الرئيسية » مراجعة كتب

رام لله ـ وكالات

لا يبتعد كتاب "من التائه" لمؤلفه الناقد والمؤلف الموسيقي جلعاد عتسمون من ترجمة الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب والصادر أخيرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عن كتابات أخرى لمؤلفين يهود يعانون الغربة مع يهوديتهم التي سعت الصهيونية إلى صهرهم في بوتقتها، ضمن سعيها لتحويل يهود العالم إلى "غيتو" جديد باعتبار أن اندماجهم قتل لفكرها وروحها. بيد أن سعي الصهيونية إلى ذلك لم يزد هؤلاء إلا إمعانا في تشظي هويتهم وزيادة في غربتها، فالصهيونية وتعريفاتها لا تقبل باليهودي إلا جزءا من قبيلة صهيونية تصادر الاعتراف بالآخر وتضع الجميع في سلة "الأغيار"، وفي المآل يصاب إسرائيل شاحاك وعتسمون وجدعون ليفي بالشعور "بالخزي لكوني يهوديا" حسب تعبير شاحاك. يلج عتسمون -أحد أبرز فناني الجاز في العالم- في كتابه الساعي لمناقشة إرباكات الهوية وتشظيها من باب سيرة ذاتية عنه، فهو حفيد لجد إرهابي صهيوني مخضرم (قائد بارز في منظمة الهاغاناه) شديد الكراهية للعرب والألمان على حد سواء، وسليل تربية صهيونية بامتياز.غير أن الكاتب الذي شغفته الموسيقى لتجعل منه فيما بعد عازفا وناقدا موسيقيا، أدرك لاحقا ما تنطوي عليه المقولات الصهيونية من اتسام باللا إنسانية، فغادر إسرائيل إلى أوروبا بعد خدمة في الجيش الإسرائيلي عاين خلالها حرب العام 1982. قبل مغادرته أدرك عتسمون أنه "يعيش على أرض تخص شخصا آخر"، إذ يقول في كتابه "استوعبت الحقيقة المدمرة أنه في العام 1948 لم يترك الفلسطينيون بيوتهم طواعية، بل تم تطهيرهم عرقيا على يد جدي وفصيله".ويضيف "بدأت أدرك أن التطهير العرقي لم يتوقف أبدا في إسرائيل، كل ما في الأمر أنه اتخذ أشكالا أخرى". ولا يرى عتسمون أيضا في اتفاق أوسلو "سوى التفاف على الوضع القائم"، ولم تكن الغاية منه التصالح مع الفلسطينيين، أو مواجهة الخطيئة الصهيونية الأصلية، وإنما تأمين وجود الدولة الإسرائيلية أكثر على حساب الفلسطينيين. وبالنسبة للإسرائيليين لا تعني "شالوم" السلام، بل الأمن ولليهود فقط، كما يضيف الكاتب. وصولا إلى تلك الحقيقة، ترك عتسمون كل شيء وراءه بمن فيهم زوجته ناتالي التي انضمت إليه لاحقا، وكل ما أخذه هو ساكسفونه "صديقه الحقيقي والأزلي". وفي الجانب الذي يوجّه فيه عتسمون نقده للهوية والسياسة اليهوديتين، يتقاطع مع كتابات عربية كثيرة في رؤيتها للصهيونية واليهودية كأيدولوجية تستند إلى مقولات دينية عنصرية. وفي جانبه الذاتي يفيض بكثير من المشاعر حين تصبح فلسطين بلده بدلا من مستعمرات إسرائيلية أقامها الكيان. أبعد من ذلك تصبح الموسيقى العربية وصوت الآذان المنبعث من مدن فلسطين التاريخية ووجوه الفلسطينيين هي أكثر ما يشده من الحنين، وتتسلل الموسيقى العربية إلى عزفه ومقطوعاته الموسيقية.بتلك الرؤى التي ينثرها عتسمون كأنما يشير إلى هوية مختلفة ليهودي في فلسطين، منتسبا إلى ديانة أخرى تعج بها فلسطين ضمن هذا الوطن، لا إسرائيل باعتبارها كيانا دخيلا وغريبا أسسه الصهاينة على أرض ليست لهم.ينطلق عتسمون من علمانية ترفض توجيه النقد إلى الديانة اليهودية باعتبارها دينا بل باعتبارها أيدولوجية، مشيرا إلى أنه لا يتعامل مع اليهود باعتبارهم سلسلة عرقية متصلة، ولافتا إلى أن من يبحثون عن تأويل للصهيونية له علاقة بالدم والعرق، عليهم أن يبحثوا عنه في كتاب آخر غير كتابه. ويشير إلى الصهيونية بوصفها مبدأ غايته الحيلولة دون اندماج اليهود مع مجتمعات أخرى، ومعنى أن تكون صهيونيا "أن تمنع اليهود من الانجراف بعيدا". إن الصهيونية -كما يقول عتسمون- تستعمر فلسطين فعليا، لكن فروعها تمتد إلى ما هو أبعد بكثير، فهي ليست حركة تدعمها بعض جماعات الضغط المتحمسة حول العالم، وإنما منظومة عالمية تمتلك المقدرة على صوغ وإعادة تركيب مفهوم "الغيتو اليهودي"، أي تشكيل مفهوم "شعب الله المختار".وهي في المحصلة شبكة عالمية لا رأس لها.. إنها روح، والروح بحسب عتسمون لا يمكن إلحاق الهزيمة بها لسوء الحظ، ومع ذلك يجب فضحها لما هي عليه كما يرى الكاتب والموسيقي اليهودي.لا يترك عتسمون كتابه ينتهي دون أن يقدم رسالته هو للسلام، وهي رؤية حالمة تعبر عن حالة مشاعرية، إذ يأمل أن يستيقظ رئيس وزراء إسرائيلي ليدرك أن إسرائيل ما هي في الحقيقة إلا فلسطين، وأن الصواريخ التي تنطلق من غزة هي رسالة محبة من السكان الأصليين إلى قراهم وبساتينهم وحقولهم المسروقة. وفي رؤية عتسمون الخيالية تتم الدعوة إلى مؤتمر صحفي يُطلب فيه من الفلسطينيين العودة إلى بيوتهم لتصبح الدولة اليهودية دولة لكل مواطنيها، حيث يتمتع كل الناس بحقوق كاملة وبصفة متكافئة.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

منزل نتنياهو تعرض لسقوط قنبلتين ضوئيتين
السفير الإيراني السابق في بيروت يكشف عن اتصال نصرالله…
تعيين المغربي عمر هلال رئيساً مشاركاً لمنتدى المجلس الاقتصادي…
عبد اللطيف لوديي يُبرز طموح المملكة المغربية في إرساء…

فن وموسيقى

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…
المغربية بسمة بوسيل تُشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة التي تستعد…
كاظم الساهر يتألق في مهرجان الغناء بالفصحى ويقدم ليلة…

أخبار النجوم

محمد فراج يكشف تفاصيل أحدث أعماله الفنية
أشرف عبدالباقي يعود للسينما بفيلم «مين يصدق» من إخراج…
أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

صحة وتغذية

نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…
أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…

الأخبار الأكثر قراءة