الرئيسية » تحقيقات وأخبار
المدرسة العِلمية

الرباط - المغرب اليوم

قصة صرح علمي مغربي يفوق عمره 1000 سنة، وكان له أثره في بناء الدولة المغربية في صيغتها المرابطية، وأثره في الغرب الإسلامي، يحكيها كتاب لـ جامع بنيدير، معنون بـ”المدرسة العِلمية الوَڭاڭية بأڭلو”، صادر عن منشورات مركز أڭلو للبحث والتوثيق.

ونظرا لأثر المدرسة منذ عهودها الأولى، يخلص الكتاب إلى أن “المنظور العام للمشهد الديني ما كان ليكون على ما هو عليه، ماضيا وحاضرا، أي أشعريا مالكيا، لولا وڭاڭ ورباطه ومدرسته، وذلك ليس في سوس والصحراء، منشأ الدولة المرابطية فحسب، ولكن في المغرب كله، وربما الغرب الإسلامي كله بما هو مجال نفوذ هذه الدولة”.

ولا يقتصر الباحث بنيدير على توثيق وتركيب تاريخ هذه المدرسة وحاضرها، وموقعها، ومراحلها، وأعلامها الأُوَل والمعاصرين، بل يتوقف أيضا عند ما تعانيه من تفريط في تاريخها وبناياتها وكنوزها الإنسانية والمخطوطة ورسالتها؛ كما يقدم جوانب من هوية مؤسسها الشيخ وڭاڭ، ومراحل حياته التعلمية وشيوخه، ومراحل عطائه، وملابسات تأسيس هذا الرباط المدرسة.

ويسجل الكتاب، من بين ما يسجله، أن المحطة الرئيسية في الرحلة العلمية للطالب وڭاڭ كانت القيروان، التي كان أبرز شيوخه بها أبو عمران الفاسي، الذي بعث إلى تلميذه بعدما أسس رباطه كتابا مع يحيى بن إبراهيم الـ ڭدالي، ملتمسا منه أن يبعث معه من تلامذته من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم ممن يثق بدينه وفقهه؛ فكان عبد الله بن ياسين هو هذا التلميذ، “وكان من ذلك لاحقا ما كان من تأسيس إحدى كبريات الدول التي عرفها تاريخ الغرب الإسلامي.”

ويصف المؤلف رباط وڭاڭ بأنه “مركز تربوي، أو مؤسسة تكوينية ذات وظائف تشمل إلى جانب التعليم والتلقين، مهام الإرشاد والتوجيه الدينيين، وكذا المرابطة والجهاد الفكري، مع ما يقترن بذلك من ممارسات تعبدية وأنماط سلوك صوفية”.

كما ينبه الكتاب إلى أن هذا الفضاء كان “أول مؤسسة تربوية وتكوينية هادفة، ليس في بادية سوس فحسب، ولكن في بادية المغرب كلها”، ويورد نصوصا تاريخية تصف مهامها الأساسية بـ”التعبد والتدريس والدعوة إلى الخير”.

لكن، رغم تاريخ هذا الفضاء لا يعرف الباحثون شيئا عن الكتب والمؤلفات التي كانت معتمَدة في التلقين، باستثناء المصادر المرجعية، من قرآن وكتب حديث ومصادر المذهب المالكي في الشريعة، والأشعري في العقيدة.

وإذا كان الإشعاع العلمي للرباط قويا في مرحلته الأولى، ووصل سطوعه إلى القيروان بتونس “في زمن كان التواصل بطيئا جدا”، إلا أنه في مرحلة لاحقة ساد صمت المصادر حول المدرسة منذ أواسط القرن الخامس الهجري، ثم جاءت مرحلة ثالثة في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، حيث “عاد اسم المدرسة، وكذا اسم البلدة في ارتباط بها، إلى التردد، معلنا عن استمرار حضورها أو عن عودتها إلى الحضور”.وحول خزانة كتب المدرسة، رجح الباحث أن “هذه المؤسسة رغم عراقتها لم تكن تحتضن خزانة لإيواء وحفظ ما يحبّس عليها من كتب مخطوطة كانت أم مطبوعة”، ثم يسترسل: “وهي مازالت كذلك إذا تمعنا في واقعها اليوم، وترتد الأسباب التي تضافرت على ذلك في تقديرنا إلى الذين توالوا من آل القرية على تدبير الشؤون التنظيمية العامة للمدرسة، فهم في الغالب من عوام القوم كما تفيد ذلك عقود الشيخ وڭاڭ (…) ويفتقرون بذلك إلى ثقافة التعامل مع الكتاب وإلى الوعي بقيمته وأهميته، فكان من ذلك ضياع الكثير من كتب المدرسة في تنقلاتها من بيت هذا المؤتمن عليها إلى بيت ذاك، ومن يد الفقيه السابق إلى يد اللاحق”.

كما ذكر الباحث في موقع آخر من الكتاب أن “الجهل بالأحرى هو الذي ينتج التفريط، وذلك في ما يبدو هو حال معظم من توالى على مدرسة أڭلو ممن له صلة بتدبير مختلف شؤونها من أئمة ومقدمين ومتعلمي البلدة وأعيانها”، وزاد: “يمكن أن نضيف، دونما قصد الإساءة إلى أي من هؤلاء، أن هذا التفريط مازال ماثلا هنا أيضا إلى اليوم”.

ومن بين ما ينتقده الكتاب التدخل الثاني سنة 1983 لتوسيع قاعة الصلاة، حين “امتدت الفؤوس إلى مآثر تاريخية مفعمة بالدلالات، منها صومعة المسجد المأسوف عليها، فمحتها من الواقع إلى الأبد؛ فكأن الفؤوس، بما هي فؤوس، هي وحدها التي تتصرف، وليس وراءها أدمغة آدمية مفكرة”.

لكن هذه الإصلاحات، بجيدها وسيئها، لم تكن الوحيدة التي تسببت في “اندثار الملامح”، بل سبق للمختار السوسي في “خلال جزولة” أن كتب: “ليت شعري أين مكان الرابطة التي بناها الشيخ وڭاڭ هنا؟ ثم سألت: هل بقي مكان ينسب إلى الشيخ؟ (…) وهكذا ذهب الشيخ وڭاڭ، وذهبت كل آثاره، وكلما سألت عن أي أثر من آثاره لا أجاب إلا بالنفي”.

ورغم هذه الإشارات، لا يفتأ الكتاب يوثقُ تاريخ هذه المعلمة ونفَسها وامتداد أثرها، ومن بين ما يورده دليلا على إشعاع ماض، وعلى تجدد التاريخ وإشاراته، رسالة تعود إلى سنة 1914، وقعها التهامي بن أحمد بن أبي بكر، الذي كان من شيوخ الطريقة الصوفية الناصرية بمراكش، ووجهها إلى أحد علماء المدرسة محمد بن محمد بن أحمد من آل احساين.

وتقول الرسالة من بين ما تقوله: “(…) ثم ننهي لعلمكم أننا كنا كتبنا لأخينا سيدي عبد السلام وهو إذ ذاك بطرفكم بالبحث لنا على طالب علم من نبلاء عرب الصحراء وعلمائهم، شناڭطة وغيرهم، وكتب لنا أنه أوصى سيادتكم بالبحث عليه، حيث إن بلدكم الميمونة هي بوغاز الصحراء، ولما أبطأ عنا الخبر حررناه لكم تأكيدا، والفضل من سيادتكم وجميلكم معنا أن توجهوا لنا هذا الطالب كما وصفناه، بحيث يكون ذو (هكذا) دراية، له المشاركة في كل الفنون فقها ونحوا ولغة وحسابا وأدبا وعروضا، وغير ذلك معقولا ومنقولا، مقصودنا رفقته والقراءة عليه والانتفاع به، وعلينا في نظير ذلك أن نؤثره على أنفسنا، ونبالغ في إكرامه، ولا يرى منا إلا فوق ما يظن (…)”.

ويعلق جامع بنيدير على ما أورده قائلا: “إنها إذن رسالة تكاد تكون، أو هي فعلا إعادة لملابسات الرسالة التي حملها يحيى بن إبراهيم الڭدالي من أبي عمران من القيروان إلى وڭاڭ منذ أكثر من تسعة قرون، إذ إن مقاصد كل منهما هي ذاتها، وهي البحث عن فقيه أو عالم قصد الإرشاد والانتفاع بعلمه، مع اختلاف في الظروف والسياق، وكذا في الأشخاص والمواقع والأدوار، لكنهما لا تختلفان في الإشهاد على المكانة العلمية لبلدة أڭلو، بما هي بوغاز الصحراء، وذلك بوجود مدرسة وڭاڭ في كنفها”.

قد يهمك ايضاً

“المختار جازوليت” بالرباط تفُوز بلقب المدرسة المتميزة ضمن مسابقة تحدي القراءة العربي في دبي

قتل عائلته بسبب حرمانه من الهاتف والتلفاز لدرجاته فى المدرسة الحكم 6 سنوات على مراهق أسبانى

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

تعليق مؤقت للدراسة في ألمانيا بسبب رسائل تهديد مرتبطة…
أكثر من 600 ألف طالب يُحرَمون من التعليم في…
بنموسى يحث على تشجيع الطلاب على ممارسة رياضة الغولف…
أطفال غزة بلا مدارس مع بدء العام الدراسي الجديد…
وزارة التعليم العالي في المغرب تكشف نسب متدنية للمشاركة…

اخر الاخبار

الأردن يؤكد ضرورة دعم سوريا بدون تدخلات خارجية ويدين…
حزب التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة المغربية بالكشف عن مَبالغُ…
إشادة فلسطينية بالدعم المغربي المستمر لصمود الشعب الفلسطيني وثباته
الملك محمد السادس يُؤكد على عمق العلاقات الأخوية بين…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…
منى زكي تؤكد أنها تتأنى دائما في اختياراتها لأعمالها…

أخبار النجوم

الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني
تامر حسني يشوق جمهوره لدويتو مع رامي صبري
أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
أحمد السقا يكشف عن مفاجأة حول ترشحه لبطولة فيلم…

رياضة

المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024
نجم منتخب البرازيل وريال مدريد فينيسيوس جونيور يفوز بجائزة…
ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح
يوسف النصيري يواصل تألقه رفقة فريقه فنربخشة في الدوري…

صحة وتغذية

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة

الأخبار الأكثر قراءة

الهوس بالتنوع والإندماج و المساواة يدّمر الجامعات البريطانية
سبعمائة ألف طفل لبناني لم يتمكنوا من بدء العام…