الرباط - المغرب اليوم
مَا أنْ أعلنت وزارة الداخلية عن عدد طلبات القيْد ونقل القيْد في اللوائح الانتخابية برسم الاستحقاقات التشريعية المرتقب إجراؤها يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتّى بادرت جماعة العدل والإحسان إلى “التصفيق” لما سمّته “العزوف المتنامي للفئات المجتمعية المختلفة، وخاصة الشباب، عن التسجيل ومن ثمّ عن العملية الانتخابية برمتها”.
موقفُ “جماعة العدل والإحسان” يُعيدُ إلى الواجهة سؤالَ ما إنْ كان لمقاطعة الانتخابات جدوى؟ وفي هذه الورقة نستعرض رأيَ زعيميْ حزبيْن سياسيين يساريّين، أحدهما يرى ألّا جدوى من المشاركة في الانتخابات في ظلّ الظروف السياسية الراهنة، والثاني يعتبر أنَّ المشاركة في الانتخابات هي السبيل نحو تحقيق التغيير المنشود.
البراهمة: لا جدوى من المشاركة في الانتخابات
مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، الذي خاضّ حملة للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات المحلية التي جرت السنة الماضية، يعتبرُ أنّ الانتخابات المنظمة في المغرب “عمليّة يُعطي فيها المخزن للمغاربة الاختيار بين أحزاب مخزنية، ومعنى هذا أنّ المغاربة لا خيار لهم غير الخضوع لما يريده المخزن”.ط
ولمْ يحْسم حزب النهج الديمقراطي بعدُ في قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، بحسب ما صرّح به البراهمة لهسبريس، مؤكّدا أنّ حزبه حينَ يدعو إلى مقاطعة الانتخابات فإنّه يرُوم إيصال رسالة سياسية إلى المغاربة، مفادها “أنّنا نرفض نظام المخزن وسيطرة وهيْمنة المافيا المخزنية، ونُريد نظاما ديمقراطيا، فيه تناوبٌ وتداول حقيقي على سلطة حقيقية”.
وعلى الرغم من أنّ دستور 2011 خوّل لرئيس الحكومة مجموعة من الصلاحيات، لأوّل مرة في تاريخ المغرب، إلا أن البراهمة يعتبر أنَّ “بِنية النظام المخزني القائم لا يمكن أن تسمح بوصول حزب من غير الأحزاب المخزنية التي تقبلها الدولة، وحتى إذا وصل أيّ حزب إلى الحكومة فهو لا يتمتع بأي سلطة حقيقية، وسيكون في الحكومة وليس في الحُكم، أمّا أحزاب المعارضة فتمارسُ مُعارضة شكلية”.
ويبدو الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي مُقتنعا إلى أبعد حدّ بأنّ المغاربة يُقاطعون الانتخابات “لأنهم فهموا اللعبة جيّدا”، داعيا الأحزاب السياسية إلى “أن تعيَ جيّدا موقفَ المغاربة وتتبنّاه، وتطالبَ بدستور حقيقي يعطي سلطة حقيقية للحكومة والبرلمان، ويعطي إمكانية محاسبة حقيقية لمدبّري الشأن العام، آنذاك يمكن أن يكون هناك تداول حقيقي على السلطة، ويمكن أن ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات”.
منيب: سياسة الكرسيّ الفارغ غير مُجدية
في المقابل، تدافع الأمينة العامّة لحزب الاشتراكي الموحّد عن مبدأ المشاركة في الانتخابات، وبالتالي العمل على إحداث التغيير انطلاقا من داخل المؤسسات، قائلة: “نحن ندرك جيدا أنّ تحقيق التغيير يتطلب ممارسة الضغط انطلاقا من الشارع، إلى جانب كلّ القوى الفاعلة في المجتمع، ولكن يجب أن نناضل أيضا من داخل المؤسسات”.
وكان حزب الاشتراكي الموحّد قد قاطع الانتخابات التشريعية لسنة 2011، “لأنّه كانت هناك ظروف استثنائية، وكان منّا من كان يحلم بأنّ تلك المرحلة ستكون بداية نهضة جديدة، وأننا سنبدأ لأوّل مرة في بناء دولة ديمقراطية”، تقول منيب في تصريح لهسبريس، وتقصد أنّ حزبَها قاطع الانتخابات بهدف الضغط على الدولة من أجْل نيْل مزيد من المكتسبات في درب الديمقراطية.
وعلى الرغم من اعترافها بأنّ “النظام السياسي المغربي بعد خمس سنوات من الحَراك المجتمعي لسنة 2011 لم يتغيّر، وأنّ الحكومات الائتلافية لا تحكم، والحقل السياسي مُبلقن، وهناك فساد وتحكّم…”، إلا أنّ الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحّد ترى أنّ “سياسة الكرسي الفارغ لا تُجدي نفْعا”.
وأوضحتْ منيب: “إذا لم ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات، وبقي 30 في المائة فقط من المغاربة هم الذين يشاركون، فلا يمكن أن نحلم بالتغيير، وسنكرّس النخب نفسها التي وصلت إلى الحكومة في السابق، أو أخرى تأتي بلَبُوس جديد، ولكن بالأهداف نفسها، وهي أولا حماية ثوابت بنية النظام السياسي القائم، التي لا تخوّل للحكومة أن تصير هيئة ذات سلطة تنفيذية حقيقية”.
وبخلاف البراهمة الذي يرى أنَّ الحلّ لإحداث التغيير هو مقاطعة الانتخابات لتراجع الدولة مواقفها، تعتبر منيب أنَّ المشاركة في العملية السياسية والاشتغال من داخل المؤسسات تُتيح إمكانية إحداث تغيير تدريجي، مستدلّة بتجربة حزبها في إدارة عدد من الجماعات الترابية، والتي اعتبرتْ “أنها أصبحت نموذجا في الشفافية والتدبير الجيّد”، ورغم قلّة عدد الجماعات التي يسيّرها حزبها، إلا أنّ منيب مقتنعة بأنّ “الفئات القليلة هي التي تُحدث التغيير”.
الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد واعية بأنّ الطريق أمام حزبها للوصول إلى المؤسسات ليس سالكا، “فنحن اليوم مُحاربون بكل الأسلحة، لأننا نقول بصريح العبارة إنه يجب أن تكون هناك نخب نزيهة ذات أفق ديمقراطي”، تقول منيب، وتضيف بتحدّ وأمل: “نحن سنحارب الفساد والمفسدين والمافيات وسنكون لها بالمرصاد، ووسط هذا التردّي الكبير هناك أمل، وهناك فرصة لينتفض هذا الشعب بشكل سلمي، وتعطي انتفاضته نتائج إيجابية، فالتغيير لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، بل لابد من المحاولة وإعادة المحاولة، والضغط لتغيير البلاد في الاتجاه الصحيح”