من التائه قراءة في نقد الهوية
آخر تحديث GMT 07:20:51
المغرب اليوم -

"من التائه" قراءة في نقد الهوية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

رام لله ـ وكالات

لا يبتعد كتاب "من التائه" لمؤلفه الناقد والمؤلف الموسيقي جلعاد عتسمون من ترجمة الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب والصادر أخيرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عن كتابات أخرى لمؤلفين يهود يعانون الغربة مع يهوديتهم التي سعت الصهيونية إلى صهرهم في بوتقتها، ضمن سعيها لتحويل يهود العالم إلى "غيتو" جديد باعتبار أن اندماجهم قتل لفكرها وروحها. بيد أن سعي الصهيونية إلى ذلك لم يزد هؤلاء إلا إمعانا في تشظي هويتهم وزيادة في غربتها، فالصهيونية وتعريفاتها لا تقبل باليهودي إلا جزءا من قبيلة صهيونية تصادر الاعتراف بالآخر وتضع الجميع في سلة "الأغيار"، وفي المآل يصاب إسرائيل شاحاك وعتسمون وجدعون ليفي بالشعور "بالخزي لكوني يهوديا" حسب تعبير شاحاك. يلج عتسمون -أحد أبرز فناني الجاز في العالم- في كتابه الساعي لمناقشة إرباكات الهوية وتشظيها من باب سيرة ذاتية عنه، فهو حفيد لجد إرهابي صهيوني مخضرم (قائد بارز في منظمة الهاغاناه) شديد الكراهية للعرب والألمان على حد سواء، وسليل تربية صهيونية بامتياز.غير أن الكاتب الذي شغفته الموسيقى لتجعل منه فيما بعد عازفا وناقدا موسيقيا، أدرك لاحقا ما تنطوي عليه المقولات الصهيونية من اتسام باللا إنسانية، فغادر إسرائيل إلى أوروبا بعد خدمة في الجيش الإسرائيلي عاين خلالها حرب العام 1982. قبل مغادرته أدرك عتسمون أنه "يعيش على أرض تخص شخصا آخر"، إذ يقول في كتابه "استوعبت الحقيقة المدمرة أنه في العام 1948 لم يترك الفلسطينيون بيوتهم طواعية، بل تم تطهيرهم عرقيا على يد جدي وفصيله".ويضيف "بدأت أدرك أن التطهير العرقي لم يتوقف أبدا في إسرائيل، كل ما في الأمر أنه اتخذ أشكالا أخرى". ولا يرى عتسمون أيضا في اتفاق أوسلو "سوى التفاف على الوضع القائم"، ولم تكن الغاية منه التصالح مع الفلسطينيين، أو مواجهة الخطيئة الصهيونية الأصلية، وإنما تأمين وجود الدولة الإسرائيلية أكثر على حساب الفلسطينيين. وبالنسبة للإسرائيليين لا تعني "شالوم" السلام، بل الأمن ولليهود فقط، كما يضيف الكاتب. وصولا إلى تلك الحقيقة، ترك عتسمون كل شيء وراءه بمن فيهم زوجته ناتالي التي انضمت إليه لاحقا، وكل ما أخذه هو ساكسفونه "صديقه الحقيقي والأزلي". وفي الجانب الذي يوجّه فيه عتسمون نقده للهوية والسياسة اليهوديتين، يتقاطع مع كتابات عربية كثيرة في رؤيتها للصهيونية واليهودية كأيدولوجية تستند إلى مقولات دينية عنصرية. وفي جانبه الذاتي يفيض بكثير من المشاعر حين تصبح فلسطين بلده بدلا من مستعمرات إسرائيلية أقامها الكيان. أبعد من ذلك تصبح الموسيقى العربية وصوت الآذان المنبعث من مدن فلسطين التاريخية ووجوه الفلسطينيين هي أكثر ما يشده من الحنين، وتتسلل الموسيقى العربية إلى عزفه ومقطوعاته الموسيقية.بتلك الرؤى التي ينثرها عتسمون كأنما يشير إلى هوية مختلفة ليهودي في فلسطين، منتسبا إلى ديانة أخرى تعج بها فلسطين ضمن هذا الوطن، لا إسرائيل باعتبارها كيانا دخيلا وغريبا أسسه الصهاينة على أرض ليست لهم.ينطلق عتسمون من علمانية ترفض توجيه النقد إلى الديانة اليهودية باعتبارها دينا بل باعتبارها أيدولوجية، مشيرا إلى أنه لا يتعامل مع اليهود باعتبارهم سلسلة عرقية متصلة، ولافتا إلى أن من يبحثون عن تأويل للصهيونية له علاقة بالدم والعرق، عليهم أن يبحثوا عنه في كتاب آخر غير كتابه. ويشير إلى الصهيونية بوصفها مبدأ غايته الحيلولة دون اندماج اليهود مع مجتمعات أخرى، ومعنى أن تكون صهيونيا "أن تمنع اليهود من الانجراف بعيدا". إن الصهيونية -كما يقول عتسمون- تستعمر فلسطين فعليا، لكن فروعها تمتد إلى ما هو أبعد بكثير، فهي ليست حركة تدعمها بعض جماعات الضغط المتحمسة حول العالم، وإنما منظومة عالمية تمتلك المقدرة على صوغ وإعادة تركيب مفهوم "الغيتو اليهودي"، أي تشكيل مفهوم "شعب الله المختار".وهي في المحصلة شبكة عالمية لا رأس لها.. إنها روح، والروح بحسب عتسمون لا يمكن إلحاق الهزيمة بها لسوء الحظ، ومع ذلك يجب فضحها لما هي عليه كما يرى الكاتب والموسيقي اليهودي.لا يترك عتسمون كتابه ينتهي دون أن يقدم رسالته هو للسلام، وهي رؤية حالمة تعبر عن حالة مشاعرية، إذ يأمل أن يستيقظ رئيس وزراء إسرائيلي ليدرك أن إسرائيل ما هي في الحقيقة إلا فلسطين، وأن الصواريخ التي تنطلق من غزة هي رسالة محبة من السكان الأصليين إلى قراهم وبساتينهم وحقولهم المسروقة. وفي رؤية عتسمون الخيالية تتم الدعوة إلى مؤتمر صحفي يُطلب فيه من الفلسطينيين العودة إلى بيوتهم لتصبح الدولة اليهودية دولة لكل مواطنيها، حيث يتمتع كل الناس بحقوق كاملة وبصفة متكافئة.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من التائه قراءة في نقد الهوية من التائه قراءة في نقد الهوية



نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:20 2024 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

الصين تطالب بوقف القتال في الشرق الأوسط
المغرب اليوم - الصين تطالب بوقف القتال في الشرق الأوسط

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 03:43 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يعثرون على مقبرة اللورد "هونغ" وزوجته في الصين

GMT 19:20 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

سعد الدين المرشّح الأقوى لمنصب رئيس البرلمان المغربي

GMT 11:14 2015 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

سيارات نيسان الكهربائية تمد المنزل بالطاقة

GMT 04:18 2016 الإثنين ,16 أيار / مايو

أم لستة أطفال تستخدم الخضروات في أعمال فنية

GMT 00:57 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة أم يحيى تكشف عن حقيقة السحر وأسرار الأعمال السفلية

GMT 12:56 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد والترجي الجمعه في أقوى مواجهات الجولة الرابعة

GMT 15:43 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مارسيلو يخالف لاعبي الفريق الملكي بشأن زميله بنزيمة

GMT 02:00 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة عطور جديدة من "Trouble in Heaven Christian Louboutin"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib