الرباط - المغرب اليوم
يوظف محمد جلال أعراب، الأكاديمي والباحث المسرحي، المسرحَ لنبذ العنف والتربية على السلوك المدني، وخاض في سبيل ذلك تجربة بناء محترفات مسرحية تطبيقية تمّت في مرحلتها الأولى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، و"دار الحي السلام" بالمدينة نفسها.
وحسب كتاب "محترفات مسرحية في ترسيخ السلوك المدني ونبذ العنف"، الذي خطّه محمد جلال أعراب كدليل عملي لهذه التجربة، وتمّ تقديمُه بمسرح محمد الخامس بالعاصمة الرباط؛ فإن مرحلة الورشات التكوينية عرفت خلق نقاشاتٍ واسعةٍ حول علاقة الفن بشكل عام، والفن المسرحي بشكل خاص، بالمجتمع وقضاياه، خاصة فيما يتعلق بظاهرة العنف المجتمعي، التي تمّت محاولة تشريحها والتعبير عنها مسرحيا، ووضع السلوك المدني باعتباره بديلا حضاريا ومدنيا وإنسانيا، مع الوقوف على عيّنات من العنف والاشتغال عليها على مستوى التعبير الجسدي، والحركة الإيمائية، والعلاقات مع الأشخاص الآخرين.
وقال الكاتب في حفل تقديم كتابه بالمسرح الوطني محمد الخامس إن فكرة نبذ العنف وترسيخ السلوك المدني جاءت مع "ملاحظة العنف الجامعي بجامعة مثل ابن زهر، التي تقع فيها صراعات إثنية ومذهبية قد تصل إلى حد الاغتيال كما حدث في السنة الماضية".
وأضاف أعراب أن هذا العمل هو "نتيجة جهد مضن، ونتيجة حُبّ للعمل في محراب ديونيسوس"، مؤكّدا أن المسرح "يجب أن يكون فاعلا في المجتمع، وأن يحمل رسائل ويساهم في تغيير السلوك، وتغيير البنيات، ولم لا تغيير المجتمع".
ووضّح الأكاديمي، الذي تلقّى مشروعُه دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أنه كان يتساءل لماذا لم تفكر هذه المبادرة في دعم مشاريع تبني الإنسان والقيم التي تندثر يوما بعد يوم. وزاد مبينا أنه بعد تنزيل فكرة المحترفات المسرحية والاشتغال مع شباب لم يمارسوا المسرح في يوم من الأيام، "كانت النتيجة أنهم أحبوا المسرح، وطالبوا بزيادة ساعات التدريب، والاستمرار إلى ساعات متأخرة من الليل"؛ وهو ما نتج عنه "أننا خرجنا ليس كما بدأنا".
وشدّد أعراب على أن المسرح لا يجب التعامل معه كنشاط يملأ الوقت الثالث أو وقت الفراغ، ثم استرسل مستعرضا النتائج العملية للمحترفات، التي تَوَظَّفَ بعدها أزيد من ثلاثين بالمائة ممن شاركوا فيها، وأكمل آخرون دراستهم، أو عملوا على هذا المشروع وقدّموه بطريقتهم، معطيا مثالا بتعبير عفوي لأحد المستفيدين قال إنه يحس "كأنه خرج من حمّام"، مفسّرا "الحمّام" بالمفهوم الأرسطي لـ"الكطارسيس" كتطهير نفسي و"حمّام نفسي".
من جهته، وضع الباحث جلال المرابط مشروع أعراب في خانة "البسيكو دراما" أو المسرح العلاجي؛ لمحاولته نبذَ العنف والتربية على السلوك المدني، عبر تواصل مباشر مع الجمهور دونَ وسائط، وتحويله الشخوص إلى شخصيات حقيقية على خشبة المسرح، مستحضرا في قراءته كِتابَ "محترفات مسرحية في ترسيخ السلوك المدني ونبذ العنف" مفهومَ الجمهور كفاعل في إنجاز العرض في المسرح الحديث.
فيما رأى نور الدين زيوال، الباحث المسرحي الأكاديمي، في الكتاب دليلا نموذجيا يقدم نموذجا للفرق المسرحية المهتمة بالتأسيس والاشتغال مع الشباب والطلبة، وأثنى على "المعلومات النظرية المهمة التي يحتوي عليها الكتاب، وتمثله للممارسة المسرحية، وأخذ كاتبه بيد القارئ من أجل فهم مفهوم الدراما أولا بشكل مبسط ونافذ، ومفهوم الفنون الحية، ثم مفهوم المسرح والتَّمسْرُح، وارتباط المسرح بالنص والممثل والإخراج".
وتساءل زيوال عن المدة اللازمة لتُرى نتائج المحترفات والورشات، قبل أن يسترسل مجيبا أن "أعراب مشكور على مجهوده الذي استمر سنة كاملة في محترفات مسرحية"، في ظل "الاستسهال الموجود اليوم ليوم أو يومين". وزاد قائلا إن "الصّدق في الممارسة، والمصداقية التي لدى الشركاء الذين كانوا وراء إنجاز هذا المحترف، والحرص على التوثيق تستفزُّنا؛ لأننا ما زلنا في الخطوات الجنينية للتوثيق حتى بالنسبة إلى الدولة"، ثم أجمل أن هذا "درسٌ للمؤسسات وللأفراد وللمُشتغلين بالمسرح".