الرباط - المغرب اليوم
أبدى محمد كمال مهدي، نقيب هيئة المحامين بتطوان، اختلافه مع النقباء والمحامين الذين رفضوا إعمال آلية المحاكمة عن بُعد، التي شُرع العمل بها ابتداء من يوم الخميس الماضي، بداعي مخالفتها لأحكام قانون المسطرة الجنائية.واعتبر النقيب كمال مهدي، أن إعمال آلية المحاكمة عن بعد فرضه الظرف الاستثنائي الذي يمر منه المغرب على غرار باقي بلدان العالم، إذ صارت حياة الناس مهددة بسبب انتشار جائحة فيروس "كورونا" المستجد، "وإن استنبط ما يخالف بعضا من القانون".
ونوه النقيب بحرص المحامين على إعمال القانون فيما يتعلق بحقوق الدفاع، لكنه نبه إلى أنهم تغاضوا عن استحضار الحالة الوبائية العامة السائدة في المملكة، والتي استوجبت إعلان حالة طوارئ صحية لا زالت سارية إلى 20 ماي المقبل، مبرزا أن الحالة الوبائية السائدة تتيح إمكانية اتخاذ كل القرارات الهادفة إلى حماية الصحة العامة.
إليكم نص المقال:
من أجـل حـمايـة الحـق في الحيـاة
إن حالة الطوارئ الصحية السائدة في بلادنا لم تكن اختيارا مؤسساتيا، أو اختيار دولة لتقييد الحريات، وتعليق آثار القانون ونفاذه، وإنما كانت ضرورة موضوعية حياتية، لمواجهة وباء فيروس يهدد أحد أهم مقومات الدولة، وهو الشعب. وإذ نحن في زمن موبوء يتهدد الإنسان المغربي في وجوده، فيفرض علينا كشعب ومؤسسات دستورية، أن نترك جانبا كل القضايا الخلافية العالقة بيننا، بحكم ضرورات التجاذب السياسي ذي البعد التاريخي، والذي يعتمل داخل كل الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها ودرجات ديمقراطيتها في العالم، وأن نوجه إراداتنا الموحدة للتصدي لعدو واحد يستهدفنا جميعا ويستهدف حيواتنا، بمحاصرته وتحجيم قدرته على الانتشار فوق تراب وطننا والفتك بنا. إنها الحرب فعلا، لكن العدو فيها خفي لا يبارزنا وجها لوجه، إنما يتصيدنا أفرادا وجماعات، دون أن نملك في مواجهته سلاحا، غير سلاح الانضباط الجماعي تحت سقف قرارات السلطة العامة، حتى نتمكن من ضمان الاستمرار على نهج التحكم في سرعة انتشار الوباء ومحاصرته باعتماد السلاح الوحيد والفعال، وهو الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.
فنحن إذن نعيش زمنا مغربيا، بل وعالميا استثنائيا، بما يقتضي من الأفراد والمؤسسات تدبير هذا الزمن بقرارات استثنائية كذلك. وهي قرارات بطبيعتها تلك، تنتج آثارا على سير المؤسسات والمرافق والمرتفقين على السواء، بنقلها من الوضع العادي إلى وضع استثنائي اقتضته الحالة العامة والمحنة التي تجتازها البلاد. ومن هنا تستمد بعض القرارات الحكومية، وإن استنبطت ما يخالف بعضا من القانون، مشروعيتها ومشروعية آثارها، ومن ضمنها القرار لذي اتخذته وزارة العدل، القاضي باعتماد آليات المحاكمات عن بعد لتصريف قضايا المعتقلين احتياطيا على ذمة قضايا جنحية أو جنائية، مستحضرة في ذلك ما تحمله المحاكمات الحضورية من مخاطر على المتهمين والمهنيين الفاعلين في فضاءات المحاكم.
وعلى غرار العديد من القرارات التي علقت العمل بالمواعيد النظامية، العديد من القطاعات، ومنها قرارات استهدفت حتى النشاط الديني للمواطنات والمواطنين، وقضت بإغلاق المساجد وتعليق صلاة الجماعة والجمعة فيها، لما تحمله ممارسة هذه الفروض الدينية الثابتة في معتقد المغاربة ووجدانهم من مخاطر نقل العدوى، والزيادة في منسوب سرعة انتشار الفيروس بفعل الاختلاط الدائم والمنتظم. على غرار ذلك وعلى نفس نهج محاصرة الوباء، جاء قرار تنظيم محاكمات زجرية عن بعد، ليستعاض بها عن إحضار المتهمين أمام هيئات الحكم، بعد نقلهم من المؤسسات السجنية إلى مقرات المحاكم، بسبب ما يحف هذه العملية اليومية والمنتظمة من مخاطر كبرى ممثلة الاحتمالات الواقعية الشديدة لنقل العدوى، ولا تقل خطورة عن كل مظاهر الاختلاط الأخرى الموقوفة، وما يُصَدِّقُ هذا القول هو البؤرة الوبائية التي نشأت في سجن ورزازات، وما فتئت تتفاقم وتتزايد، ومنها وجب علينا استخلاص العبر، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بضمان عدم تكرارها في سجون ومدن أخرى، والمرشحة فعلا لذلك (طنجة 5 حالات- سلا 2 حالات)، وهو ما ينذر إذ نحن لم نوقف عملية نقل السجناء بتفشي هذا الوباء بشكل مريع داخل المؤسسات السجنية المغربية، وهو ما يهدد حتما صحة وحياة نزلائها.
وتبعا لذلك، أستسمح بعضا من السادة النقباء والزميلات والزملاء في أن أخالفهم الرأي في رفضهم لإعمال هذه الآلية بعلة مخالفتها لأحكام قانون المسطرة الجنائية ولمعايير المحاكمة العادلة، وإذ أقدر كبير التقدير حرصهم على إعمال القانون فيما تعلق منه بحقوق الدفاع، فإنني أرى أنهم تغاضوا عن استحضار الحالة الوبائية العامة السائدة في المملكة، التي استوجبت إعلان حالة طوارئ صحية (مازالت مستمرة من 20 مارس الماضي وإلى غاية 20 ماي المقبل)، وهذه الأخيرة تتيح إمكانية اتخاذ كل القرارات الهادفة إلى حماية الصحة العامة، باعتبارها من مشمولات النظام العام المغربي، ووقف العمل مؤقتا بعض أحكام القانون لصالح هذا الهدف الوطني الاستراتيجي العام، علما أن كل حالة طوارئ تحمل معها وفي زمن نفاذها، قرارات تحدث تغييرات صادمة أحيانا في أوضاع الناس، فضلا عن تغييرات قد تستهدف السير العادي للمرافق والمؤسسات العامة والخاصة، ولا يُستساغ أن تُسْتَثْنَى من تلكم الآثار المحاكم والمؤسسات السجنية، بما يفرض اتخاذ كل التدابير المنسجمة مع أحكام الطوارئ، حماية لساكنة السجون ولجميع مكونات العدالة والعملية القضائية، ولاسيما في شقها المتعلق بتدبير المحاكمات في الدعوى العمومية داخل فضاءات المحاكم، لما في ذلكم من تهديد أكيد ومشهود للحق في الحياة، والحق في الحياة أولى بالحماية من الحق في الحضور أمام المحكمة، وهو يَجُبُّ غيره من الحقوق في زمننا الراهن.
قد يهمك ايضا
"إدارة السجون" تتكفل بمصاريف تمدرس أبناء النزيلات المرفقات بأبنائهن
التوقيع على مذكرة تفاهم لتشغيل السجناء في المؤسسات السجنية المغربية