدة الرومي تُحقق نجاحاً كبيراً في حفل خيري…
المغربية فاتي جمالي تخوض تجربة فنية جديدة أول خطوة…

أخبار النجوم

سلاف فواخرجي تخطف الأنظار بحكاية سلمي في مهرجان القاهرة…
شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية
حسين فهمي يردّ على انتقادات عمله بعد أيام من…
محمود حميدة يكشف سرّاً عن مشاركته في "موعد مع…

رياضة

أبرز المحطات في مسيرة لاعب التنس الاستثنائي نادال التي…
المغربي أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل…
محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

صحة وتغذية

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على…
فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…
نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية

الأخبار الأكثر قراءة