الجزائر ـ سميرة عوام
طالبت النقابات الناشطة في القطاع التربوي في الجزائر، بوضع حد لظاهرة انتشار الأسلحة البيضاء والخناجر في المؤسسات التعليمية، وذلك على خلفية المناوشات العنيفة التي تحدث بين التلميذ والمعلم، حتى المراقبين أصبحوا أكثر عرضةً للاعتداء من قِبل الطلبة وتلاميذ المدارس.
ودعت النقابات إلى ضرورة معالجة مثل هذه التجاوزات الخطرة، والتي من شأنها التأثير في سلوك التلميذ، حيث تحوّله إلى شخص عنيف بامتياز.
وأكد أحد ممثلي أولياء التلاميذ السيد خلوفي يزيد، أن العنف المدرسي تحول إلى مشكلة زادت من مستوى التوتر بين التلميذ في المدرسة ومُعلّمه، والذي يراه عدوه الأول لأسباب لا تزال مجهولة، نظرًا إلى نقص الدراسات والإحصاءات التي تُحدد مدى خطورة الوضع، لأن الأرقام تبقى المصدر الوحيد الذي بإمكانه أن يعطي للمختصين المعطيات الحقيقية لإنشاء دراسة خاصة لمتابعة الوضع في المدارس.
وقد قدّم قسم علم الاجتماع في جامعة باجي مختار في مدينة عنابة الواقعة شرق الجزائر، دراسة مُفصّلة بالأرقام عن وضع العنف المدرسي، حيث يُشكّل 45 في المائة بعد أن كان خلال العام 2011 لا يتجاوز 25 في المائة، وهذا التزايد مرتبط بتنامي معدل الاعتداءات والمناوشات المسجلة في مختلف المؤسسات التربوية.
وأشارت الدراسة إلى أن العنف المدرسي يتصدر المرتبة الأولى في الجزائر، يليه العنف العائلي المرتبة الثانية بنسبة 30 في المائة، فيما يحتل المرتبة الثالثة عنف الشوارع ب 17 في المائة.
وجاء هذا الترتيب، بعد سلسلة الاعتداءات الخطرة التي سُجِّلت في عدد من المؤسسات التربوية في العاصمة الجزائر وعنابة وقسنطينة وحتى وهران، حيث أكدت الدراسة، أن العنف المدرسي قد أخذ منحنى خطرًا بعد أن أصبح الأساتذة والمعلمين والمراقبون أكثر عرضة لمختلف أشكال العنف، ورغم انفجار الوضع في مدارس الجزائر إلا أن الفاعلين في القطاع التربوي أهملوا درس القضية، حيث لم يحظ ملف العنف المدرسي باهتمامهم، خصوصًا من ناحية التشخيص والبحث عن الأسباب الرئيسة لتنامي الظاهرة، والأخطر من هذا أن المؤسسات التربوية لا تتوافر على هيئة رسمية تتكفل بتشريح ملف العنف مع تقديم أرقام دقيقة تساعد على مناقشة القضية.
وأوضحت دراسة جامعة جامعة باجي مختار، أن العقاب البدني والعنف كالضرب و الشتم داخل الأسرة، قد ألحق أضرارًا جسيمة بالتلاميذ، ومن ثم تحويلهم إلى أشخاص عنيفين يعتدون على المعلمين داخل المؤسسات التربوية، وأن ما يزيد من تفاقم الأوضاع هو أن نسبة 20 في المائة من أولياء التلاميذ، لا يقتنعون بما يقوم به أبناؤهم، بل هناك من الآباء من يستعمل العنف مع المُدرّس لدرجة التعدي عليه بالضرب، أو رفع دعوة قضائية ضده، وذلك لحماية ابنه من العقاب، أما عن ضحايا العنف اللفظي و التهديد هم في غالبهم من الموظفين، والذين يتعرضون إلى الضرب والجرح العمدي، وهذا ما حدث أخيرًا في إحدى المدارس الابتدائية في بوخضرة في مدينة عنابة، حيث تعرضت مراقبة للإجهاض بعد تعرضها لضرب من طرف تلميذ في المرحلة المتوسطة .
وكشف المختصّون في علم الاجتماع في الجزائر، أن أسباب العنف المدرسي مرتبط بالفشل في الدراسة، إلى جانب إقدام بعض التلاميذ على الأخذ بالثأر والانتقام من المعلمين بعد طردهم من القسم إلى الشارع، إلى جانب الطلاق والحرمان العائلي و الفقر والبؤس الاجتماعي، وأن هذه العوامل كافية لخلق العنف المدرسي وتطوره إلى مستويات أخرى، مثل أن يتعرض الأستاذ للسب والشتم والتجريح أو الكتابة على الجدران والمضايقات، وقد يصل العنف إلى درجة إقدام التلميذ على تحطيم ممتلكات الأستاذ مثل تخريب سيارته أو إتلاف تجهيزاته الدراسية كافة، مثل تكسير الكراسي و الطاولات، وهذا ما حدث أخيرًا في ثانوية عمار العسكري في إحدى المؤسسات التربوية في الجزائر، حيث خرج التلاميذ بعد دخولهم في مناوشات مع أستاذهم في القسم إلى حرق الستائر وتحطيم الكراسي وذلك للانتقام من مدير المدرسة.
واقترح خبراء علم الاجتماع، الإسراع في تهدئة الوضع وامتصاص غضب تلاميذ المدارس، عبر تنصيب خلية إصغاء في كل مؤسسة تربوية، من أجل فتح حوار بين التلميذ ومعلمه، وكذلك بناء جسر تواصل بين المراقبين والمساعدين التربويين والتلميذ، حتى يتم تقليص مستوى العنف المدرسي، والذي من شأنه التأثير على التحصيل الدراسي، ورفع نسبة الرسوب، وهذا لا يخدم المنظومة التربوية في الجزائر.