الرياض - المغرب اليوم
ولكن، منذ اعلان الحزب عن قتاله في مدينة القصير السورية راح البعض يتحدث عن تدهور العلاقة بينه وبين السعودية لأنه خرج من لبنان الى رحاب المواجهة الاقليميّة، بحيث جعل من نفسه شريكاً أساسياً في اللعبة الاقليمية، من خلال دعمه العسكري للنظام السوري، الأمر الذي أغاظ المملكة وجعل الحزب في مواجهة مباشرة معها. وبالعودة الى الوراء، يتبين أنّ أول اتصال جدي حصل بين الحزب والرياض كان خلال زيارة الملك عبدالله لبنان عام 1997 يوم كان ولياً للعهد، حيث زاره وفد من الحزب في مقر إقامته في منزل الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قريطم، وشكّل هذا اللقاء اعترافَ ثاني دولة عربية بالحزب بعد دمشق. ولكن بعد ذلك انقطعت العلاقة بين الطرفين، لتنحصر في الاطار الروتيني الى حين وقوع جريمة اغتيال الحريري في 14 شباط عام 2005، وأجرى الحزب محاولات واتصالات عدة مع وزير الاعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه الذي كان يومها سفيراً لبلاده في لبنان، وذلك لإعادة ترتيب العلاقة، لكن لم ينعقد أيّ لقاء على هذا الصعيد. واستمرت الاتصالات بين الطرفين الى حين اندلاع حرب تموز عام 2006، بحيث وصفتها الرياض آنذاك بـ"المغامرة" غير المحسوبة. لكنّ هذا الأمر لم يمنعها من الانفتاح على المقاومة، فزار وفد من "حزب الله" وحركة "أمل" الرياض عام 2007، ومن ثم زار نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والوزير محمد فنيش المملكة واجتمعا بالمسؤولين السعوديين الكبار في حضور الرئيس سعد الحريري. وفي ضوء هذا اللقاء، استقرت العلاقة بين الطرفين، وبقي الحزب على تواصل مباشر مع السفير السعودي علي عواض عسيري الذي خلف خوجه سفيراً في لبنان، ثم انهارت العلاقة بفِعل سقوط تسوية الـ"س- س" الشهيرة وبقيت محصورة في إطار ضيّق جداً لا يتجاوز تأكيد الطرفين حسن نيّة كلّ منهما تجاه الآخر. ولم يصدر عن أيّ منهما موقف سلبي علني من الآخر. ما هي طبيعة العلاقة بين الطرفين اليوم؟ وما هو مسارها في ظلّ انخراط "حزب الله" في النزاع السوري؟ تكشف مصادر ديبلوماسيّة رفيعة عن اتصالات حثيثة جرت منذ أشهر بين الطرفين، إثر تعيين الأمين العام لمجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود رئيساً للاستخبارات السعودية. كذلك حصلت محاولات قبل استقالة الرئيس نجيب ميقاتي لترتيب زيارة للوزير علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، والحاج حسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، الى الرياض للاجتماع مع الأمير بندر، وقد حصل اتصال مع السفير العسيري لهذه الغاية. ولكن الرياح جرت عكس ما تشتهي السفن، وجاءت معركة القصير لتنسف فكرة الزيارة من أساسها، ودخلت العلاقة بين الجانبين في جفاء وتبدّلت اللهجة السعودية تجاه الحزب الذي وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الرياض. وبَدا انّ العلاقة بينهما لا يمكن أن تعود الى سابق عهدها ما لم يخرج الحزب من النزاع السوري، علماً انّ المملكة لم تقطع التواصل معه على رغم اغتيال الحريري واللواء وسام الحسن. ولكن الوضع بات اليوم مختلفاً، فالمقاومة رأس حربة في الدفاع عن النظام السوري، تقول المصادر الديبلوماسيّة عينها، وما يهمّ أهل المملكة حالياً هو الملف السوري تحديداً أكثر من أي ملف آخر، اذ إنّ هذا الملف يحوز كلّ اهتماماتها، وتعتبر كلّ طرف يُساند الرئيس بشار الأسد عدواً لها. وعلى هذا الأساس لن يكون هناك تقارب جديد بين الطرفين الا بعد انسحاب الحزب من النزاع السوري، وهذا الأمر غير متوقّع لدى السعوديين، وهو ما يفسّر الى حدّ بعيد الصعوبات التي تعوق تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. وهناك وجهة نظر لدى الرياض تقول إنّ مواجهتها مع "حزب اللّه" منفصلة عن الشأن اللبناني الداخلي، اذ إن السعوديين اليوم ليسوا في جوّ التفاوض مع أحد في أيّ موضوع لبناني أو إيراني في انتظار تبلور المشهد السوري. والدليل هو التشويش الذي حصل على دعوة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الى أداء فريضة الحج، بحيث لم يصدر في شأنها أي شيء رسمي. وكل ما يهمّ المملكة اليوم هو تحييد لبنان عن الأزمة السورية لا توريطه في وحولها. وبالتالي، هي غير معنيّة بمشاركة قوى 14 آذار الى جانب "حزب الله" في الحكومة. ولذا، فإن الموقف السعودي يتلخص أولاً بضرورة تحييد لبنان عن الازمة السورية، وثانياً بإبقاء نزاعها مع الحزب مفتوحاً حتى اشعار آخر في ظلّ معلومات مفادها أنّ ملف العقوبات الخليجية عليه سيتوسّع ويبقى مطروحاً على طاولة مجلس التعاون الخليجي. غير انّ هناك وجهة نظر سعودية أخرى تفيد أنّ الرياض لا يمكنها مواجهة "حزب الله" في الملف السوري، وان عليها اعتماد أسلوب "التبريد" معه في لبنان. وهناك وجهة نظر ثالثة تقول إن المواجهة ينبغي ان تكون واحدة موحدّة على الساحتين السورية واللبنانيّة. وبالتالي، لا يمكن للمملكة الموافقة على المساكنة بين 14 آذار و"حزب الله" في الحكومة. وفي المحصّلة، تصِف المصادر الديبلوماسية نفسها العلاقة بين السعودية و"حزب الله" بأنها في "الثلّاجة"، الى حين استكشاف نتيجة الانفتاح الاميركي - الايراني، لأن طبيعة السياسة السعودية الخارجية ترفض أن تفاوض واشنطن طهران على مصالح اقليمية تتصِل بأي دولة عربية. وبالتالي، فإنّ الموضوع مرتبط بالوضع الاقليمي في انتظار تحديد مسار المفاوضات وجلاء ضبابيّة المشهد السوري، وهناك اقناع لدى الرياض بضرورة رحيل الأسد، وان انتخابات الرئاسة السورية في العام 2014 لن تحصل وفي المقلب الآخر تؤكد مصادر في "حزب الله" أن الاتصالات قائمة مع الرياض حتى بعد معركة القصير، فلقد حصل اتصال مع السفير السعودي إثر خطاب السيّد نصرالله الأخير الذي اعتبره البعض قاسياً في حق المملكة. وبالتالي، فإن هناك اقتناعاً لدى الحزب بأن السعودية هي "المايسترو" في ميزان العلاقة، وأن الكرة كانت دائماً ولا تزال في الملعب السعودي، خصوصاً أن لا عداوة تاريخية قائمة بين الطرفين، وذلك على قاعدة ضرورة التفاهم والتقارب السني - الشيعي. ولكن الحزب يعتبر أن وضعه على لائحة "الارهاب" في مجلس التعاون الخليجي بمباركة سعودية شكّل ضربة قاسية للعلاقة بينها وبينه في الصميم. وعلى رغم قتال الحزب في القصير، فإنه لن ينسحب حتى الرمق الأخير من معركة إثبات الوجود، حتى ولو أزعج هذا الأمرالسعوديين، ولن ينسى التصريحات الاستفزازية التي صدرت عن المملكة خلال حرب تموز 2006 حين وصفت المقاومين بأنهم "مغامرون". وقد لاحظ الحزب أن علاقته بالمملكة قد أصيبت بالبرودة بعد اسقاط حكومة الحريري، نتيجة المنطق الانتقامي الذي اتبعته الرياض في سلوكها إزاء الحزب، وصلَ الى حدّ اتهام السفير السعودي المقاومة بتعريض الطائفة الشيعية للأخطار، والإعلان أن بلاده سترَحّل كل من له علاقة بـ"المقاومة الاسلامية". وتؤكد المصادر نفسها أن "حزب الله" قرر داخلياً انتهاج سياسة جديدة إزاء الرياض وفق أجندة تهدف الى مواجهتها مباشرة بعد الاتهامات التي سيقت في حقّ الحزب، مع مراعاة الحوار الايراني ـ السعودي وتجلياته، لأنّ استمرار التوتر في العلاقة بين السعودية و"حزب الله" معناه استمرار التأزّم السياسي في لبنان. وفي حوزة الحزب معلومات مهمة عن المتورطين في تفجير بئر العبد والجهات التي تقف وراء واضعي العبوات على طريق المصنع، وستسمّى الأشياء بأسمائها والمتورطين علناً في حال استمرت السعودية في ممارسة المنطق الاستئثاري الاعلامي والسياسي تجاه الحزب، خصوصاً انّ المتورطين هم في غالبيتهم من السعوديين. ويرى الحزب أن السعودية تحاول استفزازه في عقر داره من خلال التقرّب من حليفه المسيحي الأول النائب ميشال عون، بحيث ينقل الى الحزب أجواء اللقاءات التي تركّز على خروج عون من تحت عباءته في ظلّ النفور القائم بين الطرفين بعد استحقاقات شكّلت تبايناً بينهما، ولكنها عولجت في حينه. كذلك، يعتبر الحزب أن السعودية استغلّت اللحظات الحرجة التي مَرّت بها العلاقة بين "التيار الوطني الحر" والحزب، خصوصاً عقب التمديد للمجلس النيابي والتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ظنّاً منها انها تستطيع استدراج عون ودفعه الى الخروج عن صمته. كذلك كانت السعودية تحاول عبر عون الضغط على الحزب في شأن الموضوع السوري، بدليل أنّ السفير عسيري صرّح بعد لقائه عون أنه تطرق وإيّاه الى كلّ الامور "بما فيها تصريحي عن تورّط "حزب الله" في سوريا"، مشيراً الى "اننا اتفقنا على ما يضمن سلامة لبنان وأهله والتعاون بين ابنائه من أجل حفظ أمنه"، ولافتاً الى انّ عون "مُرحّب به في المملكة العربية السعودية التي هي البيت الحاضن لجميع اللبنانيين". هذه الاشارة التقطها الحزب بصمت، وهو يعالجها عبر قنواته الخاصّة.