بيروت - غنوة دريان
أوضحت الإحصاءات العالمية أن نسب جرائم النساء رغم تفاوتها بين دول العالم وضآلة نسبتها مقارنة بجرائم الذكور إلا أنها في ازدياد ، حتى في العالم العربي ، حيث أن الحياة في سجون النساء أشبه ما تكون بفيلم غرائبي ، يقدم فيه بعض الجوانب من ظلاله حول أحوال سجون النساء ، وأشهر جرائمهن، وأبرز الأحداث التي تدور خلف القضبان.
وتتنوّع جنسيات السجينات داخل سجون لبنان ، وإلى جانب اللبنانيات، هناك سجينات من كازاخستان، الكاميرون، ساحل العاج، مصر، نيبال، مدغشقر، الصومال، العراق أوكرانيا، فنزويللا، بنغلادش، سريلانكا، فيليبين، إثيوبيا وسورية ومكتومات القيد ، وتتباين التهم الموجهة إليهن بين المخدرات، السرقة، التزوير، الدعارة، التسبب في حريق، الزني ، شيك بلا رصيد، كتم معلومات، الاحتيال، مخالفة قرار قضائي، الاختلاس، حادث سير، القتل، الضرب والتهديد، النزاع مع قوى أمنية والإقامة غير المشروعة.
ونشر مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب ، استنادًا إلى زيارة قام بها مع مجموعة من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين لسجني القبة وبعبدا للنساء بتاريخ 11أبريل/نيسان 2017 ، معطيات إحصائية بالغة الخطورة.
وكشفت المعطيات إنّ في سجن القبة في طرابلس 93 سجينة، 7 لبنانيات و86 أجنبية من جنسيات مختلفة، معظمهن موقوفات من دون محاكمة، وأنه جرت معاينة 17 سجينة يعانين التهابات ونقصًا في الحديد والفيتامينات ، وأن هناك سجينتين تعانيان اضطرابات نفسية وعقلية، ولا آليات لنقل السجينات إلى المحاكم ، مؤكدًا وفاة جنين في رحم أمه من الجنسية الإثيوبية ، بسبب عدم المراقبة الصحية والكشف الطبي الدائم.
أما بالنسبة إلى سجن بعبدا ، الذي هو عبارة عن مستوصف صغير تابع لمستشفى بعبدا الحكومي بني ليستوعب 50 سجينة ، فقد أظهر المركز وجود 93 سجينة، والغرفة تتسع لتسع سجينات، بينما فيها 21 سجينة. ويفتقر السجن إلى الأدوية، ولا توجد فيه عربة مخصصة لفحص السجينات، والمستلزمات الطبية الأولية شبه معدومة، وليس هناك إهتمام بالنساء الحوامل، علمًا بأنه يسمح بالتدخين في أقسام السجن كافة ، في ظل وجود الأطفال الرضّع الذين يسمح لهم بالبقاء مع أمهاتهم لمدة ثلاثة أشهر.
من جهته، حذّر الأمين العام للمركز، محمد صفا، من الواقع السئ الذي يعانيه سجن بعبدا للنساء، ودعا إلى اقفاله وتوفير بديل ضمن المواصفات المعتمدة دوليًا ، لافتًا إلى أن السجينات يعانين تهميشًا وإقصاءً مضاعفًا داخل السجن وخارجه.
وأعلن صفا أن المركز رفع تقريرًا مفصلًا عن أوضاع السجون إلى الدورة العشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، بهدف تسليط الضوء على هذه القضية وتضمينها في التقارير الدورية عن حالة حقوق الإنسان في لبنان.
وواجه السجينات صعوبات كثيرة وكبيرة ، عند خروجهن من وراء القضبان ، فقد كانت خطواتهن المثقلة بالخوف من أدغال الحرية ، كما قالت إحداهن ، تمثل بداية لمعانات جديدة أطرافها الأهل والمجتمع ، وهو أشد قسوة من السجّان والقضبان والذل والحرمان ، كثيرات منهن، وليس في ذلك أدنى مبالغة، يتمنين العودة إلى القواويش أو الزنازين، لأنها أرحم حاليًا من ساحات المجتمع الرحبة المفتوحة على أنواع الاضطهاد والزراية والنبذ والرفض ، فيما تكافح أخريات في محاولة بدء مرحلة حياة جديدة ونظيفة ، رغم الذكريات الموجعة.
عانت مارو كثيرًا ؛ لأن أمها لم تزودها بالحنان والعاطفة اللازمتين بعد وفاة والدها، ولجأت إلى المخدرات لكي تهرب من مشاكلها ووجعها، وأضحت تبذّر الأموال التي تصل إلى يديها على التعاطي ، عندما تم توقيفها للمرة الأولى، كانت في الثامنة عشرة من العمر ، وكان ردّ فعل أمها وإخوتها جنونيًا ، "فتاة تتعاطى المخدرات" لم تزر أم مارو إبنتها الموقوفة في سجن بعبدا طوال تسعة أشهر ، كانت أمها تميّز بينها وبين أخيها؛ لأنه رجّال ، أمها كانت ظالمة "لم أشعر بها يومًا كأم".
ترتجف مارو وتتلعثم حين تخبرنا عن اليوم الذي حرّضت فيه أمها أخاها الأصغر عليها لأنها "بلا مربى" ، بحسب تعبيرها، فغرزها "بالشوكة" على قدمها ، وقال "أنا شب وما عملت عمايلك تغصّ ، هني عملوا فيي العمايل ، لو كانوا مناح معي أنا ما عملت هيك".
لم تنته معاناة إبنة العشرين ربيعًا خلف أسوار بعبدا ، بل استمرت إلى ما بعد إطلاق سراحها، حيث اصطدمت بالكثير من الناس الذين ابتعدوا عني وأنكروني ، لذا فضّلت الانزواء وعدم الاختلاط مع أحد في الخارج.
وأضافت مارو "الحياة داخل السجن جميلة؛ لأن الجميع يتعاطفون معي وراء القضبان اختبرت الحنان الذي افتقدته منذ الطفولة، فأنا لدي عائلة داخل السجن على عكس الخارج".
ودخلت رنا إلى السجن نتيجة تخلي والدها عنها ، ودفعت ثمن خوفه من المجتمع ومن بقائها "عانس" إذا ما انفصلت عن خطيبها الذي كان السبب بتوقيفها وتدمير حياتها.
تتذكّر رنا الحادثة بكثير من الألم "ارتبطنا لمدة 4 أعوام، وفي كل مرة كنت ألاحظ فيها تصرفاته المشبوهة كنت ألجأ إلى والدي الذي كان يجبرني على البقاء معه".
تتفق رنا مع مارو "داخل السجن اللي ما الو حدا الله يعينو ؛ فالسجن شبيه بالمجتمع الخارجي، بفارق بسيط هو القضبان ، في الداخل تتعلمين أن لا تظلمي أحدًا ولا تحكمي على الناس من خلال المظاهر الخدّاعة؛ لأن الزنزانة تعرّينا وتكشفنا على حقيقتنا".
قصة نادين لا تختلف عن الكثير من نظيراتها السجينات، حيث تعرضت عندما كانت في التاسعة من عمرها للتحرش الجنسي من قبل شخص مقرّب من العائلة ، ومنذ ذلك الحين فقدت الطفلة ثقتها في الرجال.
وعندما دخلت الجامعة اختارت دراسة علم النفس ظنًا منها أنها قادرة على معالجة نفسها بنفسها، لكنها لم تنجح بتخطي حاجز الخوف على جسدها من الجنس الآخر ، فلم تتقبّل أن يضع زوجها يده عليها بسهولة.
تروي نادين تفاصيل حياتها داخل السجن بكثير من المرارة، متحدّثةً عن التعذيب النفسي والقهر والحرمان التي عاشتها طوال فترة حكمها ، قائلة "السجن يحرمك الأشخاص الذين ترتاحين لرؤيتهم والحديث معهم ، يحرمك الحرية وتقبيل أمك في عيدها ، السجن علّمني معنى الحرية وكشف الكثير من اللي كانوا أصدقاء".
تتحدث نادين العشرات من أصدقائها قبل دخول السجن، الذين أضحوا اليوم بعد خروجها اثنين فقط ، مضيفة "المجتمع الذي لا يرحم ويجبرك على الكذب ووضع قناع مزيف لكسب محبته وقبوله ، السجن لا يُنسى مهما حاولت التناسي ، في كل مرة تضعين فيها رأسك على مخدتك للنوم تصطادك الذكريات الموجعة والمفرحة في آن واحد".
وتصف الفنانة والمعالجة بالدراما، زينة دكاش، تجربتها داخل السجن بـ"الصعبة والقاسية" ، في بداية عملها داخل سجن بعبدا، عانت دكاش ازدواجية في المشاعر نتيجة اصطدامها بواقع السجينات في الداخل المختلف تمامًا عن الصديقات في الخارج ، في كل مرة كانت تخرج فيها زينة من السجن، حيث يمنع الماكياج والكعب والملابس الجريئة والعطر، كانت تجد صعوبةً في التأقلم مع الصديقات اللواتي كن يتحدّثن دائمًا عن الموضة والتبرّج وملذات الحياة الممنوعة على السجينات لدرجة تجريدهن من أنوثتهن ، النساء داخل السجن، بحسب زينة، تحولن إلى رجال، حملن مسؤولية الدفاع عن أنفسهن، وأدين دورًا لا يشبههن بسبب غياب الرجل الحقيقي عن حياتهن ، الغالبية العظمى من هؤلاء النساء اللواتي أقدمن على قتل أزواجهن، كن ضحايا إما لاغتصاب زوجي أو تحرش جنسي في مرحلة الطفولة، أو زواج مبكر بالإكراه، أو لأن الطلاق محظّر عليها صوناً لشرف العائلة !!".
وتفضّل دكاش التعامل مع السجينات على الأحرار في الخارج لأنهن أصدق، كذلك فإنهن أصبحن أحرارًا بعدما أخذن حقهن بأيديهن ومستعدات للبدء من الصفر لأن ليس لديهن ما يخسرنه ، على عكس النساء في الخارج.
ويعدّ موضوع السجناء المحكومين بالمؤبد الشغل الشاغل لهذه الناشطة اليوم، وخصوصًا في غياب سبل التأهيل والدعم لهن على عكس الدول التي تحترم نفسها.
وتابعت دكاش "السجينات لديهن الكثير من الأشياء ليقلنها وهذا يشكل حافزًا مهمًا لأي أحد يريد أن يعمل عملًا مسرحيًا معهن ، أردت أن أعرف من هن تلك النساء وما هي الظروف الحياتية التي دفعتهن إلى ارتكاب أخطاء فاضحة وبالتالي، أن أدفع تلك النساء للتصالح مع ذواتهن من ناحية ومع المجتمع من ناحية أخرى، ووجدت أن العمل الفني سيكون خير نتيجة للعلاج بالدراما، حيث من شأنه أن يخفف من المشكلات النفسية التي يعانين منها وللتخفيف من حدتها".