الرئيسية » عناوين الاخبار
دوار أولاد خويا يصبح نموذج محزن للتهميش والإهمال

وجدة- كمال لمريني

يعاني دوار "أولاد بوجمعة" أو" "لعزيب" أو "دوار أولاد خويا"، في مدنية زايو، ضواحي الناظور، من مجموعة من المشاكل التي جعلته يتحول إلى دوار منسي، الشيء الذي  جعل النساء يعانين في صمت، والفتيات يحرمن تعليم، والأطفال تسرق منهم براءتهم، والشيوخ يرسم على وجوههم الزمان المؤلم التجاعيد، فيما يضطر الشباب إلى الهجرة إلى مدن أخرى بحثا عن لقمة العيش.
 
الطريق إلى "أولاد خويا"
 
عشرون دقيقة من الوقت على متن سيارة "النقل السري" هي المدة الفاصلة بين مدينة زايو ودوار "أولاد خويا" الذي يركن في هامش الهامش، والتي تتيح الفرصة لكل زائر للدوار الوقوف عن كثب على الوضع الهش الذي يعيش على وقعه الدوار.
 
لم نكن نتصور ونحن نحط الرحال "بدوار أولاد بوجمعة" بأننا سوف نستقبل بهذا الكم من البؤس والفقر والأمية، في دوار عرف بإنتاج "الجلبانة والفول" من أجود الأنواع، لنصدم بواقع أغرب من الخيال، دوار شبه خال من أبسط المقومات التنموية لا ملاعب للقرب أو أماكن للترفيه والتثقيف، سوى نساء يقبعن في بيوتهن لا يقمن بشيء، وبعضا من الشيوخ يجلسون أمام منازلهم أملا في غد أفضل، وأطفال تجدهم يركضون هنا وهناك بأسمال بالية.
 
جولة خاطفة بالدوار الذي يركن على جنبات الطريق المؤدية إلى "سيدي عبد الله" تكشف عن حجم هشاشة البينة التحتية، حيث يفتقر السكان للماء الصالح للشرب، مما يجعل النسوة يقطعن مسافات طويلة على أرجلهن لجلب الماء من عين "سيدي عبد الله" أو من عين "تاكعوشت"، إذ تعد هاتين الأخيرتين مصدرا من مصادر المياه العذبة بالدوار، فهي بالنسبة للمواطنين تصلح لجميع الاستعمالات من شرب وغسل للملابس والاستحمام.
 
تقول عائشة (40 عاما) ربة بيت، "منذ سنوات ونحن نقطع يوميا مسافات طويلة لجلب الماء لمنازلنا في براميل بشكل يومي على الحمير أو على الأكتاف صعودا ونزولا طوال السنة، شتاء وصيفا”، مضيفة "طاحولي كتافي من ثقل ديال لبرامل، عييت من لمشيا رجلي كاملين تشقو ليا من كثرة طريق".
 
ليست فاطمة الوحيدة التي تعاني من هذا الوضع بل هناك نساء أخريات، حيث تحكي فاظمة (45 عاما) بكل حسرة عن كيفية الحصول على 10 ليترات من الماء الشروب، لتتابع قائلة: "راه عيينا من هاد شي كل نهار غاديين جايين راه مبقات عندنا صحة لهاد شي" موجهة نداء استغاثة واستنجاد للمسؤولين، لربط دوارهم بشبكة الماء الصالح للشرب.
 
الماء الصالح للشرب ليس هو المشكل الوحيد لدى المواطنين،  بل هناك مشاكل أخرى، حيث الكثير من الأسر تظل بلا كهرباء بسبب الافتقار إلى الإمكانيات، فيما لا يزال العديد من الناس يستعملون الشموع والقناديل رغم توفر الدوار على الأعمدة الكهربائية.
 
وذكرت مصادر من السكان في تصريحها إلى "زايوسيتي.نت"، انه هذه المشاكل راجعة بالأساس إلى الانتشار المهول للبناء العشوائي، حيث يفتقر الدوار إلى البينة التحتية  ولا يتوفر على أي طريق معبدة.
 
 وعبر العديد من السكان عن معاناتهم اليومية من الإقصاء والتهميش والحرمان من أبسط حقوق العيش المتمثلة في انعدام الواد الحار، بحيث لازال العديد منهم يقضون حاجاتهم في العراء والخلاء.
 
علال (45عاما) سنة، كشف عن المعاناة التي يعانيها  جراء العزلة والتهميش ويقول: "راحنا عايشين كما كتشوفو غير فدار ديال لحنية ومنين كتصب شتا كتقطر علينا وكنمرضو من هاد الوضع، الله غالب وحالتنا ضعيفة، وحتى إلى بغينا نبنيو شي بيت من لياجور وسيما السلطات كتمنعنا، وكنتمناو من المسؤولين يشوفو فحالتنا راها مكتعجبش".
 
الفلاحة مصدر العيش الوحيد
 
يعتمد سكان دوار أولاد بوجمعة في عيشها بشكل كبير على مزاولة مهنة الفلاحة، فأغلب الرجال والشباب يعملون في حقول سهل "صبرا" القريب من الدوار وهي منطقة معروفة بزراعة الخضروات والفواكه والقطاني… فليس ثمة مورد رزق لهم غير العمل في الفلاحة للحصول على لقمة عيش لا تسمن ولكنها تغني من جوع.
 
الحقول القريبة من الدوار تعتمد في زراعتها على الجلبانة والفول والشعير والبرتقال والزيتون… وبالتالي لا يبقى لشباب ورجال الدوار في هذه الحالة إلا العمل في هاته الحقول، ومن لم يرق له هذا العمل يبحث في ورشات الميكانيك أو البناء والنجارة.
 
كل سكان دوار أولاد بوجمعة يعيشون على زراعة الجلبانة والفول أو جني الزيتون ولا شيء سواها، ففي (شهري أكتوبر ونونبر)، تبدأ عملية حرث هذه الزراعة التي تعد الدخل الوحيد لهذه الأسر في ظل غياب أي مورد آخر، لكن ما بين عملية الحرث والحصاد  يعاني الفلاحون كثيرا طيلة السنة من ندرة الأمطار ولما تتطلبه هذه الزراعة من العناية الدائمة وخاصة “الجلبانة".
 
يقول عبد الله (56 عاما)، فلاح "هادي حالتنا منذ عشرات السنين ولفلوس لي كنجمعهوم من خلال بيع المحصول قليلة مكتكفيش حتى باش دوز سكانير إلى مرضت”، مضيفا "الفلاحة هي عصب العيش هنا أي – الدوار– ولا يمكننا أن نعيش دونها".
 
أطفال بدون تعليم
في مدخل دوار "أولاد بوجمعة" يتراءى من بعيد أطفال يقفزون ويتصايحون يتعاركون ويضحكون ويمرحون، حمير وماعز وخراف ودجاج وكلاب هنا في الدوار إذ يمكن أن تصبح الدجاجة “شرطي مرور” ، لابد أن تتوقف السيارة حتى تقطع هذه الدجاجة الطريق وهي تتبختر، علما بان مساهمتها في حياة هؤلاء السكان ليست سوى بيضة واحدة في اليوم.
 
الأطفال الصغار بالدوار أغلبهم تركوا المدرسة إما طواعية أو بشكل اضطراري، لأن مستوى التعليم بالدوار في ترد خطير.
                  
سألنا أحد الأطفال الذي وجدناه يلعب بالكرة أمام إحدى البنايات عن الدراسة ليجيب “أنا خرجت من لقرايا دابا عام حيت بابا معندوش باش يشري ليا لكتوبا”.هي عوامل أخرى تساهم في الهدر المدرسي لهؤلاء الأطفال الذين تجدهم لا يفعلون شيئا سوى اللعب والركض.
 
بعد المؤسسات التعليمية عن دوار أولاد بوجمعة يحتم على كل التلاميذ الذين يتجاوزون مستوى السادسة، الانتقال إلى المدينة من أجل استكمال الدراسة في الداخليات التابعة للمؤسسات التعليمية، فغالبية التلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة يلجئون للداخلية، ومن لم يحظ بها يكون مصيره الانقطاع عن الدراسة وبالتالي المساهمة في الرفع من نسبة الهدر المدرسي.
 
فريد (12 عاما ) تلميذ، يرتدي سروالا أزرق وقميصا أبيض ويحمل في يده محفظة سوداء، يقول لنا: "أنا إلى معطاونيش الداخلية منقدش نكمل لقرايا ديالي حيت صعيب عليا نقطع كيلومترات في شتا ولبرد باش نوصل للمدرسة".
 
ويختار أباء العديد من التلميذات وضع حد للمسار الدراسي لبناتهن عند مستوى السادسة ابتدائي، ومبررهم في ذلك بعض الأفكار المتجذرة في الموروث الثقافي الشعبي عن المرأة بصفة عامة.
 
سألنا إحدى فتيات الدوار عن عدم استكمال مسارها الدراسي بعد أن علمنا من أحد البقالة بأنها انقطعت عن الدراسة لتجيب بنبرة خافتة يرافقها حزن في عيناها “طلب مني الوالد ديالي نخرج ونتعلم حوايج لي تنفعني في المستقبل من طياب والخبز وغسيل لحوايج…"، مضيفة "يظن أن استكمالي لمشواري الدراسي لن يجدي نفعا، فالمرأة مستقبلها في الأخير حسب والدي هو الزواج ولو كانت قاصرا لا تعرف معنى الزواج أصلا، كنت أريد أن أثبت ذاتي في التفوق واستكمال مشواري الدراسي لأدافع عن حق فتيات الدوار في التعلم والعيش في ظروف أحسن لأن حلمي كان هو أن أصبح محامية في المستقبل، لكن للأسف لم أتمكن من ذلك"، مستطردة في قولها "بزاف ديال لبنات في دوار مكيعرفو لا يكتبو ولا يقراو ومكيفرقو حتى بين الألف والزروطا" .
 
تلميذ آخر سألناه عن ما إذا كان لازال يتابع دراسته فأجاب "نعم في التاسعة إعدادي"، غير أنه لم يستفد من الإقامة بالداخلية وضمان المأكل والمشرب والمبيت، يقول لنا "أنا ولفت كنتمشى مسافات طويلة بعدما خاب الأمل ديالي في الاستفادة من الداخلية، لكن التلاميذ جداد كيعانيو مساكن وكيصعاب عليهم يتأقلموا مع  الوضع وخاصة في الشتا حيت كيكون البرد بزاف".
 
وعود الانتخابات
 
في فترة الانتخابات وحدها يرى سكان هذا الدوار وجوه المرشحين للجماعة أو الدائرة الانتخابية الذين يريدون تمثيلهم فيها، يقول  هشام، ( 25 عاما) تاجر "راحنا عارفين مسبقا بأن هاد المرشحين ميديرو والو للدوار غادي يزيدوه تهميش فتهميش، وكنشوفو وجوهم غير مين كتقرب الانتخابات تلقاهوم كيدقو في لبيبان ديال ساكنة دوار وكيقدمو الوعود الزائفة ديالهوم".

مباشرة بعد انتهاء هشام من حديثه لنا كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، خيم وقتها على دوار “أولاد بوجمعة”،  هدوء مسائي وظلام هبط بغتة، تركنا الدوار يتنفس الهدوء، دوار لا يشي بالفرح بل تشوبه مسحة حزن وسط كآبة الأسر المتذمرة من الوضع، لتبقى روح التحدي موجودة بين السكان.

إنهم نموذج فقط لمغاربة اضطروا أن يعيشوا حياة العزلة والتهميش والفقر والنسيان والحرمان من أبسط شروط الحياة، ليظل أملهم وروح تحديهم للصعاب في غد أفضل، على الرغم من تصاريف الزمن المتقلب والمعاناة التي يعيشونها،  يحرصون ألا يجعلوا الأمور تبدو صعبة أكثر مما هي عليه بعدما أصاب أجسادهم الوهن، لكن بصيص الأمل يظل متقدا لديهم .
 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أنتوني بلينكن في أول زيارة إلي مصر لبحث جهود…
كييف تدعو الأمم المتحدة لزيارة الجزء الذي تسيطر عليه…
وزير دفاع الإسرائيلي يُجري محادثة هاتفية مع نظيره الأميركي…
زيلينسكي يُطالب مُجدداً بالسماح لكييف بضرب أهداف عسكرية في…
دونالد ترامب يُؤكد أنه يكره تايلور سويفت بعد أيام…

اخر الاخبار

الحرس الثوري الإيراني يُعلن إعتقال 12 عميلاً إسرائيلياً في…
غوتيريش يحذر من مخاطر تحويل لبنان إلى غزة أخرى
إيران تتّهم إسرائيل بعملية إغتيال وسرقة وثائق من طهران
4 قتلى في عملية إطلاق نار جماعي نفّذها أكثر…

فن وموسيقى

حميد الشاعري يتنازل عن بصمة صوته لتقديم أغانٍ جديدة…
احتفاء بفيلم "رحلة 404" لمنى زكي عقب ترشحه للأوسكار
منى زكي تُعبر عن سعادتها الكبيرة بترشيح فيلمها "رحلة…
سميرة سعيد تؤكد أن ألبوم قويني بيك من أحلى…

أخبار النجوم

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
أشرف عبد الباقي يكشف أسباب ابتعاده عن السينما
حميد الشاعري يتنازل عن بصمة صوته لتقديم أغانٍ جديدة…
الفنان عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة

رياضة

حكيم زياش يحذف تدوينته المنتقدة للحكومة المغربية
حكيم زياش ينتقد المغرب والدول التي تدعم الإبادة الجماعية…
هاري كين وجريزمان يتنافسان على جائزة لاعب الجولة في…
ميسي يعود للملاعب بعد غياب شهرين للإصابة

صحة وتغذية

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة…
عقار تجريبي يساعد مرضى السرطان على استعادة الوزن
جدري القردة يُؤجل النسخة الرابعة من المؤتمر الدولي للصحة…

الأخبار الأكثر قراءة

مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعاُ بشأن قصف مدرسة التابعين…
الرئيس الروسي ونظيره الفلسطيني يُناقشان اليوم الوضع في الشرق…
ساعي بريد من القسام كان سبباً وراء إغتيال محمد…
زعماء أوروبيون يدعّون إيران للإحجام عن شّن هجمات على…
الاتحاد الأوروبي يُوجه رسالة نارية للحكومة الإسرائيلية بسبب تصريحات…