الرباط - المغرب اليوم
تزامنا مع نهاية السنة الدراسية، تعترض سبيل التلاميذ الحاصلين على شهادة الباكالوريا، أيّا كان معدل النجاح أو ميزته، مشاكل وصعوبات اتخاذ قرار الاختيار الحاسم الذي سيحدد مصيرهم الدراسي والمهني مستقبلا، بناء على توجيه صاحبهم طيلة المرحلة الثانوية التأهيلية، لتبدأ معاناة من شاكلة أخرى تختلف كثيرا عما عهدوه خلال التحضير لنيل الشهادة.
فمن التلاميذ من يتحمل مسؤولية قرار توجيهه، ويتشبث ببصيص أمل أحلامه التي راودته حتى إن لاحت له صورة واقع سوداوي. ورغم أنهم قلة قليلة، إلا أن التزامهم بالمضي قدما نحو تحقيق أهدافهم وطموحاتهم جعل منهم استثناء.
ومنهم من يعلق خيبات أمله التي لم تكن في الحسبان على منظومة تربوية برمتها، متهما إياها بعدم الاضطلاع بدور منوط بها يتجلى أساسا في مصاحبة بيداغوجية يجزم أن يكون قد صادفها خلال مشواره الدراسي التأهيلي.
هسبريس حاولت رصد مكامن الخلل في موضوع بات يؤرق الأسر قبل التلاميذ مع اقتراب نهاية كل موسم دراسي، أو ما يعرف بأزمة التوجيه في المغرب وآفاق ما بعد الباكالوريا.
نموذج من الواقع
تحكي بسمة، طالبة بإحدى المدارس العليا الخاصة حاصلة على بكالوريا برسم الموسم الدراسي 2017-2018، عن تجربتها مع التوجيه التربوي خلال المرحلة الثانوية متأسفة لواقع التوجيه الذي قد يضيع مستقبلها.
كغيرها من أبناء جيلها، وجدت بسمة صعوبة كبيرة في الحسم في مستقبلها الدراسي وتوجهها المزمع اختياره في المرحلة الجامعية في ظل غياب تام لمواكبة بيداغوجية طوال فترة دراستها الثانوية، مشيرة إلى أنها لم تلتق الموجه إلا نهاية السنة الثانية بكالوريا لبضع دقائق استظهر خلالها ما هو وارد في دليل التوجيه الذي وزعته إدارة المؤسسة التي تنتمي إليها.
وقالت بسمة إن آليات التوجيه تأتي دون شرح مفصل للآفاق الدراسية، أو إرشادها لما يوافق تطلعاتها واهتماماتها، موضحة أن الإنترنيت أصبحت له أفضال على جميع المقبلين على هذا المخاض، فهو الوحيد الذي يشفي غليل كل باحث عن معرفة أدق التفاصيل.
وبلهجة ملؤها الحسرة، أقرت بسمة بأن أحلامها الوردية التي راودتها خلال المرحلة الإعدادية تبددت بمجرد ارتطامها على صخرة الواقع، شأنها في ذلك شأن زملائها الذين لقوا المصير ذاته، لتختار لنفسها مدرسة عليا خاصة وجدت فيها ضالتها ومشوارا دراسيا لا طالما حلمت به.
ضعف التطبيق
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وهو المرجع الأساسي لمنظور التوجيه في المغرب، على أن التوجيه التربوي والمهني دعامة أساسية في سيرورة التكوين بوصفه وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول عند المتعلمين، وكذا اختياراتهم التربوية والمهنية.
وفي هذا الصدد، قال نور الدين البزاز، مستشار في التوجيه التربوي، في تصريح لهسبريس، إن التوافق على تحقيق المطامح التي جاء من أجلها الميثاق في ما يعنى بالتوجيه والإعلام ما زال جزئيا، مشيرا إلى أن "الكثير لم يتحقق بعد، ومن بين الأهداف المسطرة دمقرطة التوجيه ليصبح باستطاعة التلميذ بناء مشروعه واختياراته واستدراك ما فاته إن هو أخطأ موعد أو مسلك التوجيه بداية السنة الموالية حتى بعد مرور شهر من الدراسة".
وشدد البزاز على ضرورة تغليب الطابع التربوي للتوجيه، موردا أن الهدف منه اليوم لم يعد ملء مقاعد فارغة فقط، معتبرا أن المنظومة نجحت في توسيع العرض التربوي.
وأضاف في هذا الصدد أن الشُعب الخاصة ظلت إلى الأمس القريب صعبة المنال على العديد من التلاميذ؛ إذ "وجب على التلميذ السفر من مدينة إلى أخرى والخوض في دوامة إجراءات لا تنتهي للحصول على الشعبة المراد دراستها".
وردا على استياء التلاميذ من منظومة التوجيه والغياب شبه التام للموجهين وعدم مواكبتهم، أقر نور الدين بالأمر وعزاه إلى "التقصير لأسباب موضوعية، أبرزها قلة الأطر المكونة، علاوة على تكليف كل فرد منها بعدة اختصاصات"، مضيفا أن "الإطار الواحد يشرف على أربع مؤسسات على الأقل، تضم الواحدة منها مئات التلاميذ بمختلف شعبهم ومسالكهم باختلاف عقلياتهم واهتماماتهم".
التوجيه والإعلام
يرى متخصصون تربويون أن للأسرة دورا فعالا في توجيه أبنائها وإرشادهم إلى مسار دراسي يوافق تطلعاتهم وأحلامهم، دون إجبارهم على النزول عند رغباتها في اختيار شعبة دون أخرى، أو مسلك دون آخر، إرضاء لأحكام قيمة تطال توجهات ومسالك دون سند منطقي وواقعي.
فبعض الآباء، وفقا لآراء استقتها هسبريس ممن أخلفوا الموعد مع شعبة حلموا بدراستها والتخصص فيها، تجدهم اليوم يجبرون أطفالهم على اختيارها على حساب ميولهم وأحلامهم، فيحكمون بالتالي على مسارهم الدراسي بالفشل الذريع، مما يحتم على أولياء أمور التلاميذ مسايرة أبنائهم وتوجيههم بطريقة صحيحة بعيدا عن التعصب والإجبار.