واشنطن - المغرب اليوم
اضطربت الأسواق العالمية بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أصر فيها مجددًا على انتقاد سياسات رئيس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" جيروم باويل، بل إنه لم يؤكد على استقلالية البنك. وخفض ترامب من توقعاته بشأن حدوث تقدم على صعيد المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأعرب عن عدم اهتمامه بتأثيرات سياساته على الأسواق العالمية، إضافة إلى اتهامه الاتحاد الأوروبي والصين بالتلاعب بعملتيهما، مشيرًا إلى أن بكين تضعف اليوان لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.
وبعد هذه التصريحات تراجعت الأسهم الأميركية نسبيا مساء الاثنين، وتراجع مؤشر الدولار مقابل سلة من ست عملات أخرى 0.3 في المائة إلى 95.596 بحلول الساعة 07:30 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس 95.440، وهو أدنى مستوياته منذ التاسع من أغسطس/آب. ومقابل العملة الأميركية، ارتفع اليورو 0.3 في المائة إلى 1.154 دولار. ويبدو أن تصريحات ترامب عززت إقبال المستثمرين على الين باعتباره من أصول الملاذ الآمن. واستقر الين دون تغير يذكر عند 110.08 ين للدولار، مبددا مكاسبه بعدما لامس المستوى المرتفع البالغ 109.775 ين في وقت سابق. وانخفض الدولار دون المستوى النفسي المهم البالغ 110 ينات للمرة الأولى منذ 28 يونيو/حزيران.
وارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها في أسبوع بدعم من تراجع الدولار. وزاد الذهب في المعاملات الفورية 0.4 في المائة إلى 1194.81 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 07:01 بتوقيت غرينتش، بعدما لامس في وقت سابق 1196.27 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوياته منذ 14 أغسطس/آب. وصعد الذهب في العقود الأميركية الآجلة 0.5 في المائة إلى 1200.60 دولار للأوقية.
ويتأثر الذهب كثيرًا برفع أسعار الفائدة لأنه يزيد من تكلفة الفرصة البديلة على حائزي المعدن الذي لا يدر عائدا، بينما يعزز الدولار المقيم به المعدن الأصفر. وقال ترامب، ردًا على سؤال عن الأضرار المحتملة لسياسة الرسوم الجمركية على اقتصاد بلدان أخرى، "لا يعنيني بالمرة. لا يعنيني. هذا هو ما ينبغي فعله".
وكرر ترامب انتقاداته لرئيس الفيدرالي جيروم باول، رافضا خلال المقابلة تأكيد تأييده لاستقلالية المؤسسة التي تقوم بمهام البنك المركزي، وهو موقف يمكن أن يثير قلق أسواق المال. وقال: "لست سعيدا جدا بزيادة معدلات الفائدة، لا، لست سعيدا بذلك".
وردًا على سؤال عما إذا كان يؤيد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، صرح ترامب "أؤمن باحتياطي فيدرالي يفعل ما هو مناسب للبلاد". وكان ترامب عيّن بأول قبل أشهر في هذا المنصب، خلفا لجانيت يلين التي رفض تمديد ولايتها لفترة ثانية، نظرًا لتعارض الرؤية بينهما. لكنه اتهم باول أكثر من مرة بأنه يعقد عمله عبر زيادة معدلات الفائدة.
وخلال عشاء لجمع أموال الجمعة، قال ترامب إنه كان يتوقع أن يكون باول رجلا "يحب المال غير المكلف"، ملمحًا إلى أنه شعر بخيبة أمل من زيادة معدلات الفائدة، كما نقل مشاركون في الحفل في تصريحات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال" ووكالة "بلومبرغ نيوز".
وكان ترامب صرح قبل شهر تقريبا بأنه "ليس سعيدا جدا" بقرار الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة. وكان الاحتياطي الفيدرالي رفع مع تحسن الاقتصاد الأميركي، معدل الفائدة الأساسي سبع مرات منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2015، بينها مرتان هذه السنة في عهد رئيسه الحالي جيروم باول. ويتوقع أن يرفع المعدلات مجددا مرتين في 2018.
وأكد باول في مقابلة إذاعية في منتصف يوليو/تموز الماضي أنه ليس مهتما بالضغط الذي يمارس عليه لتغيير سياسته. وقال: "لا نولي الاعتبارات السياسية أي اهتمام". وأضاف: "لم يقل لي أحد في الإدارة الأميركية شيئا يمكن أن يثير قلقي في هذا الشأن".
وعادة، لا يتناول السياسيون الأميركيون سياسة الاحتياطي الفيدرالي لأن ذلك يمكن أن يثير مخاوف من إخفاق المصرف المركزي في الحد من زيادة التضخم. لكن إدارة ترامب خارجة عن المألوف. وقال كارل هيلينغ لوكالة الصحافة الفرنسية إن انتقادات ترامب للاحتياطي الفيدرالي "أثارت اهتماما كبيرا"، لكنها لم تحرك فعليا أسواق الأسهم والسندات. وأضاف: "حتى الآن، لا يعتقد الناس أن ذلك سيغير سياسة الاحتياطي الفيدرالي، على الأقل في اجتماعه في سبتمبر/أيلول" المقبل.
ولكن ديفيد غيلمور، المحلل في مركز "فورين ايكستشنج اناليتيكس" يرى أن انتقادات ترامب "كانت بالتأكيد من العوامل المؤثرة" على أسواق الصرف. وأضاف: "لكن لا أعتقد أن باول سيتأثر بذلك". وانخفض مؤشر سعر الدولار بشكل طفيف بعدما نشرت "وول ستريت جورنال" و"بلومبرغ" مقاليهما.
وأوضح باول أسباب السياسة التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي منذ يونيو/حزيران الماضي، عندما دخل ارتفاع معدل الفائدة الأساسية حيز التنفيذ. وقال إن المعدلات تبقى منخفضة، "لكننا نعتقد أن العودة إلى معدلات فائدة بمستوى عادي مع تحسن الاقتصاد هي أفضل طريقة يستطيع من خلالها الاحتياطي الفيدرالي مساعدة بيئة دائمة يمكن أن تزدهر فيها العائلات والشركات". ومع ارتفاع معدل الفائدة، ارتفع سعر الدولار، إذ إن المستثمرين قاموا بضخ الأموال في البلاد سعيا لتحقيق عائدات كبيرة.
وهذا يجعل الصادرات الأميركية أغلى ثمنا والواردات أرخص، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة العجز التجاري الأميركي - أي عكس ما يسعى إليه ترامب في سياساته التجارية التي فرض في إطارها عشرات الملايين من الدولارات على السلع الصينية. لكن هذه السياسات التجارية التي ستؤثر على منتجات صينية بقيمة 50 مليار دولار وكذلك الألمنيوم والفولاذ، تضعف العملة الصينية. ومنذ يونيو/حزيران انخفض سعر العملة الصينية الرينمينبي بنسبة سبعة في المائة وبلغ 6.85 يوان مقابل الدولار، أي أدنى مستوى منذ مايو/أيار 2017.