برلين - جورج كرم
يُواجه الائتلاف الحكومي الذي تقوده المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، خطر الانهيار على خلفية نزاع بشأن المهاجرين، بعد أن اعتبر الحزب المسيحي الاشتراكي الأحد، اقتراحات ميركل لتقليص عدد طالبي اللجوء غير كافية، وبعد توترات استمرت أكثر من أسبوعين بين المستشارة والحزب، الركن اليميني الأكثر تطرفا في الائتلاف الحاكم، كان مفترضا أن يُبتّ في النزاع هذا المساء "إما بالتوصل إلى تسوية وإما بانهيار الائتلاف الضعيف الذي تم التوصل إليه في مارس/ آذار الماضي".
ألمانيا عمود قوة أوروبا
يمكن استعارة عبارة "حين تُصاب ألمانيا بنزلة برد تصاب أوروبا بالتهاب رئوي"، وفي الوقت الحالي، يبدو الوضع السياسي في برلين في غاية الوضوح، فإذا انهارت حكومة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، يجب على الجميع في أوروبا الخوف من الحياة بعد ذلك، ويمكن القول بأن حكومة ميركل بدأت في الانهيار، بعد قرارها الخاص بالسماح لأكثر من مليون لاجئ سوري، الدخول إلى ألمانيا، فلم تهتم لمدى قوة ألمانيا أو انقسامها، بجانب التزايد البرلماني للأحزاب اليمنية المتطرفة.
ويجب أن نتذكر أيضًا أن ألمانيا لا تزال القوة الاقتصادية والصناعية الوحيدة للقارة الأوروبية التي تتمتع بمكانة عالمية حقيقية، إنها قوة عظيمة وجيدة، ولكن ربما اتخذ الأوروبيون استقرارها اللطيف كونه أمرًا ثابتًا وضمانًا إلى الأبد.
وإذا انهارت حكومة ميركل، فستأتي قوة أخرى بثلاثة أشياء تضر بأوروبا، أولا، عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق بشأن الهجرة، وغالبًا هذا الأمر الذي ستدور حوله الانتخابات المقبلة، ثانيًا، رفض دعم إنقاذ إيطاليا ماليًا، حيث تهدد الحكومة الإيطالية اليمنية، طباعة أموال خزانتها، وهو أمر من اختصاصات البنك المركزي الأوروبي، وربما هذه الخطوة ستقود إلى تراجع العملة الموحدة بالكامل.
وأخيرًا، سيكون هناك موقف ألماني أكثر تشككًا بشكل عام في تعزيز التكامل الأوروبي وفقًا للخطوط التي ينادي بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وبالتالي إضعاف العمود الفقري للاتحاد الأوروبي، محور باريس-برلين.
حزب سينهوفر "مُتسرّع"
يُقال في بعض الأحيان إن تهديد زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي، ووزير داخلية ميركل، هورست سيهوفر، بالاستقالة من حكومتها هو أمر روتيني نتيجة الفوضى العارضة بين شركاء التحالف، لكن في الحقيقة يبدو أن الأزمة أسوأ بكثير، لأن عواقب مغادرة ميركل ستكون زلزالية، وأكثر من مجرد سقوط حكومة، ونهاية المهنة السياسية للمستشارة، وهذا أمر بالغ الأهمية.
ولا يفهم حزب سيهوفر الارتباط الأخوي مع حزب ميركل، فهما أشبه بالتوائم، إن لم يكن الملتصقة، فلم ينجح الحزب الاشتراكي المسيحي بالفوز بمنصب المستشار الفيدرالي، لكنه تمكن من مساندة ميركل ودعمها.
ويشعر البافاريون الأغنياء في الجنوب الذين يمتلكون السيارات الألمانية الفارهة، بالاستياء من تدفق اللاجئين، لكنهم في نفس الوقت يرفضون مساعدة اليونان، وهي الدولة الأوروبية التي تعاني من أزمة مالية، وهنا تتباين المصالح البفارية بشكل أكبر من المصالح الألمانية الاتحادية، وهذا هو الانشقاق.
اليمين الطريق الأسهل للسلطة في أوروبا
وما يحدث في ألمانيا يحدث في جميع أنحاء أوروبا منذ سنوات، حيث انتصار إيمانويل ماكرون في فرنسا، وأنغيلا ميركل في ألمانيا، واليمين المتطرف، أو اليمين الشعبوي، أو اليمين النازي الجديد، أو اليمين المحافظ، إما بمفردهم أو في ائتلاف، سلوفينيا هي الأحدث، والنمسا، وإيطاليا، والمجر، وبولندا وجمهورية التشيك وبلغاريا، وبالتالي تموت الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا منذ سنوات، لكن بالموت البطيء، وتعاني الديمقراطية المسيحية التي تؤمن بها أوروبا من نفس المصير.
ويرى "المحافظين" أن الطريق الأسهل إلى السلطة في أوروبا هو تشكيل تحالفات لليمين المتطرف، بدلا من المجموعات الوسطية والتحالفات الكبرى للديمقراطيين الاجتماعيين، فبالتأكيد إن النهج الذي تتبعه أوروبا مرعب.
وتعاني أوروبا بشدة خلال الفترة المقبلة، نظرًا للظروف المحيطة حيث التوسع الروسي العدواني في القارة، والحرب التجارية والمشروع الأوروبي المتعثر، وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا، كل هذا عواصف ستحل بالقارة العجوز، وستعصف بها.