الرباط - المغرب اليوم
توفيت في مدينة الرباط يوم الثلاثاء الماضي باكيتا غورونيو، أشهر معمرة إسبانية مقيمة خارج بلادها منذ عام 1939، السنة التي غادرت فيها إسبانيا بحرًا عبر مدينة وهران الجزائرية قاصدة المغرب برفقة زوجها، وهي في قمة الشباب، لم يكن عمرها قد تجاوز السادسة والعشرين ربيعًا.
وتجاوزت الإسبانية التي أسلمت في العاصمة المغربية روحها وحيدة في شقتها ، المائة وثلاث سنوات ، فهي من مواليد 1913 عاشت حياة زاخرة بالأحداث السارة والضارة، بعضها جراء التزامها السياسي وانتمائها للحزب الشيوعي الإسباني ودفاعها المستميت عن علم الجمهورية الذي حملته في يديها وقلبها إلى المغرب ، حريصة أن تلف به جسمها عند احتفالها كل سنة بذكرى قيام الجمهورية الثانية في بلادها ، مؤملة إعلان الثالثة.
وساقت الظروف "باكيتا" لدخول القصر الملكي المغربي، لتعمل أولا في سكرتارية المعهد المولوي( المدرسة الأميرية) حيث يدرس حتى الآن الأمراء والأميرات ورفاق لهم يتم انتقاؤهم من المدارس المغربية اعتماداً على معدلاتهم المرتفعة، بصرف النظر عن مستواهم وأصولهم الاجتماعية، حيث أنه في تلك المؤسسة التربوية الواقعة داخل محيط القصر الملكي في العاصمة المغربية، ستتعرف باكيتا على الأمير مولاي الحسن الذي سيسمى وليًا للعهد ليصبح لاحقا ملكًا للمغرب خلفاً لوالده الملك محمد الخامس.
وإختار الملك الحسن الثاني الجمهورية باكيتا ضمن طاقم سكرتاريته، بعد تأكده من إخلاصها ووفائها للأسرة الملكية وصراحتها وصرامتها أيضا، حيث لم يكن الراحل الحسن الثاني، ليقدم على قرار، إدخال شيوعية وجمهورية إلى رحاب القصر الملكي ، لولا موافقة والده الراحل محمد الخامس الذي أعجب بدوره بشجاعة المناضلة الإسبانية وتضامنها مع محنة الأسرة الملكية التي اقتيدت إلى المنفى على يد السلطات الفرنسية المحتلة، إذ مباشرة بعد رجوع الأسرة الملكية من المنفى قبيل إعلان استقلال المغرب، ضم ولي العهد مولاي الحسن باكيتا إلى حاشيته وعملت معه حوالي ثلاث سنوات، رافقته في زيارة إلى فرنسا.
وروت الإسبانية الراحلة ، في مذكراتها طرفًا ومفارقات صادفتها خلال مقامها الممدد في المملكة المغربية، بينها أن الملك الحسن الثاني وهو ولي العهد ، طلب من ربان الطائرة التي أقلته من باريس إلى الرباط، أن يحلق على علو منخفض وهو يقطع أجواء العاصمة الإسبانية لتتمكن باكيتا من رؤية مدريد، واسترجاع الأمكنة التي تنقلت بينها وهي طفلة وشابة يافعة .
وانخرطت "باكيتا" في أنشطة سياسية ونقابية واجتماعية ، سواء وسط اللاجئين السياسيين الإسبان الذين فرّوا من بطش الديكتاتور الجنرال فرانسيسكو فرانكو المنتصر في الحرب الأهلية الإسبانية التي دامت 3 سنوات من 1936 إلى عام 1939، مدافعة عن حقوقهم لدى المنظمات الدولية، مساندة كذلك للمغاربة بالتوعية والتنظيم وخاصة النقابي، حيث علمتهم كيف ينالون حقوقهم من مشغليهم الفرنسيين خلال عقد الأربعينيات من القرن الماضي.