بغداد ـ وكالات
فى الوقت ئء5يشهد فيه العراق اضطرابات سياسية وانقسامات حادة، مع تفجيرات أمنية فى مناطق عدة، يستعد للاستفادة من خروجه من البند السابع للأمم المتحدة والذى خضع له منذ أكثر من 23 سنة بعد غزوه الكويت. وقد سمح هذا البند للأمم المتحدة باستخدام القوة العسكرية ضد العراق لأنه تصرف بطريقة تسىء إلى الأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية وتجميد الأموال، ومنع التجارة إلا فى الحدود الدنيا، وقطع العلاقات الدبلوماسية. ووفقاً للقرارات الدولية كانت التوقعات تشير إلى احتمال تحقيق تلك الخطوة فى عام 2015 بعد تسديد كل التعويضات التى فرضتها الأمم المتحدة والبالغة نحو 52 مليار دولار، لكن يبدو أن تحسن العلاقات بينه وبين الكويت خصوصاً بعد زيارة رئيس الوزراء الكويتى الشيخ جابر مبارك الصباح إلى بغداد فى يونيو/ حزيران الماضى وتوقيعه مجموعة اتفاقات سياسية واقتصادية وثقافية وبيئية، قد عجل فى طى الصفحة السوداء بين البلدين، والانتقال إلى مرحلة جديدة. وأبلغ الكويت الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون بما تحقق من تطورات إيجابية تستوجب اتخاذ قراربنقل العراق من البند السابع إلى البند السادس، على أن يستمر فى تسديد المبلغ المتبقى من التعويضات والبالغ 11 مليار دولار. ماهى التطورات الإيجابية التى يتطلع العراق للاستفادة منها فى المرحلة المقبلة بعد تحرره من شروط وأحكام وعقوبات البند السابع للأمم المتحدة؟ وفق استطلاع أجراه " ميريل لينش – بنك أوف أمريكا " وهو أحد أكبر المصارف الأميركية، تبين أن العراق يتصدر قائمة أكثر الدول نمواً من الناحية الاقتصادية، وأنه سيحقق فى عام 2013 نمواً فى الناتج المحلى يبلغ 10.5%، تليه الصين بـ7.7 %. ولفت التقرير إلى أن هذا النمو يعود أساساً إلى النجاح الذى حققته وزارة النفط فى رفع الإنتاج إلى 3.3 ملايين برميل يومياً، والذى تحقق نتيجة جولات التراخيص والعقود التى وقعتها الحكومة العراقية مع الشركات النفطية العالمية لتطوير الحقول، مع العلم أن احتياطى النفط العراقى الثابت يبلغ نحو 112 مليار برميل ويرتفع الرقم إلى 150 مليار برميل مع الاحتياطيات المحتملة، وبذلك يكون ثانى أكبر خزان نفطى فى العالم بعد المملكة العربية السعودية. ويمتلك العراق طاقات نفطية هائلة، فمن أصل حقوله الأربعة والسبعين المكتشفة والقائمة، لم يتم استغلال سوى 15 حقلاً، وتحتاج الحقول النفطية المستغلة وحدها إلى مبالغ كبيرة من الاستثمارات والإصلاحات قبل أن تستطيع استئناف الإنتاج الكامل. وفى هذا الإطار ينفذ العراق خطة استراتيجية متكاملة تمتد من 2012 إلى 2030 وتشمل قطاعات الطاقة من النفط إلى الغاز الطبيعى والطاقة الكهربائية، ويتطلب تنفيذ برنامج التطوير الذى أوصت به الاستراتيجية توفير رأسمال ونفقات تقدر بنحو 620 مليار دولار، وتحقق إيرادات للحكومة تقدر بستة تريليونات دولار، تشكل الصادرات النفطية 85% منها، كذلك توفر للعراقيين 10 ملايين فرصة عمل فى صناعات مهمة متطورة. من هنا، يتطلع العراق إلى جذب استثمارات عربية وأجنبية بعد خروجه من البند السابع للأمم المتحدة، ويتوقع رئيس هيئة الاستثمار العراقية سامى رؤوف الأعرجى أن تتحول مشاريع نفطية وخدماتية ضخمة لمصلحة شركات خليجية وأجنبية. ويبلغ عدد الشركات المسجلة لدى وزارة التجارة العراقية حتى نهاية عام 2012 أكثر من 62 ألف شركة، من ضمنها 1976 شركة عربية وأجنبية، وهناك 740 مشروعاً بقيمة 32 مليار دولار، وتشكل خريطة استثمارية تستمر على مرحلتين، كل مرحلة من خمس سنوات، وتضم عدداً كبيراً من المشاريع النفطية والكهربائية قيد الإحالة. وأكد الأعرجى أن بعض الشركات بدأت بإرسال مهندسيها وعمالها إلى المواقع العراقية، وهى تعمل من دون حماية، وهو دليل تحسن، خصوصاً وأن هناك مناطق قليلة لا يسمح الوضع الأمنى بالعمل فيها. وأعلن رئيس البورصة العراقية طه أحمد عبد السلام، أن نسبة المشاركة العربية والأجنبية فى سوق التداول ارتفعت إلى خمسة فى المئة، وارتفعت القيمة السوقية للأسهم من 1.710 مليار دولار فى عام 2004 إلى حوالى 5.597 مليارات فى 2012 ثم إلى أكثر من 10 مليارات دولار فى النصف الأول من عام 2013. ويستفيد المستثمرون من إعفاءات من الرسوم والضرائب قد لا تتوافر لهم فى مناخات استثمارية مستقرة، ولكن فى هذا المجال لفت خبراء يعملون فى منظمة التطوير الصناعى التابعة للأمم المتحدة ( يونيدو ) إلى أن إعفاء الشركات من الرسوم جيد، غير أنه ليس كافياً لجذب المستثمرين للعمل فى العراق، لذلك على الحكومة خلق بيئة مشجعة من خلال تفعيل النافذة الواحدة وتقليص خطواتها لإنجاز المعاملات، إضافة إلى تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى والقضاء على الفساد. ولا يخفى بعض خبراء المال والاقتصاد أن سبب فشل الخريطة الاستثمارية العراقية يعود إلى هيمنة شخصيات على مفاصل مهمة فى مركز الحكومة والمحافظات، لا لكفاءتها انما لانتمائها إلى حزب معين مسيطر على الحكم، وأن الشركات الأجنبية المميزة لا تستطيع الدخول إلى العراق بسبب الفوضى الاقتصادية والسياسية والأمنية، وعدم وجود ضمانات حقيقية من قبل الدولة، كما تسود لغة الابتزاز فى كامل مفاصل الاستثمار. ومع تطور حركة الاستثمار يبرز دور المصارف، وعلى الرغم من حالة الاضطراب السياسى والتفجيرات الأمنية، أبدت بعض المصارف الأجنبية رغبتها فى فتح فروع لها فى العراق بعد خروجه من البند السابع، حتى أن " مصرف سيتى غروب " الأمريكى و" ستاندرد تشارترد " البريطانى كانا السباقين فى فتح الفروع بهدف قطف ثمار الاستثمار من المشاريع المطروحة، على أساس أن القوانين المصرفية التى أقرت بعد عام 2003، ووجود أرضية مناسبة من تشريعات واستثمار وتحقيق أرباح، يفتح المجال أمام المصارف الأجنبية لفتح فروعها بدون خوف، الأمر الذى يمكن أن يشجع شركات الاستثمار على القدوم إلى العراق، رغم ترددها فى استثمار أموالها. وفى إطار جذب المستثمرين وطمأنتهم على قيمة استثماراتهم، تبرز أهمية ضمان الاستقرار النقدى على أساس أن سعر الصرف هو محور سياسية الدولة النقدية وكمعيار للنشاط الاقتصادى وتطور قطاعات المال والأعمال والاقتصاد، وفعاليتها على مستوى العلاقات التجارية الخارجية. ويعتقد بعض خبراء المال والاقتصاد أن خروج العراق من البند السابع يجب أن يكون له الأثر الإيجابى على سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى، خصوصاً بعدما سجل انهياراً كبيراً خلال السنوات الماضية. لقد كان سعر صرف الدينار يساوى 3.26 دولارات، لكنه تأثر منذ العام 1980 بتداعيات الحرب العراقية الإيرانية، ثم الحصار الاقتصادى فى اوائل عام 1990، وكانت ضخامة حجم ضخ الدينار فى مقابل ايرادات محدودة من العملات الأجنبية هو الذى أدى إلى تدهور سعر صرفه تجاه الدولار والعملات الأخرى، وبعد احتلال العراق والسماح له بزيادة صادراته من النفط ورفع الحظر عن أمواله المجمدة بدأ سعر صرف الدينار تجاه الدولار بالتحسن لكنه لا يزال متدنياً، فهو حالياً بحدود 1160 ديناراً للدولار. وفى محاولة من الحكومة لتحسين مستوى العملة العراقية، تنوى حذف ثلاثة أصفار بشكل يسعر سعر الصرف 1.16 دينار مقابل الدولار، وستكلف عملية الاستبدال ميزانية الدولة مبلغ 172 مليار دينار أو ما يعادل نحو 150 مليون دولار، وتستعد الحكومة لتنفيذ هذه الخطوة باعتماد "الدينار الجديد" الذى يطلب النظام من البنك المركزى العمل على رفع قيمته تدرجاً وصولاً إلى أن يكون مساوياً للدولار. هل يستطيع النظام بحكومة برئاسة نورى المالكى التى تواجه معارضة أكثر من نصف الشعب العراقى وتعيش فى "جنة الفساد" الذى يتسع ويعشش فى مختلف إدارات الدولة بما فيها البنك المركزى وساهم فى هدر مليارات الدولارات من أموال النفط؟...... وهل يستطيع الاقتصاد العراقى على رغم قوته المالية وملاءته، تحقيق الاستقرار الاجتماعى فى ظل استمرار انعدام الاستقرار الأمنى والسياسى؟ ... وهل يستطيع طمأنة المستثمرين وجذبهم ليساهموا فى مشاريع تنموية تنهض بالبلاد وتحمى العملة الوطنية من التدهور وتعيدها إلى قيمتها السابقة أيام صدام حسين؟ ... لقد بلغت موازنة العراق عام 2013 نحو 138 تريليون دينار ( 112 مليار دولار ) للنفقات، مقابل 119 تريليون دينار ( نحو 97 مليار دولار ) للإيرادات، فيكون العجز 19 تريليون دينار ( أى 15 مليار دولار ). وقد بلغ هذا العجز الكبير على الرغم من ارتفاع صادرات النفط واحتساب سعر البرميل بـ90 دولار، مع العلم أن العراق يعتمد على الإيرادات النفطية لتغطية 95 فى المئة من الموازنة. وهكذا اصبح العجز صفة ملازمة للموازنات العراقية، ولم تستثن موازنة عام 2013 من هذه الصفة، وإن مصدر الخطورة الحقيقية، كقاعدة عامة، يتأتى من الربط الوثيق بين نمو عجز الموازنة ونمو المديونية الداخلية والخارجية. وهذا الأمر قد يدخل الاقتصاد والموازنات اللاحقة فى حلقة مفرغة ذات آثار مدمرة للاقتصاد. ويتضح ذلك بشكل جلى فى موازنة عام 2013 التى تؤكد أن العجز فى السنوات السابقة كان عجزاً تخطيطياً تمت تغطيته من فوائض الموازنات السابقة، ولكن العجز فى موازنة عام 2013 هو عجز مخطط يتم تمويله كالآتى : - 11 تريليون دينار من الوفر المتحقق فى صندوق تنمية العراق. - 2.908 تريليون دينار من حقوق السحب الخاصة. - 6.908 تريليون دينار من الاقتراض الداخلى ( إصدارات حوالات الخزينة ) ومن الزيادة المتوقعة فى أسعار النفط الخام المصدر. - الاستمرار بالاقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى لاستكمال مبلغ قدره بين 5 و6 مليارات دولار. لاشك فى أن اللجوء إلى الاقتراض الخارجى والبحث عن مصادر تمويل خارجية يحصل عندما لا تكفى مصادر التمويل الداخلية فى توفير متطلبات التنمية وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان، ولكن الأمر المحير أن يلجأ العراق إلى الاقتراض الخارجى ويقع مجدداً فى فخ المديونية.