سكوبيا - المغرب اليوم
أكد كوستا بارسوف، أحد سكان مدينة سكوبيا عاصمة مقدونيا الشمالية ويبلغ من العمر 16 عاما، أن الجميع كان على يقين بأن مستويات التلوث في المدينة غير معتادة، لأننا نرى آثارها بأعيننا. ففي الشتاء كنا نشم روائح كريهة، وإذا فتحت نافذة غرفة نومي أثناء المذاكرة أشعر أنني أكاد أختنق. وإذا مشيت في الشارع، أغير ملابسي بعد العودة للمنزل مباشرة بسبب الرائحة المنفرة التي تفوح منها".
ويستخدم بارسوف الآن تطبيق "آير كير" على هاتفه المحمول لرصد وقياس جودة الهواء المحيط. وإذا رأى دائرة خضراء، فهذا يعني أن الهواء نظيف نسبيا، وإذا كانت صفراء فإن مستويات التلوث لا تتجاوز الحدود القصوى التي حددها الاتحاد الأوروبي. أما إذا رأى دائرة حمراء أو داكنة، فإن مستويات التلوث تخطت الحدود وتمثل خطرا على الصحة.ويعتمد الكثيرون من سكان المدينة الآن على هذا التطبيق لمعرفة الأماكن التي ترتفع فيها مستويات التلوث ومدى خطورتها على الصحة. وساهم التطبيق في زيادة الوعي، ومن ثم القلق بشأن جودة الهواء في المدينة.ويقول بارسوف، الذي يشارك في حركة "مظاهرات الجمعة من أجل المستقبل"، وهي حركة شبابية عالمية لمكافحة تغير المناخ، إن "الوعي قد زاد بين الناس على مدى السنوات القليلة الماضية، وأشعر أننا نشكل حركة لمكافحة التلوث".وتتصدر سكوبيا باستمرار قائمة المدن الأكثر تلوثا في أوروبا، وأحيانا في العالم. وفي عام 2018، تجاوزت الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء التي يبلغ قطرها 10 نانومترات، الحدود القصوى التي حددها الاتحاد الأوروبي لمدة 202 يوم في المدينة.
وبينما تخوض مقدونيا الشمالية مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن الطريق ما زال طويلا أمامها لتلبي معايير جودة الهواء في الاتحاد الأوروبي. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 4000 وفاة مبكرة في مقدونيا الشمالية سببها تلوث الهواء. وقدرت التكلفة الاجتماعية لهذه الوفيات المبكرة في عام 2012 بما يتراوح بين 570 و1470 مليون يورو.
ورغم أن الهواء كان منعشا في المدينة عندما زرتها في فصل الربيع، إلا أنني كنت أشم رائحة عوادم السيارات الممزوجة بدخان الخشب كلما خرجت من شقتي، وكنت أشعر بالتهاب دائم في الحلق. ويقول بارسوف إن التلوث يؤثر على جودة حياته إلى حد أنه يفكر بسببه في الهجرة إلى الخارج بعد إنهاء دراسته.ويصف بارسوف مستويات التلوث قائلا: "لا يمكنك الخروج من منزلك أو حتى فتح النافذة لمدة ثلاثة أشهر في السنة". ولعل هذه المشكلة لا يعاني منها سكان سكوبيا وحدهم، إذ أشارت تقديرات البنك الدولي في عام 2017 إلى أن ثلث الخريجين في مقدونيا الشمالية هاجروا إلى الخارج.
وهناك عوامل عديدة تسبب الضباب الدخاني، لكن القاسم المشترك بينها هو الفقر. ففي هذا البلد الذي يبلغ متوسط الدخل الشهري فيه 250 يورو، لا يستطيع الكثيرون تدفئة منازلهم إلا بحرق الخشب أو وقود الكتلة الحيوية أو أحيانا البلاستيك.وتستورد مقدونيا الشمالية السيارات التي لا تفي بالمعايير الأوروبية بشأن الانبعاثات من عوادم المركبات، وتباع بسعر رخيص، فضلا عن أن وسائل النقل العام غير متوفرة. وتسهم محطات الطاقة والمصانع في رفع مستويات تلوث الهواء.
وتعمل الجبال الشاهقة التي تحيط بالمدينة من كل جانب على حبس الهواء الملوث فوق المدينة، ويتشكل حاجز من الهواء الدافئ فوق الوادي في فصل الشتاء، بسبب ظاهرة الانعكاس الحراري- أي أن درجة الحرارة ترتفع كلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر- ويحول هذا الحاجز دون صعود الهواء البارد لأعلى، ومن ثم يتجمع الضباب الدخاني والأبخرة وتتراكم في هذه الطبقة من الهواء البارد، لكن سكان مدينة سكوبيا لم يدركوا مدى تردي جودة الهواء قبل إطلاق تطبيق "آيركير". إذ طور غورجان جوفانوفسكي هذا التطبيق بمحض الصدفة في عام 2015، وكان حينها طالبا في كلية الهندسة عمره 22 عاما.
قد يهمك ايضا
دراسة تكشف عن زيادة الانبعاثات والتلوث بشكل ملحوظ في الصين
المستكشفة والمخرجة أليسون تيل تكافح التلوث بزلاجة أمواج