الرباط - المغرب اليوم
قال فريد الزاهي، الناقد الفني الأكاديمي المترجم، إن مشكل الترجمة بالمغرب هو الإحساس بصرير اللغة عند قراءة الترجمات بسبب مشاكل فيها تجعلنا لا نحس بأننا نقرأ اللغة العربية، بينما هدف الترجمة هو أن تقرأ الآخر بلسانك ناسيا أنه ترجم من لغة أخرى.
ووصف الزاهي، مجازا، الخميس بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالعاصمة الرباط، مترجمي النصوص المغاربية المكتوبة بتعبير فرنسي بأنهم "يُرجعون الشّياه الضالة إلى القطيع"، مستحضرا الجهد الأكبر لترجمة نصوص الكتاب المغاربيين باللغة الفرنسية مقارنة بنصوص الفرنسيين؛ "لأنهم لا يكتبون بفرنسية الفرنسيين، بل بلغة ينحتونها من ثقافتهم ومعيشهم".
وذكر الزاهي أن الباحثين في العالم العربي ما يزالون متخلّفين عن دراسة الصور رغم عيشهم معها وفيها وبها، مؤكّدا أهميتها كـ"وسيلة للبحث تمكّن من تجاوز الاستبيانات عن طريق قراءة نبرات المستبيَنِين بعد تصويرهم".
وأكد الزاهي ضرورةَ إنتاج معرفة بالعالم العربي، لكوننا نعيش عصرا استعماريا جديدا هو الاستعمار التكنولوجي وعولمة الصور، مضيفا أننا حاليا عميان أمام الصورة التي ترانا ولا نراها في ظل قلة بؤر الاهتمام بالصورة في العالم العربي.
رشيدة التريكي، كاتبة تونسية متخصصة في الصورة، قالت، من جهتها، إن "حروب الصور قديمةٌ وهدفها فرض السيطرة"، وأعطت مثالا بـ"استبدال كاريزما الملوك وأصحاب السلطة، وربط الصور التلفزيونية المتكرر والمستمر لمشاهد العنف بالأفراد أنفسهم، مما يجعل لا وعي المشاهدين يربط العنف ببعض النّاس، في مبالغة شديدة".
وأشارت المحاضِرة إلى "خطورة عدم تعليم التعامل مع الصورة الذي يمكن أن يؤدي إلى الموت، كما في حالة الكاريكاتورات التي لم يتم فيها التفريق بين ما تمثّلُهُ والممَثّل"، معطية مثالا بـ"علاقة الطفل بالمرآة التي تحتاج مرافقة من والديه لأنها مرحلة بداية وعيه بفردانيته".
وتحدثت الباحثة الفلسفية عن حرب الصورة بين الشمال والجنوب، التي تتمحور حول التمكن من التقنيات وإيجابياتها وأخطارها، وقالت: "نحن بعيدون عن فهم كنه الصورة التي ليست شيئا، بل يمكنها أن تسكن حوامل متعددة أيقونية، ومجازية، وسينمائية، ومتخيَّلة مثل الحلم"، مستشهدة في هذا السياق بما قاله ميرلوبونتي حول لُعبة إنتاج الصورة والإيمان، وهو ما يتمظهر في حديث الناس عن رؤيتهم أمرا من الأمور في التلفاز، دون إدراك ما يختفي وراء ما يرونه.
ووضحت التريكي أن النظرة لا تكون بالعين، بل بالجسد والأحاسيس والحالة النفسية، مستشهدة بـ"مغامرتها" مع التقنية وصناعة الأفلام، بعد 24 فيلما متوسط الطول، حول الفنانين داخل ورشاتهم الفنية، ومرحلة المنتجة التي جعلتها تعي مدى تحوُّل الصورة من أجل تقريبها أكثر من تجربة الفنان وطريقة رسمه.
واستحضرت الكاتبة مشاركَتَها في ليلة الفلاسفة في اليونسكو التي تم فيها الحديث عن الإرث المتوسطي للفلسفة والترجمات الأساسية لابن رشد، والغزالي، وابن سينا، وأعمال ابن الهيثم حول البصريَّات التي مكَّنَت فنَّاني النهضة الإيطالية الكبار، مثل دافنشي، من إنتاج صورة تحاكي العالم، وتكون نافذة عليه.
وذكرت رشيدة التريكي أن كتابها "الصورة كما نراها وكما نتصورها"، الذي ترجمه فريد الزاهي، كان نتيجة بحث في الصورة، والنقد الفني، وتعاملها مع الفنّانين والسينمائيّين، موضّحة أنها انطلقت فيه من الحوار الذي كان بين الخطيبي وسارتر ورؤيتَيْهِما حول الصورة، بين الذاكرة الموشومة عند الخطيبي التي تحمل فيها الصورة دلالاتها وذاكرتها، وبين رؤية سارتر أن ما نراه هو ما يتخيله وعينا البصري، مضيفة أن الفيلسوفين التقيا في حُكمهما على الحرية في الفن.