الجزائر ـ فاطمة السعداوي
يتحصّن العديد من المهاجرين من غرب أفريقيا، في منزل يعرف باسم غوانتانامو، خارج الجزائر العاصمة، لأنهم يقولون إنه يشبه السجن، ويقع المبني في ضواحي الجزائر، ويتكون من طابقين، لا سطح له، عبارة عن أكوام من الأسِرة، ويضم ما لا يقل عن 30 شخص من غرب أفريقيا، سكانه يأتون ويذهبون، أشخاص من الكاميرون وغينيا والنيجر، يهتمون بشؤونهم العاطفية، والصراعات، والأعمال التجارية، والألعاب، ويبحثون عن عمل أينما يمكنهم العثور عليه، وهدفهم الرئيسي هو المضي قدما نحو الشمال، إلى أوروبا، ولكن منذ اجتياح المهاجرين ليبيا المجاورة باستخدام شواطئها كقاعدة انطلاق لأوروبا، أصبح المرور عبر الجزائر أكثر تعقيدًا.
وقالت جوسيان، وهي امرأة كاميرونية، إن "الجميع تقريبا الذي كنا نعرفهم هناك موجودون في أوروبا الآن"، وهي تنظر إلى صورة الأصدقاء الذين سافروا إلى إيطاليا، وفي شقته في الضواحي الغربية للجزائر العاصمة، كان لوك، وهو شخص آخر من الكاميرون، يفسح المجال لوصول شخص آخر، ومن المتوقع أن تصل ابنة عم صديقته وابنها البالغ من العمر 10 سنوات في ذلك اليوم، وقال "لديها أسرة في فرنسا - قاموا بالرحلة في العام الماضي"، وهو يجلس على حافة فراشه يحمل هاتفه، وهو مراهق يشاهد مقاطع فيديو من المظاهرات التي تجري في المنطقة الناطقة بالانجليزية في الكاميرون، وقال: "جئت لأخذ قارب لأوروبا"، "سيكون أفضل بالنسبة لي هناك في أوروبا؛ فالمدارس أفضل هناك"، والده، الذي سافر إلى أوروبا قبل عام بعد قضاء عدة سنوات في الجزائر، دفع ثمن رحلة الصبي من دوالا، أكبر مدينة في الكاميرون، ووصل بمفرده قبل ستة أشهر وكان من المفترض أن يأخذ الطريق الليبي، ولكن القتال في مدينة صبراتة عطل المغادرين، لوك يلخص الوضع: "لقد ذهب كبار السن، وها قد وصل الشباب، وبما أنهم لا يستطيعون المغادرة، فإنهم ينتظرون هنا ".
وقامت السلطات الجزائرية بتصعيد حملاتها الخاصة، وفقا لما ذكرته جماعات حقوق الإنسان، مما أدى إلى تجميع مئات المهاجرين وترحيلهم، وقالت هيومن رايتس ووتش يوم الاثنين إنه تم طرد أكثر من 3000 شخص خلال الشهرين الماضيين، بمن فيهم من النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة والأطفال غير المصحوبين بذويهم، ويوجد حوالي 100 ألف مهاجر أفريقي في الجزائر، وفقا لتقديرات غير رسمية، معظمهم من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وفي موقع آخر على الحافة الجنوبية للعاصمة الجزائرية، تتناثر المراتب على طول أرصفة سلسلة من الأبنية السكنية، وهناك مجموعة من الشباب من كوناكري، عاصمة غينيا، يصبغون شعرهم، وقال أحدهم "لقد وصلت إلى هنا قبل ثلاثة أشهر"، في كل صباح، عشرات من الأولاد مثله ينتظرون بجانب الطريق لشخص ما يعرض عليهم عمل لمدة يوم، وقال محمد الذي يبلغ من العمر 17 عاما "لم أكن اعرف انه سيكون من الصعب العثور على عمل في الجزائر".
وبدون أي نوع من الشبكات المجتمعية، حتى بدون بضع كلمات عربية، فإن هؤلاء المهاجرين الجدد في وضع غير مستقر، محمد وأصدقائه ينامون في الشارع، "هل هناك أي منظمات تطوعية يمكن أن تساعدنا؟؟" وتساءل آخر: "هل تعرف كيف يمكنني الحصول على منزل؟ إنني مُجهد، وقال قادر، وهو من ساحل العاج موجود في الجزائر منذ ست سنوات، إن هناك عددا متزايدا من الغينيين في الجزائر العاصمة، "إنهم لا يعرفون البلاد، وإنهم يتصرفون بشكل سيئ للغاية عندما يشتمهم أحد ما جزائري، وعادة ما تنتهي بمعركة، والناس يصابون"، كما أن وضع المرأة غير مستقر، في وهران، على بعد 250 ميلا (400 كم) غرب الجزائر، يحضر أدامو، من الكاميرون، موعدًا في المستشفى مع امرأة حامل، وقال ادامو "وصلت إلى هنا مع تمنراست قبل أيام"، "إنها حامل في الشهر الخامس ولم تراجع طبيبا منذ بداية حملها"، وقد عرض مهاجر آخر على المرأة الشابة مأوى، وتقاسما مساحة صغيرة مع ثلاثة آخرين تحت سقف واحد.
وكشف ادامو، "إن الأمر يستغرق وقتا طويلا لتتعرف النساء على المدينة، ولمعرفة كيفية التحرك"، "أولئك الذين وصلوا للتو هنا هم عرضة للهجوم جدا من أولئك الذين كانوا هنا لفترة أطول، إنهم يحاولون تخويفهم حول الأحوال في الجزائر، من اجل السيطرة عليهم "، وفي البلدة، تدرك المنظمات التطوعية القليلة التي تعمل مع مجتمعات المهاجرين أنها تحتاج إلى البدء من الصفر بالتدريب على التوعية العامة، قال أحد الناشطين المتطوعين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "كنا نعمل مع 15 امرأة أو نحو ذلك، لكنهم غادروا جميعا".
وأثارت جماعات منظمة من المهاجرين النيجيريين الذين يتسولون في المدن الكبرى في الجزائر شعور عام، نظم الطلاب وجبة تضامن خلال شهر رمضان، وأطلق المغني الشعبي صادق بوزينو مؤخرا فيديو يدعو إلى التسامح، وفي يوليو / تموز، أعلنت الجزائر عن خطط لمنح حقوق الإقامة والعمل للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين وسط نقص العاملين في الزراعة والبناء، وذلك في أعقاب حملة عبر الإنترنت كشفت عن زيادة في المشاعر العنصرية في جميع أنحاء البلاد، ولكن هذه المبادرات المحدودة كان لها تأثير ضئيل على الحياة اليومية لمجتمعات المهاجرين، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أدت موجة الاعتقالات وطرد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى من العاصمة الجزائرية إلى تفاقم الأجواء.
ونوّه عمارة وهو ليبيري يعيش في الجزائر منذ عامين إلى أنّه "اعرف مهاجرًا اعتقل في الحافلة وهو في طريقه إلى العمل في الصباح"، "تم القبض على جارتي أثناء مغادرتها المستشفى مع طفلها حديث الولادة، وأخشى من هذه الاعتقالات، فطلبت من زوجتي عدم الخروج من المنزل، لقد اخترت الجزائر حتى أستطيع البحث على عمل"، واصل عمارة، "هنا، يدفع لي العمل أكثر مما كنت سأجنيه في بلدي، لذلك سأنتظر حتى ينتهي كل هذا."