أبوظبي - المغرب اليوم
واصلت "القمة الثقافية أبوظبي 2019" برنامج النقاشات الحوارية في منارة السعديات في العاصمة، حيث تنظم دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، حلقات نقاشية مميزة، وورش عمل وعروض أداء ملهمة، تستمر حتى 11 من الشهر الجاري.
وتقام النسخة الثالثة من "القمة الثقافية أبوظبي" تحت عنوان "المسؤولية الثقافية والتكنولوجيا الجديدة"على مدار خمسة أيام، تقدّم فيها سلسلة حيوية من حلقات النقاش وورش العمل التفاعلية تتمحور حول الفنون، والإعلام، والتراث، والمتاحف، والتكنولوجيا، وتطرح القمة الثقافية أبوظبي أسئلة حول كيفية تحفيز الوكلاء الثقافيين للعب دور أكبر في مواجهة التحديات العالمية، وكيف يمكن تسخير الإبداع والتكنولوجيا لإحداث التغيير الإيجابي.
تغيير
وجاءت الجلسة الافتتاحية لليوم الثالث من "القمة الثقافية أبوظبي 2019" بعنوان "تمثيل العالم: كيف للإعلام أن يحدث تغييراً؟"، أدارها المحرر الصحفي في مجلة "ذي إيكونوميست"، جون بريدو، ونظرت لجلسة في أهمية ضمان التنوع الثقافي في المؤسسات الإعلامية وغرف الأخبار وعلى الشاشات، للإجابة على سؤال كيف يمكن لوسائل الإعلام تعزيز التفاعلات بين الثقافات وزيادة التنوع لمخاطبة كافة شرائح المجتمع وتشجيع التغيير الاجتماعي.
وتحدثت في الجلسة الصحفية المستقلة من الهند، نيها ديكسيت، عن انعدام التنوع في إعداد التقارير في بلدها الأم، وذلك بسبب توحيد وسائل الإعلام، والأفعال التحيزية الواعية، وغيرها التي تم التكيف عليها بشكل لا شعوري، إضافة إلى عوامل أخرى، وأشارت إلى كيف يتم تجنيب القصص والأخبار عن المجتمعات المهمشة، وقالت: "العمل الإيجابي هو أهم عامل لتحقيق المساواة بين الطريقة التي تمثّل بها كافة الطبقات المختلفة من المجتمعات".
من جانبها، ذكرت الصحفية من راديو أمبيولانت، وعضو في نادي مدريد، كارولينا غيريرو، مبادئ المدونة الصوتية الإذاعية التي أسستها باسم "راديو أمبيولانت"، لتخبر قصص أمريكا اللاتينية، مع محاولة تغيير السرد حول الطريقة التي غالباً ما تمثّل بها هذه الشريحة الديموغرافية عبر وسائل الإعلام، وهي تهدف إلى تحدي الأفكار النمطية حول أمريكا اللاتينية، والكشف عن القصص غير المروية التي تصور هذه المجتمعات في ضوء مختلف.
وتحدثت مؤسسة TONL Media كارن أوكونكو، عن تجربتها الشخصية حين أسست وكالة الصور الخاصة بها، بهدف تغيير وتنويع الصور الفوتوغرافية لتشمل المجموعات المجتمعية التي لا تحظى عادة بتمثيل يناسبها، مشيرة إلى مدى أهمية تمثيل أو تصوير فئة معينة في الإعلام، وإلى أي مدى قد يصل الضرر الناجم عن التمثيل الخاطئ، أو حين لا تجد هذه الفئات من يمثلها في الأخبار أو الإعلانات، وكذلك مدى خطورة اختيار وسائل الإعلام لصور تعرض تمثيلات سلبية مقابل تمثيلات إيجابية لفئات ديموغرافية معينة.
التراث
وطرحت الجلسة الثانية سؤال "ما الدور الذي يلعبه التراث في مرحلة التعافي بعد الكوارث؟" حيث تبادل المشاركون الحوار عبر إعطاء أمثلة ملموسة لمبادرات الانعاش وإعادة الإعمار لمواقع ثقافية، وناقشوا كيف أن الثقافة والتراث يمثلان قضيتان حاسمتان يجب مراعاتهما وتضمينهما في الاستراتيجيات التنموية وخطط الإنعاش وإعادة الإعمار.
وأدارت الجلسة مديرة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، الدكتورة شادية طوقان، وأشارت إلى الحاجة إلى البدء في أقرب وقت ممكن للتحضير للقضايا المعقدة المطروحة عند الحفاظ على التراث وإعادة بنائه في أعقاب الأزمات، ودعت إلى تحول كامل، ومراجعة المواثيق والمبادئ التوجيهية لحماية التراث، وأشارت إلى أن اتباع نهج موجه نحو الشعوب يجب أن يشمل إشراك المجتمع المحلي وبناء القدرات، إذ أن البعد الاجتماعي والاقتصادي لهذه القضية يتطلب تركيزاً أكبر.
تمبكتو.. بغداد
وتحدث مدير مكتب بغداد لمنظمة اليونسكو، باولو فونتاني، عن مبادرة "إحياء روح الموصل" التي تشرف عليها المنظمة، مشددًا على أنها لا تتعلق عمومًا بالمباني بل بالأشخاص؛ وأن التركيز ينصب على المجتمع وإعادة الهوية الثقافية، واعتبر أنه يجب على أولئك الذين يرغبون في المساعدة الاستماع إلى المجتمعات والتحقق من الأمور التي تهمهم، كما أشار إلى أن استعادة الثقافة والتراث هو محور التنمية الاقتصادية، مما يدفع إلى توليد وظائف جديدة.
وعرض علي ولد سيدي تفاصيل عمله في إدارة مشروع الترميم في أعقاب تدمير مدينة تمبكتو القديمة، التي استهدفها المتطرفون في محاولة لتدمير الهوية الثقافية وإحباط المجتمع، وقال أنه يعتبر عملية إعادة الإعمار ذات نفس الأهمية لعملية التفاوض على السلام، وتضمنت استراتيجيتهم للحفاظ على هذا التراث الثقافي إشراك المجتمع المحلي في كل مرحلة، والتشاور معهم واستخدام البنائين المحليين للقيام بعمليات الترميم.
اقرأ أيضاً : بيْع 3 رسائل حُبّ نادرة في مزاد علني مقابل 513 ألف يورو
قصة متحف مخفي
وروت مديرة متحف بيروت الوطني،آن ماري عفيش، قصة تعرض متحفها لأضرار بالغة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وقالت: "خبّأ مدير المتحف في ذلك الوقت مجموعة المقتنيات في الطابق السفلي وأحاطهم بأسمنت واقي، وتم فتح المتحف الذي لا يزال متضرراً للجمهور لإعادة وصلهم بماضيهم، وعلى الرغم من الخطر الذي لا زال يهيمن على المدينة، إلا أن المتحف تلقى الآلاف من الزوار، ويركز المتحف اليوم على اتصاله بالمجتمع وإشراكهم في تطويره، مع الأخذ بالمسؤولية التعليمية على محمل الجد".
وتناولت الجلسة الثالثة بعنوان "كيف يمكن للمتاحف إحياء الماضي في وقتنا الحاضر؟" توفير المتاحف لطريقة للدخول إلى الماضي الثقافي واستكشافه من خلال الحياة الحديثة، وكيف ينبغي للمتاحف إحياء الماضي، وبالتالي إضافة طبقات جديدة لفهمنا للفن المعاصر.
وأدارت الجلسة، كبيرة القيمين الفنيين لقسم الفن الآسيوي، متحف جوجنهايم، والمديرة المؤقتة للشؤون التقيمية لمشروع جوجنهايم أبوظبي،ألكسندرا مونرو، وافتتحتها بالإشارة إلى أن وجهات النظر الأوروبية التقليدية للفن قد شهدت تحولًا جذريًا.
وقالت: "تم التحقق من السرديات من وجهات نظر الغرب وتوسيعها لتشمل نطاقاً أوسع للأفكار والمفاهيم، ومع ذلك، فإن إحدى التحديات المستمرة لعلم الآثار هي تدوين الدوريات غير القابلة للتغيير عبر الزمن، حيث يقتصر ذلك على الحاضر فقط".
وتحدثت مديرة فن جميل، أنطونيا كارفر، عن قيادة المركز الفني الذي تم افتتاحه مؤخرًا، وقالت: "المؤسسات الجديدة يمكنها تقليل أو إيجاد طرق للتغلب على الروايات والقيود التقليدية، وفي بعض الأحيان، يمكن للسياق المحلي الصغير أن يوسع المحادثة، وتتمتع المؤسسات الجديدة بحرية تشكيل سردها الخاص".
وقال المدير الفني لبينالي بانكوك للفن، أبينان بوشياناندا، أن الفن والفنانين في بقية العالم يعانون من التصنيف الغربي، وأشار أن التحدي يكمن في السماح للعمل بالتحدث عن نفسه ومعاملة الفنانين على أنهم مجرد فنانين، وليسوا فنانون من بلد معين أو ديموغرافية معينة.
حضارات.. رحلة.. ثقافة بصرية
وتحدثت القيمة الفنية لمعرض فن الشعوب الأصلية لصالة عرض أونتاريو في تورنتو، واندا نانيبوش، عن ثقافتها باعتبارها من السكان الأصليين لقارة أميركا الشمالية، مشيرة إلى أهمية الوقت بالنسبة لمجتمعها لأن ثقافتها تعتبر ثقافة أصيلة، قبل التواصل مع الحضارات الأوروبية واستعمارها.
وأشارت إلى أنه كلما تبع السرد المتحفي التسلسل الزمني، فإن ذلك التسلسل ينبثق من حياة أو وجهة نظر شخص آخر، واغالباً ما تكون من الغرب، حيث يعمل متحفها على تغيير هذا الفكر عبر وضع الفن الأصلي في المركز، ووضع كل شيء آخر حوله، بهدف إحياء الماضي بأقرب صورة ممكنة للحقيقة، فهي تعتقد أنه كلما تعمقنا في الماضي بشكل أكبر، كلما تغير وتحول أكثر، بطريقة تفتح لنا فرصاً وسرديات جديدة للمستقبل.
وتحدثت الفنانة الأمريكية من أصول باكستانية شهزيا سيكندر، حول رحلتها الشخصية كفنانة، حيث شرحت كيفية إنشاء عمل يتخطّى الحدود من خلال تمثيل ثقافة معينة؛ وكيفية مواجهة وتحدي التعريفات النمطية الضيقة، وركّزت على الفن نفسه والمعلومات الخارجية الخاطئة. كما تعتقد أنه يجب على الفنانين التخلي عن التوقعات التي يتم وضعها لهم وتبني المزيد من طرق التمثيل غير الخطية.
أما الجلسة الختامية فقد جاءت بعنوان "هل يمكن أن تصبح الثقافة البصرية عالمية؟" أدارها المدير الفني للأكاديمية الملكية للفنون، تيم مارلو، حيث ناقش مسألة ما إذا كان الموقف العالمي تجاه الثقافة البصرية يمكن أن يؤدي إلى بلورة عالمية، وهل تعدد الثقافات والجنسيات العاملة في المؤسسات يحدد بالفعل الطموح الفني وينفي المحلية والتنوع المقصود منه التشجيع والتفكير؟.
انعكاس.. التسويق المتفشي
وأوضحت القيمة الفنية لمتحف تي بابا في نيوزيلندا، ميغان تاماتي كوينيل، أن متحفها يضم ثقافات متعددة من جميع أنحاء العالم ولكنه يبرز ثقافات الماوري والمحيط الهادئ المحلية، مما يؤدي إلى "انعكاس محلي لكيفية تمثيل الفن الدولي"، ونوهت إلى الحاجة إلى هذا الأمر لأن جيلًا كاملاً من الفنانين الماوريين لا يتم التعرف عليهم أبدًا في أي مكان في العالم، بسبب إقصائهم عن المؤسسات، وأشارت إلى أهمية الاعتراف بملكية العمل الفني، بمعنى استجواب وجهة النظر الثقافية التي أنتجت ذلك.
وشاركت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نورفال بجنوب إفريقيا، إيلانا بروندين، تجربة متحفها الذي تم افتتاحه مؤخرًا، بما في ذلك التحديات التي واجهتهم في التغلب على تبجيل القوى الثقافية الخارجية، لتعزيز الفخر في الإنتاج الفني المحلي.
وقالت: "بذل فريق المتحف جهودًا متضافرة لعرض الفنانين المحليين المهمشين، والنظر في الماضي القريب "لسد الثغرات"، مع التطلع إلى المستقبل، مع الحاجة للتأكد من عدم هيمنة االتكرار وتجنب الابتكار والذي قد يؤدي إلى قلة اهتمام الجمهور وعدم الاكتراث لما تقدمه المؤسسة الثقافية، ومع ذلك، إن الحاجة بالنسبة لمتحفها تكمن في إظهار إبداعات عالمية للجماهير المحلية الذين لا يستطيعون السفر إلى الخارج في الغالب".
وتحدث مدير متحف فان جوخ، هولندا، أكسل روغر، عن سبب بزوغ علامة تجارية عالمية للفنان فنسنت فان جوخ وعمله، مشيراً بذلك إلى أنه على الرغم من أن البعض قد يختلفون مع مثل هذا التسويق المتفشي، إلا أنه كان ناجحًا في الحفاظ على تشغيل المتحف واستقلاله، وكذلك تحقيق مهمته الأساسية، المنطوية على إيصال أعمال فان جوخ إلى أوسع جمهور ممكن.
ويرى روغر بأننا ننحدر إلى ثقافة بصرية عالمية متماثلة، حيث أن العديد من متاحف الفن المعاصر بشكل خاص تبدو متشابهة، إلى درجة أن عدداً من مقتنياتها قابلة للتبديل على المستوى الدولي، في حين يدرك ضرورة جذب جمهور كبير إلى المتحف، إلا أنه يجب أن يكون هنالك تركيز أكبر على الطابع الفردي ورؤية المؤسسة الثقافية.
قد يهمك أيضًا:
متخصّصون يشيدون بـ"نوبة الاستهلال" في توثيق التراث المغربي
"الشارقة للمتاحف" تقيم معرضًا بالتعاون مع متحف الفن الإسلامي في برلين