واشنطن - المغرب اليوم
تدفع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) و«ماكلارين العلم والتكنولوجيا» الأبحاث إلى حدود جديدة، فمن خلال اتفاقية بحث وتطوير مدتها خمس سنوات، تم توقيعها في 2018، تهدف تلك الشراكة إلى تعزيز الابتكار في نماذج الاحتراق وتصميم الوقود لتحسين أداء سيارات سباق «فورمولا 1»، إلى جانب تحقيق تطورات أوسع في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ومن خلال التركيز على تكنولوجيا الأداء الفائق، ستساعد هذه الشراكة في جعل سيارات «ماكلارين» تسير بشكل أسرع مع توفير الوقود بشكل أكبر. ويتطلب النجاح في تلك السباقات ابتكاراً مستمراً، ولتحسين أداء سيارات السباق، تهتم الفرق المشاركة بمعالجة البيانات الضخمة، ونظريات اللعبة، والإحصاءات، والتعلم الآلي.
مجالات البحث
تركز الشراكة على تطوير البحث في خمسة مجالات رئيسية: ديناميات السوائل الحسابية، التعلم الآلي، الوقود ومواد التشحيم، الرياضيات المتقدمة، أجهزة الاستشعار والإلكترونيات.
ويعد تحسين تصميم سيارات السباق الفاخرة أحد التطبيقات المثيرة لديناميكا الموائع الحاسوبية، حسبما يرى الأستاذ المساعد في قسم الرياضيات التطبيقية وعلم الحاسوب في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، الدكتور ماتيو بارساني، الذي يعمل على إدماج يجلب خوارزميات الجيل التالي إلى عالم الواقع عبر شراكة مع فريق «مكلارين» لسباقات السيارات.
وستعمل هذه الشراكة على تطوير تقنيات جديدة لتعزيز فريق «الفورمولا 1» على المدى القصير، غير أن المَرْكبات التقليدية، كالسيارات التي تجوب الطرق والخطوط الجوية التجارية، ستستفيد هي الأخرى من هذه التقنيات.
ويُطبق بارساني خبرته الحوسبية والرقمية لأجل مساعدة الفريق الذي يخوض سباق «الفورمولا 1» على تحسين التصميم الديناميكي الهوائي لسياراته، حيث يركز على تطوير خوارزميات مبتكرة وقوية ودقيقة وعالية المستوى لنمذجة تدفق الموائع (السوائل والغازات)، حول الأجسام لتشغيلها في هياكل الجيليْن الحالي والتالي للحواسيب الفائقة. ويقول بارساني: «إننا نوسع حدود أبحاثنا عن طريق تطبيق خوارزمياتنا على شيء متقدم كسيارة فريق (فورمولا 1)».
ومع الوضع في الاعتبار أن ما يفصل سيارات سباق «فورمولا 1» عن منافساتها هي محض كسور من الثانية في كل دورة، فإن كل تفصيلة صغيرة لها أهمية بالغة متى تعلق الأمر بالبحث عن ميزة أدائية.
ويفسر جوناثان نيل، مدير عمليات مجموعة «مكلارين»، الأمر قائلاً: «إنه وللفوز بسباق (فورمولا 1) عليك أن تكون بارعاً في كل شيء».
ويُعد سباق «فورمولا 1» ساحة لاختبار مجالات متنوعة كتصميم الوقود، وعلم المواد المُركبة، وميكانيكا الموائع، وتصميم أجهزة الاستشعار. ويقول نيل: «يستحيل علينا أن نضاهي عمق المعرفة الموجودة في بعض هذه المجالات. والفِرَق والبطولات العظيمة تعتمد على الشراكات العظيمة».
ويضيف: «سيارة (فورمولا 1) التي تنحرف عند منعطف تنطلق في الهواء المنحني فعلياً، وهذا أمر يستحيل إنجازه في نفق هوائي، ومن الصعب جداً إنجازه في ديناميكا الموائع الحسابية».
هنا تتجلى خبرة بارساني في التحليل الرقمي وديناميكا الموائع الحسابية. والهدف هو إتاحة عمليات محاكاة ديناميكية هوائية أدق تمثل الظواهر الفيزيائية تمثيلاً أفضل باستغلال قدرات الجيليْن الحالي والتالي من الحواسيب الفائقة.
القوة والسرعة
يتلخص جوهر مشروع بارساني في خلق «شبكة» مفاهيمية، ثم استخدام خوارزميات قوية وعالية المستوى وشديدة الفاعلية للمساعدة على توصيف تدفق الهواء حول جسم ما.
ويقول بارساني: «إن تطوير شبكة لشكل بالغ التعقيد بمثابة تحدٍ حقيقي». وبعد ذلك، هناك الخوارزمية المستقرة بشكل غير خطي التي يتعين تصميمها وتنفيذها بطريقة حوسبية عالية الأداء، وهو ما كان أمراً شديد الصعوبة حتى فترة قريبة؛ إذ كان الباحثون يبادرون بتكييف وتعديل خوارزميات مستقرة خطياً وعالية المستوى. غير أن الحسابات التي تتماشى مع هذه الخوارزميات المُعاد تعيين غرضها هشة؛ فمن الممكن أن «تنفجر» وتخفق في إعطائنا إجابة محددة. ويرى بارساني أنه نتيجة لذلك لم تتبن الصناعة قط تلك الخوارزميات.
ويقود بارساني واحداً من الفرق القليلة من نوعها حول العالم المعنية بابتكار خوارزميات قوية عالية المستوى خصيصاً لحل المعادلات التفاضلية الجزئية غير الخطية. ويقول: «تسعى الصناعة إلى أن تكون تلك الخوارزميات قوية وسريعة. ونحن نخطو خطى مهمة بسرعة نحو تحقيق عنصر القوة، وننفذ هذه الخوارزميات الجديدة القابلة للتكيف في إطار حوسبي عالي الأداء يعمل ببراعة على بعض أضخم الحواسيب الفائقة في العالم، بما في ذلك الحاسوب الفائق (شاهين XC40) التابع لـ(كاوست)».
وسيقوم بارساني وفريق عمله بحل العديد من مشكلات الديناميكا الهوائية الاختبارية لضمان دقة الشفرة قبل استخدامها للمساعدة مستقبلاً في أي عملية إعادة تصميم للسيارة. ويقول: «هذا هو مستوى المنافسة في سباق (فورمولا 1)، حيث السعي من أجل مكاسب الأداء لا هوادة فيه».
من جهته يقول جوناثان نيل، مدير العمليات بشركة «ماكلارين»، «فور أن ننتهي من بناء سيارة، نكتشف أنها أمست عتيقة؛ لأن فريق البحث والتطوير يكون قد مضى قدماً وجاء بالجديد».
جدير بالذكر أن هذا التعاون يوفر فرصة لاختبار العالم الحقيقي لعدد من ابتكارات «كاوست»، بما في ذلك نمذجة الاحتراق وتصميم الوقود، ويساعد فريق سباق «فورمولا 1» في «مكلارين» في التفوق، وكذلك في جلب فوائد تكنولوجية قابلة للتطوير للصناعة العالمية. ومن المقرر أيضاً أن يفتح هذا التعاون أبواباً جديدة لتطوير مواهب طلبة الدراسات العليا في «كاوست»، من خلال البحث والتدريب الداخلي والمنتديات الهندسية، وغيرها من فرص توسيع المعرفة والمهارات اللازمة للسوق المستقبلية.
قد يهمك ايضا