الرئيسية » تمثيل
عذابات المهاجرين المكسيكيين كما ترويها كاتبة أميركية
لورين غروف

القاهرة - المغرب اليوم

بعد بضع صفحات من قراءة رواية جانين كامينز الثالثة «الأوساخ الأميركية»، وجدت نفسي مرتعبة للغاية، لدرجة أنني اضطررت إلى تنظيف منزلي. تبدأ الرواية بمشهد متوتر وحيوي في أكابولكو، حيث وقعت عائلة مكسيكية بأكملها ضحية أثناء حفل شواء خارج المنزل.

كان الناجون الوحيدون هم الأم وابنها البالغ من العمر 8 سنوات الذين تعين عليهم الفرار من قبيلة ناركوس، التي قضت بقية الرواية في مطاردتهما. وفي أحد المشاهد عندما دفعته والدته للاختباء خلف جدار دش في الحمام، قام الابن بعض شفته لتسقط منها قطرة دم على الأرض.

«صوت وقع أقدام في المطبخ أعقبته قعقعة الرصاص المتقطعة في المنزل. تدير الأم رأسها لتلاحظ أرضية البلاط وفوقها بقعة دم لوكا وقد عكسها الضوء المتسلل من النافذة. يشعر لوكا بأن أنفاسه تتقطع في صدره وسط جو المنزل الذي بات هادئاً الآن. المدخل الذي ينتهي عند باب الحمام مفروش بالسجاد. تشد الأم قميصها على يدها وتراقب ابنها في رعب فيما تنحني بعيداً نحو بقعة الدم وتمرر كم قميصها فوق البقعة لتمحوها، تاركة وراءها أثراً خفيفاً، ثم تعود إلى ابنها، فيما يقف رجل حاملاً بندقيته الآلية (إيه كي 47) في الممر المؤدي إلى الباب المفتوح».

باعتباري أماً لطفل يبلغ من العمر 8 سنوات تعاني من القلق، وكشخص يعاني من كوابيس بعد كل خبر أسمعه عن إطلاق نار جماعي، شعرت وكأن المشهد تسلل إلى نخاع عظامي.

لكن خوفاً آخر مختلفاً تسلل إليَّ أيضاً أثناء قراءتي، فقد كنت متأكدة من أنني كنت الشخص الخطأ الذي أراجع هذا الكتاب. لم أستطع أبداً التحدث عن دقة تمثيل الكتاب للثقافة المكسيكية أو لمحنة المهاجرين؛ فلم أكن أبداً مكسيكية أو مهاجرة. في الأوساط الأدبية المعاصرة، هناك حساسية كبيرة ومشروعة تجاه من يكتبون عن تراث لا يخصهم، لأن هذه الممارسة، في أسوأ حالاتها، تديم شرور الاستعمار، وتسرق قصص المظلومين لصالح المسيطرين.

غرقت في القلق أكثر عندما اكتشفت أنه على الرغم من أن كامينز لها مصلحة شخصية في قصص الهجرة، إلا أنها ليست مكسيكية ولا مهاجرة. ومع ذلك، فإن السرد سريع للغاية، ولا أعتقد أنه كان بإمكاني التوقف عن القراءة. ظللت أقلب الصفحات، متابعاً ليديا ولوكا، الأم والابن، أثناء فرارهما عبر المكسيك جمعا معهما مجموعة متنوعة من المهاجرين الآخرين. علمنا أن ليديا كانت صاحبة مكتبة وزوجة صحافي أثار حفيظة الأشخاص الخطأ، وكان لوكا معجزة جغرافية صغيرة. جرى اصطيادهم من قبل لوس جاردينيروس، زعيم العصابة الذي قتل عائلة ليديا. تعرضا للسرقة من قبل ضباط الشرطة الفاسدين، وتعلما كيفية ركوب القطار الذي يموت فيه مئات المهاجرين كل عام. وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في بلدة وجاليس، حيث يتعين عليهم عبور الصحراء سيراً على الأقدام ليلاً بصحبة ذئب للوصول إلى الولايات المتحدة. ساعات الألم والعطش الذي شعروا به في الصحراء لا تزال تطاردني.

تدربت من خلال تعليمي وقراءتي وممارستي كتابة الرواية على الاعتقاد بأن الروايات الجيدة تحتوي على بعض العناصر الأساسية: الفرح الواضح في اللغة، وبعض أشكال الفكاهة، والشخصيات التي تشعر بأنها حقيقية رغم غرابتها، وقصص ودوافع أشخاص حقيقيين، وتغيير درجات التعقيدات الأخلاقية، وفي نهاية المطاف تخريب توقعات القارئ أو رؤيته للعالم.

إن عالم «الأوساخ الأميركية» وثيق الصلة بالفكاهة، وبتطور الكثير من الشخصيات. هناك صوت أخلاقي واحد واضح تماماً فيما يخص المهاجرين. إن الغرض من الرواية مثير للجدل، وكنت سأفهمه حتى من دون ملاحظة المؤلفة التي قالت فيها كامينز إنها تعتزم «إبراز قصص مئات الآلاف من القصص قد لا يسمعون عنها أبداً (حتى يتمكن غير المهاجرين من) تذكر أن هؤلاء الأشخاص بشر». لم يُصنع الخيال الجدلي لتقويض التوقعات، أو التشكيك في البنية غير المرئية للعالم، فقد جرى تصميم الخيال الجدلي لجعل القراء يتصرفون بطريقة تتوافق مع رؤية الكاتب.

كل هذا يعني أن رواية «الأوساخ الأميركية» تحتوي على القليل من الجوانب التي طالما اعتقدت أنها ضرورية لنجاح الرواية الأدبية. ومع ذلك، إذا كانت موجودة بالفعل، فلن تكون هذه الرواية قوة دفع كما تبدو. تغمر لغة الكتاب البسيطة القارئ بسرعة في حالة الرعب والعناء التي يعيشها ليديا ولوكا في رحلتهما. ويسمح لنا النسيج الأخلاقي غير المعقد بقراءة الرواية باعتبارها قصة مثيرة ذات رهانات حقيقية، فيما تعطي العمارة الجدلية للرواية دافعاً قوياً وفعالاً للسرد.

إن أعظم روح تسود الرواية هي الحب بين ليديا ولوكا، فهي تسلط الضوء الساطع على جميع المهاجرين اليائسين لتشعرنا بأنها حقيقة معاشة.

ويبدو أن رواية «الأوساخ الأميركية» تدرك تماماً التناقضات في السلطة بين الأشخاص اليائسين الذين تصفهم، والكاتبة التي صورتها، والقارئ الذي يتلقاها، حيث تقدم الرواية نفسها كدليل على حقيقة أن كامينز قد عملت على تقليل فارق القوة. فلطالما كان الاعتراض الرئيسي على الهيمنة الثقافية، وإساءة استخدام السلطة، تتعلق بالبحث غير الكافي، والخيال الفاتر، وعدم الاحترام، وافتراض أن الحق يمكنه أن يتحدث نيابة عن الأشخاص القادرين تماماً على التحدث عن أنفسهم. تشير كامينز لاحقاً إلى أنها أجرت بحثاً هائلاً وسافرت كثيراً، وأجرت مقابلات مع العديد من الأشخاص، وعملت على روايتها بجدية مطلقة طيلة أربع سنوات. ومع ذلك، أثار كتّاب مثل ميريام جوربا مخاوف بشأن الرواية عندما قالوا إنها تنقل الصور النمطية للمكسيك كمكان خطر، بينما يُنظر إلى الولايات المتحدة دائماً على أنها مكان آمن، وأن هذه الصور النمطية يمكن أن تشعل عن غير قصد وإلى أبعد الحدود الحق في ازدرائهم للمكسيكيين. في الوقت نفسه، يتحدث كتّاب مكسيكيون أميركيون ولاتينيون آخرون دعماً للكتاب، منهم ساندرا سيسنيروس، وجوليا ألفاريز، وإريكا سانشيز.

صحيح أنه نظراً لأن أهداف هذا الكتاب جدلية، فمن الواضح أن الجمهور المقصود ليس المهاجرين الموصوفين فيه، الذين - بعد أن عاشوا بالفعل تجربته المروعة - لن يكونوا بحاجة إلى إعادة إحيائها في الخيال. لقد كتبت رواية «الأوساخ الأميركية» لأشخاص مثلي، من مواطني الولايات المتحدة الذين يشعرون بالقلق بشأن ما يحدث على حدودنا الجنوبية، ولكنهم لم يشعروا أبداً بخوف المهاجرين ولا باليأس.

تستهدف هذه الرواية الأشخاص الذين أحبوا الطفولة، وقاتلوا بكل ما لديهم من قوة لينعم هؤلاء الأطفال بمستقبل واعد. لا تتمثل نية كامينز المعلنة في التحدث باسم المهاجرين، بل في التحدث ونحن نقف بجانبهم وبصوت عالٍ بما يكفي ليسمعه الأشخاص الذين يرفضون أن يسمعوا.
- خدمة «نيويورك تايمز»

قد يهمك ايضا:

إلغاء معظم الفعاليات الثقافية وتهديدات لمعارض الكتب الدولية بسبب كورونا

"كورونا" يتسبب في إلغاء معرض الكتاب في فرنسا مع زيادة عدد الضحايا

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

مسرحية “نَايْضَة تو” الواقع السياسي ومفارقات تحالفات أحزاب اليمين…
محترف ناس الحال ينهي جولته بمسرحية "الحلم الراكد"
الأفخم يحصل على جائزة ترايمف الدولية الثقافية ويهديها لحاكم…
عذابات المهاجرين المكسيكيين كما ترويها كاتبة أميركية
استئناف عروض مسرحية "سينما مصر" على مسرح النافورة في…

اخر الاخبار

المغرب يعزز دعمه للأسر المتضررة في القدس والنازحين من…
القمة العربية تؤكد على دور لجنة القدس برئاسة الملك…
انتخاب المغرب نائباً لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء…
ناصر بوريطة يُجري مُباحثات مع نظرائه بدول عربية على…

فن وموسيقى

إلهام شاهين تثير الجدل بتصريحاتها بشأن الصلاة وتكشف عن…
محمد حماقي يخضع لجراحة عاجلة بالبطن وينفي شائعات جراحة…
إياد نصار يوضح سبب اختيار اسم مسلسل "ظُلم المصطبة"…
نجوى كرم بين النجاحات والتحديات في مسيرتها الفنية والشخصية…

أخبار النجوم

طارق لطفي يكشف عن رأيه بخصوص ارتداء الحجاب
محمد رمضان يعلق على مقارنة «مدفع رمضان» بـ «رامز…
رانيا يوسف تختار النجمة مي عمر منافسة لها في…
إلهام شاهين توضح أسباب فشلها في الإنتاج

رياضة

ظهور أبو تريكة في إعلان النادي الأهلي يُثير ضجّة…
محمد صلاح يتأهب لقمة ليفربول وباريس بأرقام مميزة في…
ميسي يروي معاناته في باريس سان جيرمان ويفصح عن…
وليد الركراكي يؤكد أن المغرب أصعب منتخب يمكن تدريبه

صحة وتغذية

طرق لتقليل تأثير الحلويات على الجسم وصحة الأمعاء
المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة "بوحمرون" لرفع…
أطعمة غنية بالألياف تساهم في تحسين الهضم وتنظيم مستويات…
مسكن شائع أثناء الحمل قد يزيد من خطر اضطراب…

الأخبار الأكثر قراءة