اوسلو ـ وفا
اختتم مسرح الحرية من مخيم جنين اليوم الاربعاء، مشاركته في مهرجان ترمسو المسرحي في النرويج وعرضه المسرحي 'الجزيرة' الذي حاكي واقع الأسرى الفلسطينين.
لحظات بين انطفاء اضواء مسرح ترمسو في النرويج وعودته تدريجياً ليكشف لنا عن نجمين مبدعين متألقين، فيصل ابو الهيجاء واحمد الرخ وفي ادوار مختار وادم.
لم تكن تلك الخشبة سوى تسليط ضوء على معاناة الاسرى الفلسطينيين، ولكن كانت هذه المرة باستعراض هموم مباشرة وحقيقية ابتعدت عن التجمل فالمرأة والجنس والتدخين وتذكر الشوارع وقصص الماضي بجمالها وقبحها احتلت اساطير حكايات الاسيرين مختار وامام في مسرحية الجزيرة، وتلك المعاناة التي يتشربها الاسرى يومياً بشكل اصبح اعتيادي وروتيني، بل اصبح من ضمن قواميس الحياة في زنازين الاعتقال، ثم اخرج هؤلاء تفاصيل الافراج عن احدهم وبقاء الاخر واحساس كل منهم بانه سيختفي تدريجياً في حتى الذاكرة القادمة.
وكانت الصرخة الاجمل بالمسرحية التي ذكرت انتيجوني المتمردة والملك كريون والذي ظهر انه صراع بين المنطق والديكتاتورية بين القانون والاستبداد، كان في صراخ فيصل في جمهور المسرح وهو يقوم بدور انتيجوني دعوة للاستيقاظ والكف عن الاستمرار في سبات مقيت والقبول بالظلم والذل من قبل كريون الذي قدمه احمد والذي ظهر متعالياً متعجرفاً لا يأبه لأحد، رغم ان احمد نفسه قدم ايضاً خلال مسرحية الجزيرة محطات درامية وهو يسأل عن زوجته واطفاله وكذلك انتظاره للافراج واحساسه بخذلان رفيقه بسبب تحرره هو وبقاء الاخرين في السجون.
بهذه المسرحية التي تحاكي واقع الأسرى الفلسطينيين، اختتم مسرح الحرية من مخيم جنين مشاركته في مهرجان ترمسو المسرحي حيث لاقت نجاحا كبيرا ونوعية اداء وصل الى قلوب الجمهور وقد قدم الممثلون المسرحية باللغة الانجليزية مما عمل على توضيح الرؤية للمشاهد الغربي.
وبعد العرض جلس طاقم المسرحية في نقاش مع الجمهور والفرق المسرحية المختلفة القادمة من العديد من الاماكن، حيث تكلم الممثلون احمد رخ وفيصل ابو الهيجا عن واقع المسرح الفلسطيني، وأهمية الثقافة كأداة للمحافظة على الهوية الفلسطينية والقيم التي تناهض فكرة الاحتلال الاسرائيلي، وكما تطرق الحوار عن واقع الأسرى الفلسطينيين وما يتعرضون له من ضغوط مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية وقد أكد الفنانون على ان الفنان هو سفير بلده الام.
ردود الفعل الايجابية من الجانب النرويجي كانت حاضرة، حيث قالت مخرجة المسرح الوطني النرويجي تالا هالفورسن إن مسرحية الجزيرة هي عمل فني ذو طاقة عالية يحاكي القلوب الانسانية ويطرح قضية حقيقة عادية على خشبة المسرح، فيما اشار المدير الفني لمهرجان ترمسو المسرحي بينت بارت، الى ان مسرحية الجزيرة عمل فني يمتاز بإيقاع يشد الجمهور ويضعهم في خانة انتظار الأحداث والتشويق، فيما علق الفنان الفلسطيني المسرحي المقيم في النرويج احمد طوباسي على مسرحية الجزيرة بأنها ايقظت الاحساس بمعنى الحياة واهمية ان لا يرضى الشعب الفلسطيني بما يفرض عليه قسراً.
يشار الى أن مسرحية الجزيرة هي تسجيل لمقاومة الاسرى للحياة العنصرية في سجون الاحتلال، من انتاج مسرح الحرية وبمحاكاة للتجربة الجنوب افريقية، وهي من كتابة المناضل الأممي اثول فوجرد والتي تحدث فيها عن التمييز العنصري والسجناء السياسيين في جنوب أفريقيا والتي تم محاكاتها في مسرح الحرية لتطابق واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وقد عرضت المسرحية ٨ مرات على خشبة المسرح في جنين، كما عرضت في الخليل، وكانت افتتاح لمهرجان المسرح في العاصمة السويدية (ستوكهولم)، وبعد نجاح العرض بشكل مميز فقد تلقت المسرحية عدة دعوات لعرضها حيث سيتم عرضها باللغة الانجليزية في جولة بالولايات المتحدة الامريكية في شهر أيلول الحالي، وفي البرازيل، واخيراً في النرويج.
حيث يقول مخرج العمل الأمريكي جاري انجلش ان هذا العمل يأتي لتسليط الضوء على قضايا السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولتعريف العالم بواقع الأسرى الفلسطينيين وفضح ممارسات الاحتلال المجحفة بحقهم، وتأتي رسالة المسرحية ان التمييز العنصري الذي عانى منها السكان الأصليين في جنوب أفريقيا هو نفسه ما يعاني منه الفلسطينيون أصحاب الأرض الحقيقيين، كما تبرز المسرحية أهمية الثقافة كأداة للمقاومة والمطالبة بالحقوق الانسانية، فبالرغم من تواجد وحياة الأسرى في ظروف السجن القاسية مازالت ارواحهم عطشى للحرية والفن بالنسبة اليهم ماء الحياة.
وتدور أحداث المسرحية في سجن الجزيرة (وهي رواية درامية مقتبسة عن أحداث حقيقية في مكان اسر المناضل الكبير نيلسون مانديلا) حول الاسيران مختار وإمام 'وينستون وجون' وهما ملقيان على الشاطئ ملطخان بالدماء نتيجة العمل الشاق الذي فرض عليهم كسجناء سياسيين، حيث يدور نقاش بينهما، فاحدهما سيتم اطلاق سراحه قريبا (إمام - جون) والآخر محكوم عليه بالسجن مدى الحياة (مختار - وينستون) ويمضون وقتهم في النهار في العمل المرهق جسديا وعندما يحل المساء يقومون بالتدريب والتحضير لعرض مسرحية (انتيجوني) لسوفوكليس داخل السجن. انتيجوني التي تتحدى قوانين الدولة التي منعتها من دفن جثة أخيها , وحكم عليها عمها بالموت عقابا لها على الجريمة التي ارتكبتها. هل انتيوجني مذنبة؟ ومن يقرر ذلك؟ واستنادا على أي قانون؟