بيروت - المغرب اليوم
دفع الانقسام السياسي في لبنان، والعجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لطرح فكرة إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وذلك للمرة الأولى إثر انقسام التوازنات في البرلمان بين محورين متناقضين، يتقارب حجمهما داخل البرلمان، مع الشروط المتبادلة للحوار على رئيس جديد للجمهورية والمرحلة المقبلة، وسط تشكيك بأن يوضع هذا الطرح موضع التنفيذ، وأسئلة عن دوافعه.
وجاء الإعلان عن هذا الطرح على لسان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب مفاجئاً، بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري، حيث قال إنه اقترح على بري «التفكير جدياً في إجراء انتخابات نيابية مبكرة إذا أخفق البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد سريعاً».وأضاف بوصعب، في تصريحات تلفزيونية: «أخبرت بري أنه إذا لم نستطع الوصول إلى حل في المجلس النيابي في وقت سريع، إذ البلد لا يتحمل 3 أو 4 أشهر، فلنبدأ جدياً التفكير بانتخابات نيابية مبكرة».
وانتخب المجلس الحالي في 15 مايو (أيار) 2022، لكن الخلافات السياسية حالت دون تشكيل حكومة بعد انتخابه، كما في إنهاء الشغور الرئاسي المستمر منذ 31 أكتوبر (كانون الأول) الماضي. وفشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس، في ظل انقسام سياسي يحول دون التوافق على رئيس، وعجز أي قوة من القوتين المتنافستين على حشد ثلثي أصوات البرلمان لدعم مرشح في الدورة الاولى، أو تأمين النصاب القانوني (ثلثي أعضاء المجلس 86 نائباً) لانتخاب رئيس بأكثرية 65 نائباً في الدورة الانتخابية الثانية.
وأوضح بوصعب قائلاً: «إذا كان هذا المجلس عاجزاً عن انتخاب رئيس الجمهورية أو إقامة حوار، فالحل الأفضل أن نتوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة، وليتحمل كل واحد مسؤوليته»، وأشار إلى أن «بري سمع الكلام ولم يعترض، وقال دعنا نرى إذا حدثت متغيرات الأسبوع المقبل». وذكر بوصعب أن بري أخبره أنه «مستعد للدعوة إلى جلسة أخرى لانتخاب الرئيس، إذا لم يتوصل الفرقاء إلى حل من خلال الحوار».
ويدعم «حزب الله» و«حركة أمل» وآخرون ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، فيما يدعو حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«التقدمي الاشتراكي» وآخرون ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور. ويرفض مؤيدو أزعور الحوار بوصفه «حواراً على فرنجية»، ويعدونه شرطاً مسبقاً، فيما يعدّ مؤيدو فرنجية أن الطرف المقابل أيضاً يفرض شرطاً مسبقاً باستبعاد فرنجية من قائمة المرشحين. وعلى مدى 12 جلسة، انسحب مؤيدو فرنجية منها، ما أدى الى فقدانها النصاب القانوني.
* «القوات»: لتطبيق الدستور
وترفض «القوات اللبنانية» الأسباب التي تحدث عنها بوصعب لإجراء انتخابات مبكرة، وقالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إن «أسباب عدم الانتخاب تعود إلى من يحول دون الانتخابات ويعطل النصاب، ولا يلتزم الآليات الدستورية، في وقت عليه أن يلتزم بما يقوله الدستور لجهة الالتزام بالآلية الانتخابية لانتخاب رئيس، وهي الجلسات النيابية المفتوحة لانتخاب الرئيس، والكفّ عن التعطيل». وقالت المصادر: «هناك فريق سياسي لا يطبق الدستور لأنه منزعج من ميزان القوى النيابي، وهو ميزان حقيقي وجدي يمنع الممانعة من انتخاب مرشحها»، مضيفة: «أمام هذا الانزعاج يطالبون بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة لأنهم عاجزون عن فرض مرشحهم الرئاسي»، مشددة على ضرورة «أن يلتزموا بالدستور ويتوقفوا عن تطيير النصاب»، معتبرة في الوقت نفسه أن إعلان هذا الطرح «هو رسالة يوجهها بوصعب من عند الرئيس بري إلى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بأن جزءاً من كتلته وصل بأصوات ناخبين شيعة، وهي رسالة داخلية بين الطرفين».
* تحذيرات من مواجهة أمنية
ويؤشر الانغلاق السياسي إلى أزمة في النظام القائم على التوافقات منذ نهاية الحرب اللبنانية في العام 1990، وهو ما يدفع كثيرين لطرح أفكار لتطوير النظام، من بينها تطبيق اتفاق الطائف بالكامل، أو الذهاب إلى بدائل لا تحظى بإجماع، من بينها الفيدرالية وتطبيق اللامركزية الموسعة بنسخة أكثر تحديثاً مما ورد في اتفاق الطائف، وآخرها الانتخابات المبكرة.
وينظر حقوقيون إلى الطروحات المعروضة على أنها «هروب من لبّ الموضوع في ظل غياب دولة لا تتمتع بسيادتها»، حسب ما يقوله الباحث السياسي وعضو المجلس الدستوري السابق الدكتور أنطوان مسرّة، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وظائف الدولة السياسية تقوم على 4 عناصر؛ هي احتكار القوة المنظمة حيث يوجد جيش واحد، ودبلوماسية واحدة تنسجم مع مقدمة الدستور بأن لبنان عربي الهوية والانتماء، وجمع الضرائب بشكل متساوٍ، وبناء السياسات العامة. ويضيف: «اليوم في لبنان بعدما حلت الكارثة على الجميع من دون استثناء، ومن ضمنهم حلف الممانعة، المطلوب استعادة الدولة بكامل صلاحياتها السيادية، ولصالح الجميع»، معتبراً أن المقاومة «باتت بحثاً في الماضي»، بينما «يفتقر اللبنانيون لمفهوم الدولة».
وقال مسرة: «مواجهة هذا الواقع تتم بطريقتين، أولاهما بالموقف، وثانيتهما بالمواجهة العسكرية والأمنية التي ستستدعي تدخلات خارجية»، مشدداً على أن وضوح الموقف «يجنب المواجهة ويحمي لبنان». وقال: «هنا توجد مسؤولية كبرى على ذهنية مارونية، ولا أقول الموارنة أو بكركي، بل طامحين من الموارنة لموقع الرئاسة، وتتلخص المسؤولية باتخاذ موقف واضح وليس على طريقة مساومات وتسويات وتموضع والبقاء على مسافة واحدة من الجميع»، شارحاً أن هؤلاء «ما زالوا يتموضعون لينتخبوا كرؤساء تسوية، ويقومون بمساومات على حساب سيادة لبنان وهويته كعربي الهوية والانتماء».
ولفت إلى أن الدولة الرسمية في لبنان اليوم، تقابلها دولة رديفة، مع أن صفة الدولة هي الوحدانية، ووظيفة الرئيس، حسب المادة 49 من الدستور، احترام الدستور ويكون قسمه على احترام الدولة وسيادتها جدياً، وليس بروتوكولياً، ويعبر عن العقد الاجتماعي في البلد.
ورأى أن بعض المرشحين المحتملين «يمارسون الميوعة والتموضع والمسايرة في قضية جوهرية ويلتزمون الصمت وبات صمتهم مدوياً»، مشدداً على أن «جوهر الموضوع يتلخص أنه في حالات الاحتلال وعدم السيادة لا ينتظم أي دستور في العالم». وسأل: «في ظل هذا الواقع، من يضمن الانتخابات المقبلة في مرحلة اللادولة؟»، مشدداً على ضرورة «تجنب المواجهة العسكرية، والاحتكام الى منطق الدستور والدولة ليكون ذلك لصالح الجميع».
وشدد على أننا نريد انتفاضة مسيحية عارمة، نريد رئيس دولة، وليس رئيس مساومة بين الزعامات. «رئيس يلتزم بالوفاق الوطني، وليس بالتوافق مع الزعامات، لذلك على الجميع البحث عن رئيس وفاق وطني استناداً للدستور، يعبر عن العقد الاجتماعي، لأنه في حال لم نختر رئيساً كالرئيس الراحل فؤاد شهاب يحمل الكتاب (الدستور) ويطبقه، فإننا متوجهون إلى 6 سنوات إضافية من الأزمة».
قد يهمك ايضاً