الرباط - المغرب اليوم
تتجه أسعار المحروقات في السوق المحلية داخل المملكة المغربية، نحو الارتفاع في محطات التوزيع، ارتباطًا بزيادة قيمة المشتريات من النفط والطاقة، بنسبة زادت 27 في المائة العام الماضي، في ظل توقع ارتفاع متصاعد لأسعار المحروقات بعد تحسن أسعار النفط العالمية. وهدّدت جمعيات المستهلكين بخوض إضراب ضد شركات التوزيع التي تعتبرها "مستفيدة من ارتفاع الأسعار الدولية، في ظل غياب شفافية كافية في تحديد سعر البنزين الذي وصل سعر اللتر منه إلى 10 دراهم (نحو دولار) والمازوت 11 درهمًا، وهو من أغلى أسعار المحروقات في كل الدول العربية".
ويتزامن تحسن أسعار النفط في السوق الدولية مع تحرير تدريجي لسعر صرف العملة المحلية أمام الدولار واليورو، بعدما رفعت الحكومة الدعم عن المحروقات السائلة قبل ثلاث سنوات. وانعكس هذا التحرير سلبًا على كلفة البنزين لحوالي أربعة ملايين شخص من مالكي السيارات الخاصة الذين ارتفعت قيمة استهلاكهم 20 في المائة بمعدل درهمين لكل لتر.
واستورد المغرب العام الماضي ما قيمته 70 بليون درهم من واردات الطاقة ارتفاعًا من 55 بليون درهم عام 2016، وبلغت مشتريات غاز الفيول والمازوت نحو 34 بليون درهم وغاز البنزين نحو 14 بليوناً. وتستورد المملكة حاليًا كل حاجتها من المحروقات السائلة من السوق الدولية في إطار تحرير كامل لقطاع الطاقة، بعد إفلاس شركة "سامير"، التي كانت تملك الشركة الوحيدة لتكرير النفط في ميناء المحمدية جنوب الرباط.
واستغربت جمعيات المستهلكين أسباب عدم انعكاس انخفاض الدولار أمام الدرهم على أسعار المحروقات المقومة بالعملة الخضراء، مضيفةً "حتى لو اعتبرنا أن الأسعار زادت في السوق الدولية مع انخفاض الدولار فإن تطبيق حرية الصرف كانت ستجعل قيمة الزيادة بالعملة المحلية أقل مما هو معروض في محطات التوزيع".
وخلص تقرير لجنة برلمانية، إلى أن شركات توريد المحروقات وتوزيعها وعددها 13 شركة، حققت أرباحًا إضافية من ارتفاع الأسعار في السوق الدولية، لكن الحكومة لم تقم بما هو مطلوب منها لحماية المستهلكين تحت تبرير تحرير الأسعار ورفع الدعم عن السلع غير الغذائية التي تراجعت من 56 بليون درهم عام 2012 إلى نحو 14 بليون درهم عام 2017، ما ساعد على خفض عجز الموازنة إلى نحو 3.5 في المائة وسط ترحيب صندوق النقد الدولي، صاحب اقتراح رفع الدعم في مجموع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتهدد الحكومة برفع الدعم عن غاز الطهي، وتحويله إلى مساعدات مباشرة للفئات الفقيرة من سكان الأرياف. ويثير هذا الموضوع جدلاً حاداً بين المؤيدين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، والمعارضين من بقية الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي الذين يعتقدون أن منح مساعدات مالية مباشرة لفئات محددة من المجتمع تقتطع من نفقات الطبقات الوسطى، وتعتبر وسيلة لشراء أصوات مجانية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ويثار جدل إضافي حول هوية المستحقين لتلقي مساعدات نقدية من الحكومة.
وتجد الطبقات الوسطى في المغرب نفسها ضحية الإصلاحات التي نفذتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية، والتي نالت رضا المؤسسات المالية الدولية بعدما ساهمت في خفض العجز المالي والحد من تفاقم المديونية والميزان التجاري.
وطبقت الرباط إصلاحات تتمثل في رفع الدعم عن صندوق المقاصة، وإصلاح صندوق التقاعد عبر خفض المعاشات وزيادة سنوات العمل، وتقليص الوظائف في الإدارات العامة، والاكتفاء بعقود العمل الموسمية في وزارة التربية. كما تستعد لتطبيق رسوم دراسة على الطلاب في الجامعات كمدخل لإلغاء تدريجي لمجانية التعليم العام، إضافة إلى إصلاح نظام الصرف وتحرير جزئي لقيمة العملة.
وانتقدت النقابات وجمعيات المجتمع المدني هذه الإصلاحات، نظراً إلى أنها زادت من أعباء الطبقات المتوسطة والفقيرة ما زاد في أعداد المعارضين لقرارات الحكومة في المجالات الاجتماعية، واتساع نطاق الحراك الاجتماعي بعد تفشي بطالة الشباب التي وصلت إلى 45 في المائة من سكان المدن الذين يتراوح معدل عمرهم بين 15 إلى 24 عامًا، في وقت تصل النسبة إلى 29 في المائة على المستوى الوطني. وزاد معدل البطالة من 10.4 إلى 10.6 من مجموع الفئة النشيطة المقدرة بحوالي 11.6 مليون شخص.
وقال مسؤول حكومي، إن "البطالة أصبحت معضلة حقيقية، لأن النمو الاقتصادي لم يعد كافياً لمعالجتها، ولا يستطيع تأمين الوظائف المطلوبة"، مضيفًا أن "في الماضي كان ارتفاع النمو بمعدل نقطة واحدة يؤمن 30 ألف وظيفة، ثم تراجع العدد إلى 20 ألف وظيفة في مقابل كل نقطة، لينخفض العدد مجدداً إلى دون عشرة آلاف وظيف للنقطة الواحدة". وأكد أن "في حال ارتفاع النمو إلى 4 في المائة، فإن عدد الوظائف سيكون ضعيفاً إذا قيس بحجم الوافدين إلى سوق العمل الذين يقدر عددهم بحوالي 200 ألف شخص سنوياً".
وأضاف أن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تحتاج إلى تأمين 25 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات القليلة المقبلة وهو تحدي غير مسبوق، وقد نشهد ربيعًا عربيًا جديدًا في حال فشل تلك الدول في دمج شبابها في مسيرة التنمية، ومشاركتهم ثمرات النمو الاقتصادي وموارد الدولة التي تستفيد منها فئات محدودة في هرم السلطة وحولها.