الدار البيضاء - ناديا أحمد
تُعتبر صلاة التراويح من أبرز الشعائر الروحانية التي يقبل على تأديتها المسلمون، والمشهد في شارع مولاي يوسف وتحديدًا بالقرب من مسجد الحسن الثاني يوحي وكأنك في مدينة منى الطيبة.
ازدحام منظم ومرتب، والكل يسعى إلى صلاة التراويح، تمشي بخطوات مهرولة وهي تحمل سجادة وسبحة جميلة بيضاوية، مشهورة ضمن رفاقها في شارع مولاي يوسف بورعها وكانت تتحدث لإحدى صديقاتها عن أصل كلمة التراويح و تقول هي لغة جمع ترويحة، سميت بذلك لأن المصلين كانوا يجلسون للاستراحة بين كل ركعتين، لأنهم كانوا يطيلون القراءة. وفي بعض البلاد الإسلامية هناك تقليد معمول به يتمثل في الاستراحة بين ركعات، حيث يلقي الإمام موعظة وتذكرة على المصلين ليتفقهوا في أمور دينهم، جميلة تتابع أنه لكي يتحقق مقصود فريضة الصيام على أتم وجه وأحسنه فإنه يجب على المسلم القادر أداء صلاة التراويح مع الجماعة، بما فيها من عون على الطاعة وشحذ للهمم.
اقتربنا من أول رصيف ساحة المسجد الحسن الثاني الشاسعة، دنوت من جميلة قليلا لأحاول قطع كلماتها الطيبة لأسالها عن سبب تواجد أكثر من نصف مليون مغربي ومغربية تقريبا حاليا، لتجيب أن ازدحام المساجد بالمصلين، خصوصا الشباب، دليل على توسع دائرة اختيار طريق الخير والثواب والطاعة التي يجب أن نعتمدها منهجًا في مختلف جوانب حياتنا".
وأبرزت "التراويح في رمضان تخلف أثرا روحيا قويا في نفوس المغاربة، خصوصًا الشباب الذين قد تكون بداية لهم لاتباع المسار الأصلح، أما عن سبب هرولتها التي تكاد تشبه العدو في إحدى سباقات الأولمبياد فتجيب جميلة "يتزايد عدد المترددين على المسجد، في هذه الفترة، ما يضطرنا إلى الإسراع في تناول وجبة الإفطار لإيجاد مكان لنصلي فيه، ورغم ذلك أرغم على أداء التراويح في الهواء الطلق لأن مجموعة من الناس يتناولون وجبة الإفطار إلى جانب المسجد حتى يمكن لهم الصلاة في الصفوف الأولى ليكونون قريبين من الإمام.
عرفت أنها بنت المنشأ والولادة في الحي المتواجد فيه أكبر مساجد المغرب، سألتها عن سبب هدا الإقبال الكبير لصلاة التراويح في مسجد الحسن التاني لتجيب، أنه لو قدر للعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني أن يعيش أكثر مما كُتب له لكان من أسعد الناس حين يرى أمنيته بامتلاء مسجده في الدار البيضاء عن آخره في صلوات التراويح خلال رمضان بفضل الإمام الشاب ذي الصوت الرخيم عمر القزابري. وكيف لا تكون أمنية الملك الذي شيد أحد أكبر المساجد في العالم تحققت، والداعية المغربي الكبير الدي ذاع صيته خارج المغرب يصلي خلفه طيلة رمضان في مسجد الحسن الثاني، ومنذ ست سنوات، آلاف المصلين الذين يأتون إليه من كل حدب وصوب، وأحيانا من مدن بعيدة بهدف الاستمتاع بصوته.
ولم يكن يتوقع القزابري منذ سنوات قليلة فقط، أن يكون أشهر من نار على علم بين أوساط المغاربة، خصوصًا في رمضان حيث تنتشر تسجيلاته وصوره في الصحف ووسائل الإعلام المرئية، إذ تنقل القناة السادسة للقرآن الكريم يوميًا صلاة العشاء والتراويح مباشرة من مسجد الحسن الثاني. وكان أقصى ما يتمناه القزابري، البالغ من العمر 37 عاما، خلال سنوات صباه أن يكون حافظا متقنا للقرآن الكريم ليقتفي أثر والده الذي كان أحد أبرز فقهاء مدينة مراكش.
وتلقى عمر الصغير على يد والده أولى أبجديات حفظ القرآن بطريقة الألواح الخشبية، وهي طريقة مغربية تقليدية وأصيلة تَخَرج بواسطتها الكثير من القراء الكبار في المغرب. ويلمس آلاف المصلين وراء القزابري مدى تأثره بوالده خصوصًا حين ترفع الأكف بالدعاء لله تعالى، وهو الذي كان في صغره يستيقظ من فرط بكاء والده مرتلا القرآن في الهزع الأخير من الليل.
واستطاع القزابري، بفضل ما وهبه الله له من صوت جميل وقوي، أن يجمع خلفه مختلف مشارب المجتمع المغربي من متعلمين وأميين وحرفيين وعاطلين وأغنياء وفقراء، ولعل أطرف رسائل الود والإعجاب التي تنهال على القزابري من توقيع فتيات يطلبن الزواج منه، رسائل تتضمن عبارات من قبيل: "زوجتك نفسي.."، أو الرسالة التي كتبت فيها صاحبتها: "إذا كنتَ أعزبا أتمنى أن أكون زوجك، وإذا كنتَ متزوجا فأنا أرضى أن أكون زوجتك الثانية والثالثة، أما إذا كنت متزوجا بأربعة فسأكون خادمتك".