الدار البيضاء- جميلة عمر
ساهم دخول المرأة في وقت مبكر إلى جهاز القضاء في تحقيق تراكمات على مستوى تجربتها في هذا المجال، وتجاوز بعض الرواسب الاجتماعية والثقافية التي كانت منتشرة عقب حصول المغرب على استقلاله، لاسيما تلك المرتبطة بالنظرة الدونية للمرأة التي تحد أدوارها في وظائف محددة سلفًا، تبعًا لتقسيم تقليدي لا يسمح للنساء عامةً بالوصول إلى مراكز صنع القرار أو احتلال مناصب مهمة في أجهزة الدولة.
هذه الشمعة التي أضاءت المؤسسة القضائية تمكنت أنَّ تحقق في زمن وجيز نجاحًا مهنيًا مثيرًا، سمح لهن بتسلق أدراج السلم القضائي، وتمكنت المرأة من الحصول على موقع متميز في حقل القضاء، وبفضلها تمكن المغرب أنَّ يكون السبّاق بين الدول العربية، في إشراكها في فض المنازعات على مستوى العالم العربي.
كما أنَّ المرأة تمكنت من تسجيل حضور متميز في محاكم عدة، سواء في جهاز القضاء الواقف، أو في القضاء الجالس، وفي هذا السياق تم تعيين أول امرأة مستشار في المجلس الأعلى للقضاء العام 1987، لتصل إلى الدرجة الاستثنائية للمرة الأولى العام 1995.
وبدءً من العام 1998 شرع في إسناد بعض مناصب المسؤولية للمرأة القاضية سواء رئيس غرفة أو رئيس محكمة أو وكيل الملك، وظلّت حاضرة بقوة في محكمة النقض، ليعقب ذلك تعيين أول قاضية في المجلس الدستوري العام 1999 وسيتواصل مسلسل الحضور القوي والمتزايد للمرأة في جهاز القضاء إلى أنَّ تتربع على أعلى المستويات.
من جانب آخر، تمكنت المرأة القاضية وكانت السباقة في الانخراط في العمل الجمعوي.
وفي هذا الإطار وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، سيعمل "المغرب اليوم" على استحضار نموذجين؛ الأول عائشة الناصري وكيل الملك في المحكمة الإدارية في الدار البيضاء، والثاني عضو المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة.
وعائشة الناصري تعد أيقونة القضاء المغربي وسميت بـ"المرأة الحديدية"؛ لأنها تمكنت من الوقوف أمام المجتمع الذكوري لتؤكد له أنّ المرأة تمكنت من اختراق تلك المجالات التي كانت في الأمس حكرًا له، وبرهنت من خلال عملها أنَّ المرأة تفوق الرجل من حيث الاجتهاد والبحث، وإخراج القانون المغربي من كل الثغرات التي كانت تقيد الدستور المغربي.
وبالرغم من صغر سنها إلا أنها تمكنت من أن تحمل على عاتقها أمانة الدفاع عن حقوق المواطنين، عبر إرشادها ونصحها المتقاضين، تعمل على حل القضايا الشائكة المعروضة على المحكمة، وبصمتها بارزة إلى جانب شقيقها القاضي المغربي، سواء من حيث النهوض بمستوى الأداء في هذا المجال كمًا وكيفًا، أو على مستوى مشاركتها في العمل الجمعوي الرامي إلى التحسين من مستوى قطاع العدالة وتدعيم سلطة قضائية مستقلة تخدم مصالح الشعب المغربي وتعمل على تكريس كل النظم القانونية والحقوقية التي دعا إليها كثيرًا العاهل المغربي الملك محمد السادس.
بدأت مسارها المهني بعد تخرجها من المعهد العالي للقضاء، في محكمة بن امسيك سيدي عثمان في الدار البيضاء، ورغم صعوبة العمل إلا أنها تمكنت من وضع بصمتها في القضاء الجالس، ليتم تعيينها بعد ذلك في المحكمة التجارية في الدار البيضاء، ثم وكيل الملك في المحكمة المدنية في المدينة ذاتها.
لم ينسيها عملها قاضية أن تنخرط في العمل الجمعوي، وعملت أولًا في مركز الاستماع والاتحاد النسائي، وترأست المحكمة الرمزية وموائد مستديرة خاصة بندوات تتعلق بالنساء والأطفال.
كما شاركت في المحكمة العربية في بيروت، وشهدت الملتقيات التي لها علاقة بالمرأة والطفل والنوع الاجتماعي وإصلاح القضاء، وقررت أخيرًا تأسيس جمعية خاصة بالقاضيات، تطبيقًا لما جاء في مقتضيات الفصل 111 من الدستور المغربي، الذي ينص على إمكانية القضاة الانتماء إلى جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقًا للشروط المنصوص عليها في القانون.
واختير لجمعية القاضيات اسم "الجمعية المغربية للمرأة القاضية"، وفي تصريح للأستاذة عائشة الناصري لموقع "المغرب اليوم"، أكدت أنَّ فكرة التأسيس انبثقت من الخطب الملكية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة منح المرأة القاضية مكانتها داخل الجسم القضائي، وأنه إلى وقت قريب كان القضاة، لاسيما القاضيات يعانين نوعًا من العزلة داخل المجتمع، بدأت تتلاشى مع مشاركتهن في العمل الجمعوي.
واعتبرت الرئيس أنَّ الجمعية المغربية للمرأة القاضية تتمتع بالاستقلالية عن باقي الجمعيات في الميدان، وأنها لا ترى مانعًا في التعامل معها من أجل النهوض بأوضاع المرأة القاضية.
وعن أهداف الجمعية، التي تعد الأولى في تاريخ القضاء المغربي، ذكرت الناصري لـ"المغرب اليوم"، أنها تهدف إلى تقوية أواصر التضامن والتعاون بين القاضيات المغربيات وتحقيق تمثيلية وازنة للمرأة القاضية في مراكز القرار، وإلى نشر ثقافة المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص في المجال المهني، وخلق فضاء للتضامن ومساندة المرأة القاضية ماديًا ومعنويًا والتنسيق مع الجمعيات المماثلة وطنيًا ودوليًا من أجل الدفاع عن حقوق وكرامة القضاة.
أما مليكة اشكورة فسميت بـ"زهرة القضاء" ومعروفة بين زملائها بالمرأة العادلة الصارمة في أحكامها، رحيمة مع كل من يقف أمامها من المتقاضين، وهي امرأة نجحت في مشوارها المهني، ولكونها أكثر انضباطًا من الرجل، عكست روحًا من النزاهة والحيادية وأعطت لوظيفتها في القضاء حقها من الجهد والمثابرة، كما أعطت صورة إيجابية لمهنتها، ووضعت بصمتها دون البحث عن الشهرة، فأثبتت بكل جدارة كونها إحدى الرائدات المتألقات في مجال العدالة.
وشهد مسارها المهني تحولًا كبيرًا؛ فبعد نهاية داستها في فرنسا وتخصصها في مجال التوثيق، عادت إلى المغرب والتحقت بسلك القضاء، واجتازت مباراة القضاء وتمكنت من الحصول على درجة عالية، ووضعت أمام أعينها حمل مشعل القضاء.
التحقت أولًا بالمحكمة الابتدائية في المحمدية، بعد ذلك تم تعيينها نائبة وكيل الملك في محكمة عين السبع في الدار البيضاء، لتتحمل أصحب مهمة وهي القضاء الاستعجالي في المحكمة المدنية في الدار البيضاء، وهي المهنة التي أسندت للمرأة لكفاءتها وجدارتها في تفعيل النصوص القانونية، إذ نجد 3 قاضيات مقابل قاضٍ واحدٍ في القضاء الاستعجالي.
مع العلم أنَّ هذه الشعبة صعبة تتطلب البت السريع، وتنظم جلساته طيلة أيام الأسبوع حتى أيام العطل.
وانخطرت مبكرًا في العمل الجمعوي؛ إذ التحقت بالودادية الحسنية للقضاة (في اللائحة الوطنية)، وشاركت في ندوات تتعلق بالمرأة، كما أنها أعطت عرضًا قيمًا خلال تكريم النساء القاضيات اللواتي أحلنً إلى التقاعد، من بينهن أول قاضية مغربية تم تعيينها العام 1961، حول موضوع "النوع الاجتماعي" وحاولت من خلاله إبراز مكانة المرأة.
ومن خلال التمثيلية ومشاركتها في أنشطة الولادية الحسنية للقضاء، تم انتخابها قاضية في المكتب المركزي للودادية، بعدما حصلت على 70% على صعيد المملكة المغربية.
اعتبرت شكورة ما حصلت عليه خلال انتخابات الودادية الحسنية للقضاء تكليفًا لأنها ترى أنَّ القاضية المغربية يجب أنَّ تكون في المسؤولية، وأنَّ توصل صوت القضاء إلى المسؤولين.
كما اعتبرت أنَّ المرأة المغربية قادرة على أنَّ تتبوأ بنجاحٍ كرسي القضاء، وأنها لا تختلف عن الرجل القاضي، وأنَّ الأولوية ينبغي أنَّ تكون دومًا للكفاءات ومراعاة عنصر الاستحقاق.