دبي ـ جمال أبو سمرا
تمثل البروتينات اللبنة الأساسية للحياة، وتلعب تركيبتها الكيميائية دورا مهما في تمكينها من أداء وظائفها البيولوجية، وتركيبتها تحدد خواصها الميكانيكية والتحفيزية (مثل الأنزيمات) . ووظائف البروتينات تصوغ القالب الذي تتشكل به الكائنات الحية، بحسب مجلة "ساينس ديلي" العلمية، أضف إلى ذلك دور تركيبة البروتين الرئيس في تعرض الإنسان للإصابة بعدد من الأمراض . فعلى سبيل المثال، فالتركيبة الثانوية للبروتين (لولبياً) سواء كان أم مسطحا مثل ورقة بيتا) تلعب دورا أساسيا في آلية الإصابة بأمراض مثل الزهايمر، وباركنسون، وغيرهما من الأمراض العصبية التنكسية .
وعلى الرغم من ابتكار العلماء لطرق متنوعة لدراسة كيمياء البروتين وتركيبته، والتي ساعدت في رسم خارطة لتركيبته الثانوية على مقياس النانومتر، بيد أنه سيبقى بتعقيداته تحدياً يرهق العلماء .
ومؤخراً ابتكر الباحثون تقنية تحليل طيفي بالأشعة الحمراء اسموها " nano-FTIR"، تمكنوا بها من تصوير كيميائي لتركيبة البروتين الثانوية على مقياس النانومتر، وبها أيضاً فكوا ألغاز البروتين وحساسيته الفائقة .
تتكون التقنية من ميكروسكوب ضوئي تحليلي وجهاز فورييه للتحليل الطيفي الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء (FTIR) . (مخترعه عالم الفيزياء جوزيف فورييه لنقل الإشارات بين الحاجز الزماني والتردد) .
واستخدم كثيراً في دراسة التركيب الثانوي للبروتين الذي يصعب تصويره بمقياس النانو . يحوي الجهاز رأساً معدنياً حاداً تضاء بشعاع ليزر الأشعة تحت الحمراء، ويحلل الضوء المشتت الذي تشعه بمحلل فورييه الطيفي . وبهذه التقنية يستطيع الباحثون تفسير التحليل الطيفي لدواخل البروتين بدرجة عالية من الوضوح تقل عن 30 نانومتراً .
يعمل الرأس مثل هوائي لضوء الأشعة تحت الحمراء ويجمعها عند قمته، وبالتالي تعد العدسة النانوية على الرأس مصدراً لضوء الأشعة تحت الحمراء الضئيلة . وضآلتها تجعلها تضيء فقط مساحة لا تزيد على 30*30 نانومتراً، وهو مقياس المركبات البروتينية الكبيرة، بحسب قائد المشروع رينيه هيلنبراند . ولتفسير تعددية النتائج التي تعطيها التقنية حول التحليل الطيفي للبروتين على مقياس النانو، قاس الباحثون فيروسات الطيف تحت الأحمر ذات الخلية الواحدة، وتركيبات الفيريتين (بروتين داخل الخلايا، يتحكم في تخزين وإطلاق الحديد، ويعكس حالة الحديد في الجسم)، والأغشية البنفسجية، والجذر الشعرية الليفية للأنسولين، وتعكس كلها التغيرات في التركيبة الثانوية للبروتين، بحسب إيبان أمينابار الذي قاد التجارب النانوية على المحلل الطيفي، مشيراً إلى أن الفيروسات والفيريتين تتكونان أساساً في شكل لولبي، بينما تتكون جذر الإنسولين الليفية الشعرية في شكل ورقة بيتا المسطحة .
يوضح سايمون بولي عالم الأحياء في الفريق أنه لا يمكن لجهاز التحليل الطيفي FTIR الكشف عن الفيروسات اللولبية في خليط من جذر الأنسولين الليفية وبعض الفيروسات، وباستكشاف تركيبات البروتين النانوية واحدة بواحدة باستخدام جهاز التحليل الطيفي يمكن التعرف بكل وضوح إلى الفيروس اللولبي داخل تركيبة البروتينات على شكل ورقة "بيتا" . وكشفت التجارب المتكررة أن التحليل الطيفي للبروتين باستخدام جهاز التحليل nano-FTIR يتوافق تماماً مع التحليل العادي في حين أن درجة وضوح الصور كانت قد زيدت بأكثر من 100 .
يقول أمينابار: استطعنا قياس الطيف تحت الحمر لجزيئات الفيريتين وحيدة الخلية، وهي تركيبات بروتينية تحوي 24 بروتيناً، وكتلة بروتين فيريتين صغيرة للغاية إذ لا تتجاوز 1 أتوجرام، لكننا تمكناً من التعرف إلى تركيبته اللولبية" . ودرس الباحثون جذر الأنسولين الشعرية وحيدة الخلية، والتي تعتبر نموذجاً لمسببات الأمراض العصبية التنكسية . ومعروف أن جذر الإنسولين الشعرية تحوي في داخلها تركيبة ورقة بيتا إلا أن تركيبتها الكاملة لم تحدد بعد . وبتحليل الجذر الليفية الشعرية للإنسولين باستخدام جهاز nano-FTIR وجد الباحثون تجميعات من تركيبة بيتا والتركيبة اللولبية أيضاً ما يدلل على وجود ترابط بين الجذر الليفية الشعرية، بحسب ألكسندر بيتنر قائد مجموعة التجميع الذاتي في مركز nanoGUNE للأبحاث .
يضيف بيتنر "إن إمكانات جهاز nano-FTIR مذهلة، وبإضافة رؤوس أدق وهوائيات أكثر تطوراً يمكننا في المستقبل التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء للبروتينات وحيدة الخلية، كما يمكن استخدامه في تطبيقات متعددة مثل دراسة التغييرات الهيكلية في التركيبات النشوية على المستوى الجزيئي، وفي رسم خريطة بمقياس النانو للتغيرات التي تحدث للنسيج الطبي الحيوي للبروتين، أو رسم خريطة للبروتينات ذات الأغشية . وربما يؤدي ذلك إلى حقبة جديدة في عالم التصوير الطيفي الحيوي بالأشعة تحت الحمراء، بحسب هيلينبراند .