ورزازات - المغرب اليوم
بثقة شابة خبرت الشاشات والكاميرات، وبراءة طفلة كبرت في دروب ورزازات، تطل المغربية سهام أشطو على متتبعي قناة الدوتش فيليه كل يوم لتقدم آخر مستجدات الساحة الدولية من مدينة برلين الألمانية.
لها خمسة إخوة وأخوات، ترعرعت في كنف والديها في "هوليود المغرب"، وأتمت مراحل تعليمها إلى أن نالت شهادة الباكالوريا في شعبة الآداب، لتلتحق بالمعهد العالي للإعلام بالرباط، وتتحسس أولى خطواتها في عالم الصحافة.
تعود أُصولها إلى قرية تَامْساهْلتْ بجماعة تازارين إقليم زاكورة، حيث تعيش عائلتها الكبيرة الآن؛ لكن سهام وُلدت بمدينة ورزازات، حيث تعيش أسرتها الصغيرة ويعمل والدها الذي يشتغل طبيبا بيطريا.
صحافة مكتوبة
"في الرباط، كان يجب علينا الخضوع كل سنة لتدريب عملي في نهاية السنة. في السنة الأولى، أجريت تدريبا لدى وكالة المغرب العربي للأنباء، وفي السنة الثانية مكتب الشرق الأوسط في الرباط"، تقول سهام أشطو لهسبريس الإلكترونية، ثم تزيد: "هذه المحطة شكلت منعطفا في مسيرتي، فقد تواصل تعاوني مع الصحيفة حتى بعد انتهاء التدريب وأنيطت بي مسؤوليات كبيرة، رغم صغر سني. وهكذا، غطيت أحداثا مهمة ومهرجانات فنية وندوات وأجريت حوارات مع وزراء مغاربة وشخصيات مؤثرة في الشأن المغربي".
في الصحافة المكتوبة، صقلت سهام أشطو موهبتها في الكتابة واختيار زوايا المعالجة، حتى أن الكثيرين يتذكرون أنها أول من أثار وقتها قضية العداء المغربي خالد السكاح التي استأثرت باهتمام الرأي العام حينئذ وتسببت في أزمة دبلوماسية بين المغرب والنرويج.
في فترة دراستها، خاضت أشطو كذلك تدريبا في القناة الأمازيغية، إذ تقول عنه: "كانت تجربة مميزة أن أقدم مباشرة أخبارا بالأمازيغية أعددتها بنفسي بلغتي الأم، كان ذلك مصدر سعادة بالنسبة لي، لأنني شعرت بأنني أخاطب أفرادا في عائلتي لا يتحدثون العربية مثل أمي وجدتي".
ثم تضيف: "أفتخر بشكل كبير بأصولي وثقافتي الأمازيغية وتنوعها، وأعتبر نفسي محظوظة؛ لأني من الأمازيغ والأمازيغيات الذين تعلموا اللغة الأمازيغية بفضل الأهل، لأن هناك الكثير من الأمازيغ لا يتحدثون الأمازيغية".
قبل أن ينقضي مسارها في المعهد العالي للإعلام الذي واصلته بجد واجتهاد، تم اختيارها في السنة الأخيرة من هذا التكوين العالي رفقة طالب آخر للاستفادة من تدريب في قسم الأون لاين مدته 3 أشهر في دويتشه فيله في بون في ألمانيا.
العودة إلى ألمانيا
"مباشرة بعد عودتي إلى المغرب بدأت تعلم دروس اللغة الألمانية" تقول أشطو لهسبريس، وكأنها تعرف أن ذلك التدريب الذي دام ثلاثة أشهر في بون لم يكن سوى عتبة للمرور نحو درب صاحبة الجلالة في ألمانيا نفسها. لم تمر سوى سنة واحدة لتعود إلى المدينة الألمانية نفسها هذه المرة من بوابة أكاديمية، بعد أن تسجلت في إحدى الكليات لدراسة ماستر في الإعلام الدولي بجامعة بون راين زيغ بمدينة بون. كان ذلك سنة 2012، حيث زاوجت بين الدراسة وكتابة مقالات صحافية لقسم الأونلاين في دويتشه فيله.
وسنة 2013 أجرت أشطو تدريبا في قسم التلفزيون بالمؤسسة نفسها. في 2014، انتقلت للعيش في برلين وبدأت العمل للتلفزيون مع مواصلة العمل للأونلاين أيضا.
سهام حملت معها إلى برلين جدية الجنوبيين وحبهم لعملهم، إلى جانب المواصفات اللازمة توفرها في مقدمة أخبار ناجحة؛ وجه تلفزيوني وصوت لم تمنعه أنثويته في أن يكون جهوريا مسموعا يوصل أخبار الساحة الدولية إلى مختلف المشاهدين في ربوع العالم، حيث نجحت في كاستنيغ لاختيار مقدمة الأخبار في قناة الـ DW سنة 2015.
"تحديات العمل مشتركة لدى جميع من يشاطرونني متاعب هذه المهنة؛ كضغط المباشر، وعندما تشتغل في منبر دولي يجب أن تبقى على اطلاع دائم على كل الملفات وتتابع كل التطورات حتى وأنت بعيد على العمل". تقول ابنة ورزازات عن تحديات عملها، مشيرة إلى أن الصعوبات مشتركة مع كل المهاجرين: الغربة وصعوبة التأقلم في البداية والطقس المختلف وصعوبة تعلم اللغة الألمانية.
تتحدث الصحافية سهام أوشطو عن والدها الطبيب البيطري بالكثير من الحب والفخر، وتنسب إليه الكثير من الفضل في اهتمامها بالسياسة وعوالم الصحافة: "لعب دورا كبيرا في اهتمامي بالسياسة ومتابعتي لشؤون العالم؛ لأنه سياسي.. وكان ولا يزال متابعا نهما لنشرات الأخبار والصحف" تقول سهام، وتؤكد أنها تقرأ الجرائد اليومية عندما ينتهي منها منذ صغرها، ومتابعتها لنشرات الأخبار إلى جانبه في البيت ساهم في تطوير لغتها العربية وانفتاحها على الأحداث التي تقع في العالم منذ طفولتها.
رسالة إلى نساء الهامش
تتحدث سهام أوشطو عن قرية تامساهلت حيث تعود أصولها، فتقول: "أزور القرية التي ينحدر منها والدي باستمرار.. وطبعا أتألم لرؤية نساء وفتيات هناك لا أفق لديهن، وهذا لأن متابعة الدراسة في السابق كانت أمرا شبه مستحيل؛ فالقرية لا تتوفر سوى على مدرسة ابتدائية.. وبحكم الفقر أو التقاليد أو الخوف على البنات، كانت أسر كثيرة ترفض إرسالهن إلى مناطق أخرى لمتابعة الدراسة".
وتردف: "الآن تغير الوضع وتبدلت العقليات إلى حد ما، وأصبحت متابعة الفتيات لدراستهن أمرا متاحا، خاصة لمن ملكت منهن قوة العزيمة والإرادة والطموح".
عن رسالتها إلى بنات جنسها في المداشر البعيدة والقرى النائية، تقول نفس المتحدثة: "أريد أن أقول لكل فتاة تحلم بالوصول إلى هدف ما: فقط ضعي الهدف نصب عينيك واشتغلي. الحب والميول هما أكبر محفز للوصول إلى أهدافنا".
وتستدرك: "صحيح أني ترعرعت في ظروف أفضل. درست في مدينة وكنت قرب عائلتي إلى أن حصلت على الباكالوريا ولم تكن العوائق المادية مطروحة، لكني عندما أردت اختيار شعبة الصحافة واجهت نوعا من المقاومة من أشخاص مقربين لي وسمعت تحذيرات من قبيل أن المهنة متعبة وأن سوق العمل في الصحافة سوق ضيق وأنه يستحسن لي أن اختار شعبة أخرى".
وتستطرد أوشطو: "كل هذا التخويف كان يمكن أن يؤثر على فتاة بلغت بالكاد ربيعها الثامن عشر؛ لكني عاندت، وانتصر ميولي إلى هذا العالم وشغفي على كل هذه التحذيرات. قبل هذا عشت وضعا مشابها وأنا أختار الشعبة التي سأتخصص فيها في الثانوية، وقد كان عمري وقتها 14 سنة".
شعبة الآداب
في هذه الدردشة، تعود بنا سهام أوشطو إلى قصة اختيارها لشعبة الآداب، ومقاومة بعض أهلها لهذا الاختيار وهم الذين كانوا يرغبون في أن تتخصص في العلوم، وقد تصبح طبيبة مثل والدها، إذ تقول: "وقفت العائلة في وجهي، وسمعت تحذيرات من أني سأقلل فرصي في الحصول على عمل جيد إذا تخصصت في شعبة الآداب؛ ولكني بقيت مصرة على رأيي وقتها".
ثم تزيد: "هنا أريد أن أغتنم الفرصة لأوجه رسالة أتمنى أن تساهم في تغيير الموقف السائد من شعبة الآداب، سواء لدى الأهالي أو الطلاب والطالبات: ليس المهم هو الشعبة التي تتابع فيها دراستك، المهم هو أن تتبع ما تحبه لأن هذا هو الشرط والطريق الوحيد لأن تنجح فيه".
وتختم قائلة: "لحسن الحظ أن والدي الذي عارض أن أختار يوما ما شعبة الآداب في الثانوية هو نفسه الذي شجعني على اتباع الصحافة ما دمت أحبها".
قد يهمك أيضًا :
أمين "الاستقلال" يؤكد أن حكومة العثماني عاجزة عن حل مشاكل المغاربة
المحكمة الدستورية المغربية ترفض قانون مجلس المستشارين