واشنطن - سليم كرم
ضجّت وسائل الإعلام العالميّة بأخبار الغربيّين الذين تركوا دولهم الآمنة والمزدهرة للانضمام إلى صفوف تنظيم "داعش"، عازية هذه التصرّفات إلى تفسيرات نفسيّة واجتماعيّة مختلفة.
لكنْ على رغم أنّ هذه الظاهرة طفت على سطح الأخبار اليوميّة في الغرب، إلّا أنّ ظاهرة مضادّة بدأت تسود أخبار هذا الاعلام، خصوصاً منذ مطلع هذه السنة، وتجسّدت في اندفاع شبّان غربيّين للتوجّه إلى العراق وسورية هذه المرّة لقتال التنظيم، لا للقتال إلى جانبه.
ففي الولايات المتحدة مثلاً، ينضمّ عسكريّون متقاعدون إلى المقاتلين الاكراد والتنظيمات المسيحيّة لقتال "داعش" ومن المنضمّين أيضاً أشخاص لا يملكون الخبرة العسكريّة اللازمة. لكنّ بعض الخصائص والمميّزات المشتركة طبعت الذين تقاطروا إلى ساحة المعركة.
وكشفت مصادر أنّ معظم هؤلاء تترواح أعمارهم بين العشرين والثلاثين من العمر وأنّهم انتسبوا في وقت سابق إلى قوّات مشاة البحريّة الأميركيّة المعروفة بـ"المارينز". كما أنّ أكثر من نصفهم تحصّل على إجازة جامعيّة أو على الأقل حضر صفوفاً جامعيّة.
وبيّنت تقارير أنّ الايمان المسيحي والتعاطف مع الضحايا المسيحيّين بالاضافة إلى وحشيّة "داعش" والحنين إلى رفاق السلاح، هي من بين الأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى وحول الحرب الطاحنة. وحتى أنّ التخلّص من الملل قد يكون هو الآخر من بين الدوافع للانخراط في هكذا رحلات جنونيّة.
بريت فيلتون كان جنديّاً أميركيّاً كاثوليكيّاً من ميتشيغن أصيب في العراق سنة 2007 وعاد إلى الحياة المدنيّة حيث تخصّص في دراسات الشرق الأدنى في جامعة "واين ستايت" ليتابعها لاحقاً في الجامعة الاميركيّة في بيروت حيث صبّ اهتماماته على دراسة مواضيع تتعلّق بالعصور المسيحيّة الأولى، والجهاد، والحضارة العربيّة وغيرها. ومنذ سنةٍ تقريباً غادر الجامعة للانضمام إلى منظّمة "دْويخ نَوشا" الآشوريّة لمساعدتها في قتال "داعش". وأوضح مقارناً وضعه القتالي الحالي بذلك الذي واجهه سابقاً، "أنا أقاتل من أجل شعبٍ وإيمانٍ، والعدو الآن أكبر وأكثر وحشيّة". ولفت إلى أنه يسخّر خبرته وقدراته القتاليّة من أجل "إخوته".
بينما نيلسون آر، من تكساس التي تضمّ النسبة الأعلى من المقاتلين الأميركيّين ضدّ "داعش"، يبدي امتعاضه الشديد من تقصير الإدارة الأميركية في معالجة الملف بشكل حاسم. باتريك ماكسويل أكّد أنّه أراد الدخول إلى تلك البلاد وقتل أكبر عدد ممكن من الأشرار لأنّ هذا الأمر سيكون حسناً.
وما حصل في سنجار السنة المنصرمة من إعدامات جماعيّة وانتهاك حقوق الجماعة والاستعباد الجنسي كان أيضاً سبباً مهمّاً لدى باركر من أجل الانضمام إلى وحدات حماية الشعب الكرديّ.
وكشفت التقارير أنّ الأميركيّين ينضمّون فقط إلى التنظيمات الكرديّة والآشورية دون "وجود أثر مؤكّد لأميركيين في صفوف الميليشيات الشيعيّة".
وجوردان ماتسون العسكري الأميركي المتقاعد كان من بين الذين سهّلوا دخول مقاتلين آخرين إلى سورية، البلد الذي وصل إليه أواخر سنة 2014 ، وكان طلب من جميع الغربيين القادرين على ذلك أن يأتوا لمحاربة التنظيم. وأوضح أنه تلقّى طلبات من غرب أوروبا وشرقها بالاضافة
إلى كندا وأميركا.
كيث برومفيلد أميركي قُتل في سورية حيث كان يحارب إلى جانب وحدات حماية الشعب الكرديّة وهو كان من بين غير المدرّبين عسكريّاً للقتال هناك. وتنقل والدته قول ابنها إنه كان ينفّذ
مشيئة الله في الذهاب إلى سورية. أمّا شقيقته فكتبت رسالته على "فيسبوك" التي جاء فيها، "سأفعل ما يجب عليّ فعله. أحياناً عليك أن تكون رجلاً، إذا أردت ذلك أم لا. لا أتوقّع من أحد أن يفهمني، لكنّي في الوقت ذاته، لا أحتاج إلى ذلك أيضاً".
وحصدت القوّات البشمركيّة ثاني أكبر عدد من المنضمّين الأميركيّين إلى صفوفها. لكنّها ألزمتهم بالتقيّد بتدريباتها وأنظمتها الخاصّة. إلّا أنّ الوضع تغيّر خلف الكواليس، إذ يبدو أنّ الإدارة الأميركيّة ضغطت على تلك المنظّمة للتوقّف عن استقبال المواطنين، ويعتبر مراقبون أنّ
نظرة الإدارة إلى الأميركيّين الذين يقاتلون ضدّ "داعش" غير واضحة بعد.
كوستاندينوس سكورفيلد، المقاتل السابق في البحريّة الملكيّة البريطانيّة الذي انضمّ في كانون الأول/ ديسمبر إلى الوحدات ذاتها، قتل بعد حوالي ثلاثة أشهر على التحاقه بها. واعتبر صحافيون أنّ "داعش" تجذب المحاربين الغربيّين القدامى، لكنّها أيضاً تشير إلى صعوبة
يعاني منها الجنود في التأقلم مع الحياة المدنيّة بعد انتهاء خدمتهم، لكون هذه الحياة بعيدة عن حسّ المغامرة. لذلك يلجأ هؤلاء إلى الانخراط في تلك الحروب لتحقيق الهدفين معاً.
وأكّد إنكليزيّ انضمّ سابقاً إلى التنظيم ثمّ غادره ليفضح أعماله المتشددة عبر الإعلام، أنّ "داعش" يعامل المسلمين من غير العرب بدونيّة واضحة. وفي المقابل، يُلاحَظ من خلال وسائل إعلاميّة عدّة أنّ وحدات حماية الشعب تكرّم مقاتليها الأجانب تكريماً لافتاً حتى بعد موتهم.