الرباط - المغرب اليوم
يبدو أن مساعي حُكومة سعد الدين العثماني إلى تحصين أموال وممتلكات الدولة من الحجز، بموجب المادة 9 من قانون مالية سنة 2020، باءت بالفشل في أول امتحان لها في المحاكم، ففي ظرف أسبوعين خلال الشهر الجاري صدر حُكمان بالحجز على أموال الدولة، الأول يتعلق بمؤسسة عمومية والثاني بجماعة ترابية.
وتنص المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 على عدم إمكانية الحجز على أموال وممتلكات الدولة طبقاً لأحكام قضائية، وهو ما أثار جدلاً كبيراً قبل اعتمادها، إذ انتفض ضدها أهل القانون واعتبروها غير دستورية، فيما بررتها الحكومة بسعيها إلى ضمان استمرار المرفق العام.
في مقال سابق تطرقنا لحكم قضائي صدر عن المحكمة الإدارية بمكناس يقضي بالحجز على أموال الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة درعة تافيلالت، وفي هذا المقال نتطرق لحُكم جديد صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش يتعلق بجماعة ابن جرير.
تُشير حيثيات هذا الملف إلى أن المحكمة الإدارية بمراكش أصدرت بتاريخ 12 يونيو 2018 حُكماً يقضي بأداء جماعة ابن جرير لمواطن مُدعي تعويضاً قدره 200.000 درهم؛ وجرى تأييده استئنافياً بتاريخ مارس 2019.
لكن الجماعة الترابية المعنية امتنعت عن الأداء، وقالت إنها مستعدة لتنفيذ القرار القضائي دون الالتزام بذلك بشكل صريح، ودفعت بمُقتضيات المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020، بعِلَّة أن أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها لا تقبل الحجز؛ وهو الأمر الذي دفع بالمُدعي إلى استصدار أمر بالمصادقة على الحجز لدى الغير في حدود 214.498 درهماً.
وأصدرت المحكمة قرارها المصادقة على الحجز على حساب جماعة ابن جرير في شخص رئيسها بين يدي قابض ابن جرير في حدود المبلغ السالف ذكره، مُعللةً ذلك بأن "الأولوية في التطبيق تُعطى للنص الخاص الذي نظم الواقعة، وهو قانون المسطرة المدنية باعتباره قانوناً يُنظم إجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام، والتي تبقى قابلةً للتنفيذ الجبري على أموالها".
وأوردت المحكمة في تعليلها أيضاً أن "العمل القضائي استقر في المادة الإدارية على كون قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العمومية تجد مجال تطبيقها في الحالة التي يُؤدي فيها الحجز إلى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي، على أساس أن المبالغ المحجوزة هي مرصودة لنفقات محددة، وعليها تتوقف استمراريته في أداء خدماته".
كما أوضح القرار ضمن التعليل أن "أشخاص القانون العام يُفتَرض فيها ملاءة الذمة ولا يخشى عسرها، كما يُفترض فيها تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها تجسيداً لمبدأ المشروعية واحترام قوة الشيء المقضي به، وأنه في حالة الامتناع دون مبرر، كما هو الشأن في نازلة الحال، يجعل إجراء الحجز مبرراً سليماً".
ويبدو أن القضاء سائر في تفسير مقتضيات المادة 9 من قانون المالية حسب كل حالة وبشكل لم يكن في حُسبان الحكومة، فمن جهة يصدر حكم يقول بعدم شمول تطبيقها مؤسسات الدولة العمومية مثل الأكاديميات الجهوية لمهن التربية والتكوين، ومن جهة أخرى تعطى الأولوية للقانون الخاص في التطبيق.
هذا الأمر يدفع الحكومة إلى أن تفكر مستقبلاً في إعادة تعديل المادة 9 ضمن قانون المالية المقبل بصيغة جديدة، أو ربما تذهب إلى تعديل قانون المسطرة المدنية للحيلولة دون تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، وبالتالي عدم الحجز على أموالها، لكن الأمر سيبقى محط خلاف كبير بالمغرب.
قد يهمك ايضا
رئيس الحكومة المغربية يلتقي وزيرة الخارجية الإسبانية
مجلس الحكومة يدرس قوانين مهن القبالة والتمريض