الرباط-المغرب اليوم
تقدمت الأحزاب المغربية إلى الإعلان عن نيتها القيام بزيارة إلى الجارة الشرقية للقاء الأحزاب هناك، سعيًا إلى دعم المقترح الملكي من خلال تجسير العلاقات لإنهاء الخلافات بين البلدين، وذلك بعد أيام من دعوة الملك محمد السادس الجزائر إلى الحوار عبر آلية سياسية.
بادر حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي، إلى التفاعل مع دعوة الملك هو حيث أعلن عن زيارة مرتقبة إلى الجزائر، تلته أحزاب أخرى، من بينها حزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، الذي قرر دعوة الأحزاب المغاربية إلى إحياء ذكرى مؤتمر طنجة.
عقد المؤتمر عام 1958، وشارك فيه حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري الجديد التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، بهدف حشد الدعم لإقامة اتحاد مغاربي يعزز العلاقات القائمة بينها من أجل تحقيق اندماج اقتصادي وسياسي.
لكن مبادرات الأحزاب المغربية عقب اقتراح الملك آلية الحوار لم تلق الصدى الذي كان مرجوًا منها لدى الطرف الجزائري، إذ لحد الساعة لم يصدر أي رأي رسمي عن النظام الجزائري، كما اعتبرت أغلب الأحزاب الجزائرية أن سعي التنظيمات السياسية المغربية للقائها سيكون بدون جدوى.
ويقول محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة المالك السعدي في طنجة، إن إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر لا يعني أن عملية التواصل غير قائمة بصفة قطعية بين الأحزاب السياسية والبرلمانات والمجتمع المدني، مشيرًا إلى أن هناك جسور تواصل، لكنها تحتاج إلى مبادرة قوية تجمع الدبلوماسية الموازية وتعطيها شحنة قوية للتحرك لدعم مقترح آلية الحوار.
وأوضح بوخبزة، في حديث لهسبريس، أن المطلوب هو العمل ضمن الاتحادات الدولية للأحزاب، وأورد في هذا الصدد ما حققه عبد الرحمن اليوسفي دوليًا بحكم علاقاته في إطار الأممية الاشتراكية، التي ينتمي إليها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
رغم ذلك يظل نجاح هذه المبادرة صعبًا، فالعمراني يرى أن هناك حاجة إلى استقرار سياسي واضح داخل الجزائر.
وأضاف "إذا لم يكن هناك نظام منفتح بمؤسسات تعمل بشكل جيد، سيكون من الصعب اختراقه بمبادرة كيفما كانت قوتها، فنظام الحزب الوحيد الذي كان سائدًا قبل التسعينيات، يشتغل اليوم بشكل مغاير لا أقل ولا أكثر".
وشدد العمراني على أهمية نجاح هذه الآلية، معتبرًا أن استمرار إغلاق الحدود بين البلدين بدون مبرر أو مسوغ مقبول أمر مقلق، مشيرًا إلى أن الأحزاب المغربية تجمع كلها اليوم على تجاوز الوضع الحالي، لكن يبقى المشكل، حسب رأيه، هو الطرف الجزائري "لأن هناك إشكالًا حقيقيًا على مستوى طبيعة الأحزاب ودورها في السلطة وطموحها في تولي مراكز القرار".
واستبعد العمراني أن تكون لأجندة الانتخابات الرئاسية في الجزائر السنة المقبلة أثرٌ على دعوة المغرب إلى الحوار من خلال آلية سياسية، مؤكدًا أن طبيعة النظام الجزائري يجد صعوبة في التخلي عن ورقة يستعملها في التوازنات السياسية الداخلية، في إشارة إلى خلافه السياسي مع المغرب بسبب نزاع الصحراء وملفات أخرى.
ويجمع عدد من المتتبعين على أن ما يزيد الوضع صُعوبةً بين المغرب والجزائر هو الحملات الإعلامية الشرسة التي تُشن في كل محطة دبلوماسية، إقليميًا أو دوليًا، وأن إيقافها يبقى خُطوة ضرورية لتصفية الأجواء وتوفير شروط بناء علاقات إيجابية.
كما يعتبر لقاء جُنيف، المرتقب عقده الشهر المقبل برعاية الأمم المتحدة، بحضور المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، هورست كولر، محطة مهمة في تحقيق تقدم مرجو في ملف الصحراء، الذي يعتبر الملف الخلافي الرئيسي بين البلدين الجارين.
نجاح تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر يبقى طموحًا كبيرًا، وإن كان صعب المنال في الظروف الجارية، لكن في حالة نجاحه على المدى المتوسط أو البعيد، ستكون له نتائج إيجابية على البلدين وشعبيهما، خصوصًا على المستوى الاقتصادي بتحقيق التكامل في منطقة تعتبر نشازًا في العالم بتضعييها فرص تحقيق إقلاع اقتصادي مهم.