تونس ـ حياة الغانمي
أفادنا كاتب عام نقابة الأئمة والإطارات المسجدية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل فاضل عاشور أن المشكل القائم الثلاثاء، بالنسبة إلى المساجد التونسية هو وجود المئات من الأئمة الذين لم تسو وضعياتهم والذين ينشطون في المساجد ويلقون الخطب ويؤمون الناس دون تكليف مباشر من وزارة الشؤون الدينية..
وأوضح كاتب عام نقابة الأئمة أن وزارة الشؤون الدينية هي التي أصبحت عاجزة عن توفير ايمة باعتبار غياب الانتدابات وغياب العقود بينها وبين الايمة وتغييب حقوقهم خاصة وانهم يحصلون على أجور زهيدة لا تتجاوز 70 دينارًا شهريًا للإمام الواحد.
وقال محدثنا إنه يتم أسبوعيا الاستغناء عن ايمة وتعويضهم بأئمة اخرين حتى لا يمكنوهم من أجورهم، وقد ولد هذا الأمر خطابًا دينيًا سطحيًا وساذجًا لا يرتقي إلى مستوى انتظارات الشباب الباحثين عن خطاب ديني حداثي معتدل يمكن من التصدي للمذهب التكفيري، وأكد أنه لا تخلو أية ولاية من وجود شغورات، معتبرًا أن الوزارة متقاعسة في هذا الشأن وغير راغبة في حل الإشكال، وأضاف أن إحداث إدارات للوعاظ وإبعادهم عن المساجد التي لا تفتح إلا وقت الصلاة هو من بين الأخطاء التي تدفع الشباب الى الالتجاء الى الانترنات للبحث في مسائل مادية مبينا ان 99 بالمائة من تلك المواقع هي وهابية وهي مخالفة لمذهبنا وعقيدتنا، كما ان الوهابيين يرفضون نسق حياتنا ويكفرون خصوصياتنا وبالتالي يحدث الانشقاق.
وفيما يتعلق بالمساجد التي ظلت لوقت طويل خارج السيطرة وخاصة المسجد الخاص في ولاية سيدي بوزيد "مسجد الامة "الذي لا يسمح لأحد أن يصلي فيه إلا لأتباع الخطيب الإدريسي ، وقال محدثنا إنه وقبل خروج عثمان بطيخ بفترة وجيزة تمت تسوية المسالة ووقع استرجاعه وتكليف امام من قبل وزارة الشؤون الدينية عليه...وكانت قد حامت العديد من الروايات حول هذا المسجد الذي قيل إن وزارة الشؤون ظلت لفترة طويلة عاجزة عن استرجاعه خوفا من ردة فعل عائلة الخطيب الادريسي او "مفتي التيار الجهادي "..
وحسب أحد المسؤولين في الجهة فإن الخطيب الإدريسي هو من بنى المسجد الخاص هناك وجعله حكرا على أتباعه مانعًا غيرهم من الاقتراب منه. و مسجد "الأمة" الذي تم تشييده أواخر 2012 في حي الريا 1 في معتمدية بن عون وتم ترسيمه كمسجد يوم 1 يونيو/حزيران 2013،مسجدًا ظل لفترة خارج سيطرة الوزارة باعتباره "ملكية خاصّة" للخطيب الإدريسي لكونه مبنيًا على قطعة أرض على ملك الإمام المشرف عليه الخطيب الادريسي وبجانب محل سكناه المشيد على نفس الأرض، مما حال دون أن تتمكّن وزارة الشؤون الدينية من تعيين إطارات دينية من إمام الخمس وإمام خطيب أو مؤذن".
وكان الخطيب الإدريسي أو الشيخ "أبو أسامة" يحتشد في باحة جامع الأمة الذي "يملكه" والمحاذي لمنزله، بين جمع من المصلين من "أتباعه" يراقبون كل شيء،ولا يسمحون عادة للغرباء ممن يثيرون الشبهة بالدخول وحضور دروس الشيخ خوفا من اندساس "الجواسيس" الذين قد يكونوا مكلفين بمهمة أمنية لنقل ما يجري في الجامع والذي طالما هاجمهم الشيخ بقسوة في أكثر من خطبة متوعّدا من وصفهم ب"المتجسسين على المسلمين في بيوت الله" بالويل والثبور وبسوء الخاتمة.لا يسمح الخطيب الإدريسي بالتقاط صوره، ويحرص مرافقوه على عدم وجود آلات التصوير في كل مكان يحلّ به،وحتى الصورة "اليتيمة" التي يتم تداولها فإن من عرفه عن قرب يقول أنها ليست له.
في العامين الأخرين أصبح الخطيب الادريسي لا يغادر منزله و"مسجده" في مدينة "بن عون" إلاّ لماما،بسبب تضييق الخناق الأمني على عدد من المساجد والجوامع التي لم تعد منفلتة على مستوى ما يقدّم فيها من دروس وخطب ومحاضرات، ولكن لا أحد يعلم ماذا يفعل داخل مسجد الأمة وطبيعة الخطب التي يلقيها.
غادر الخطيب الإدريسي تونس في منتصف الثمانينات باتجاه المملكة العربية السعودية بعد تخرّجه كفنّي في التمريض،فقد بصره في بداية التسعينات،ولكن ذلك لم يثنيه عن مواصلة تلقيه للعلم الشرعي،عاد الى تونس في سنة 1994 وتحديدًا إلى مدينة "بن عون" ..في أواخر عام 2006 سُجن لسنتين بسب اعطاء دروس دينية في منزله دون ترخيص من السلطات،في فترة شهدت مواجهة كبيرة بين من سمّي بمجموعة "أسد بن الفرات" والقوات الأمنية، وبعد انتهاء فترة سجنه وُضع تحت "الاقامة الجبرية" في منزله بن عون مع إجبارية الحضور يوميًا للتوقيع في مركز الأمن.بعد الثورة مباشرة تحوّل بيته الى "مزار" خاصّة للشباب السلفي الجهادي الذي غادر السجن بعد تمتّعه بالعفو التشريعي العام،ورغم قربه من أبو عياض غير أنه لم ينضم فعليا لتنظيم أنصار الشريعة وفضّل أن يبقى على مسافة منه،رغم أن التنظيم يستلهم جزءً مهمًا من أطروحاته وأدبياته انطلاقا من أفكار وتفاسير الخطيب الإدريسي للشريعة.
ويرى الخطيب الإدريسي أن الجهاد هو الفريضة الغائبة التي تخلّت عنها الأمة وتقاعست عنها ولذا فانه يحثّ على الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، وفي بداية 2011 نصح الخطيب الإدريسي أبو عياض بأن لا يطلق اسمًا على جماعتهم حين لقبوها ب"أنصار الشريعة" لأنه توقّع أن تسهّل هذه التسمية مهمة الجهات الأمنية في إدراج وملاحقة المنتسبين لهذه الجماعة،كما حذره من أن هذه التسمية قد تولّد "التشتّت" داخل التيار الجهادي التونسي .
وبعد بداية تضييق الخناق على تنظيم أنصار الشريعة بدأت العلاقة بين الخطيب الإدريسي وأبو عياض تفتر بعد اكتفاء الخطيب الادريسي بالإفتاء للشباب السلفي دون أن يعلن صراحة عن مواقف مؤيدة لهذا التيار حيث خاطبه أبو عياض في 2013 في رسالة مطوّلة قائلا له حرفيا" وكأن المعركة لا تعنيكم او كأنكم غير مكلفين بتبيين الحق والذود عنه بكل وسيلة شرعها رب البرية".
ونشرت أغلب أعمال الخطيب الادريسي من خطب ودروس ومحاضرات على منبر الكتروني يضم أهم كتب ومراجع السلفية الجهادية، وقد تحوّل مطلع قصيدة ألقاها في أحد الخطب إلى شعار لـ"دواعش" حتى أن بعضهم يرى أن هذا المطلع استوحى منه أبوبكر البغدادي شعار "دولته" "باقية وتتمدّد" .
وهذا المطلع هو " إن الإسلام إذا حاربوه اشتد وإذا تركوه امتد"، كما أن الشباب التونسي الذي التحق بالتنظيم الارهابي "داعش" وحسب الوثائق المسرّبة مؤخرًا من داخل التنظيم،يتفاخر بأنه تلّقى العلم الشرعي عن الخطيب الإدريسي الذي له حظوة اليوم في العراق وسورية وفي ليبيا وتجد خطبه ودروسه المنشورة على شبكات "الإنترنت" إقبالاً كبيرًا.