الرباط ـ المغرب اليوم
رواية "الوطن ليس هنا" تَطرح، بواسطة سردٍ رومانسي وفلسفي، أول الأسئلة الوجودية التي يبدأُ الفرد منا في طرحها بعد أن يخلُصَ من ذاته، ألا وهي علاقته بالوطن. فالكاتب يسأل ماذا يعني لنا الوطن؟، هل يقتصرُ فقط على ذاك الحيز الجغرافي الذي تصنعه لنا الخريطة؟، كيف نؤمنُ بكيان لا مرئي هلامي نبادله ذلك الانتماء الكبير؟، أم أنّ علاقتنا بالوطن اختزلت في أوراقنا الثبوتية وبطائق الهوية؟
بطل الرواية "طارق" يدور في هذه المتاهة ويطرح كل هذه الأسئلة الوجودية، فهو الشاب المغربي الحالم بالقومية العربية، الآتي من جراحات الماضي الرومانسي المؤثث بالنضال الجامعي، والاعتقالات والأحلام الطوباوية، يستنفذ كل أماله وأحلامه في حياةٍ ووطنٍ يليقان به، يعيش حياة تائهة، غير مستقرة، تؤرقها أزمة وجود وإثبات للذات، لكن القدر يضعه فجأة في طريق قصة حبٍ جديدة قد تصالحه مع ذاته، ومع الوطن، وتدفعه لنسج أحلامٍ جديدة، لكن أمله يخيب مرةً أخرى، فيقرر الرحيل إلى فلسطين بحثًا عن موتٍ جميل، وكما كان الحب سبب رحيله سيكون هو كذلك سبب عودته. ولكون بطل الرواية يعيش تائهًا بين "الرحيل" و "العودة" جاءت فكرة العنوان الوجودي للرواية "الوطن ليس هنا" ليرمز بطريقة سينمائية لأحداث الرواية ورسالتها.
كل شخصيات رواية "الوطن ليس هنا" تبحث عن مصالحة ذواتها مع الوطن، أن يبادلهم هذا الأخير الحب والاستقرار عوض أن يبقى مجرد نشيد أو علم أو حتى إحداثيات جغرافيًا. لقد وقف الوطن حاجزًا منيعًا بين "طارق" وحبيبته الإسرائيلية "أماليا"، لم يملك طارق سوى أن يغادر حبيبته بسبب تأمر التاريخ والهوية وقصص السياسة والحروب التي تتربص بالحب... وقف الوطن كذلك بكل جراحه سدًا منيعًا أمام "سلوان" الفتاة الفلسطينية التي فشلت كل قصص حبها بسبب وطنها الجريح والمحتل، فكل شاب تُحبه يغادرها إما للشهادة أو ليرحل لاجئًا أو هاربًا من الموت الذي مُنحَ للعرب في شيك على بياض من إمضاء القدر. بسبب الوطن أيضاً زار الرصاص جسد "جهاد" ليرميه للاستشهاد، بسبب الوطن دائما يعيش "خليل" و"ليلى" و"نجيب" و"أحمد" حياة الانتظارواللإستقرار، يُثقلُ الماضي حاضرهم ويُفخخ مستقبلهم.
في رواية "الوطن ليس هنا" ربما كان الوطن هنا موجوداً لكنه كان موجود وجود ذاك الإرهابي الذي يفجرُ بكل زهو أحلام ومشاريع أبناء جلدته بحزامٍ ناسف اسمه "الانتماء للوطن.