بغداد ـ لامار اركندي
يحتفل الإيزديون في كل أنحاء العالم اليوم الخميس، بعيد "خضر الياس" وهي من أيام خصوبة الأرض وقدوم البركة والسعادة، وفرح العيد نعيشها بنفس المشاعر التي عشناها في طفولتنا التي جمعتنا مع أطفال الحي آنداك ونحن نتبادل الابتسامات والقهقهات في حلقة دائرية نلفها حول الأمهات وهن يقمن بتحميص الطحين وخلطه مع الدبس والسمسم ووضعه في صينية ليلة رأس العيد، وتقول جلنار سمير الأيزدية، من مدينة بعشيقة في العراق، في حديث لـ"المغرب اليوم"، وتضيف :"يسبق العيد صيام ثلاثة أيام وهي الاثنين والثلاثاء والأربعاء والعيد يكون يومي الخميس والجمعة".
لـ"خضر الياس" طقوس وممارسات تحييها الإيزيدية، ولها طابع خاص ومميز للمناسبة التي يحرّم فيها نحر الأضاحي والقرابين ويمنع الصيد ويحرم قتل أي كائن في أيام الصوم والعيد، وهي في ذلك على عكس كل المناسبات الإيزيدية.
يصوم الإيزيدون ثلاثة أيام تسبقها السحور الذي يبدأ قبل بزوغ الفجر ويتحضرون للإفطار عند الغروب الذي يرتبط بمراز خضر الياس وهو صوم المحبين ويقال حسب الاعتقاد الأيزيدي أن "خضر الياس" صاحب الأمنيات الشبابية التي ترتبط بالزواج والارتباط اي الاخصاب والحياة، وبدء موسم الخصوبة للنبات والحيوان.
سالم الرشيدي الباحث في الديانة الايزدية أطلع "المغرب اليوم" :"أن العيد يصادف يوم الخميس الأول من شهر شباط شرقي في التقويم الإيزيدي ويستمر يومان يوم لخدر ويوم ل الياس، يسبقه صيام ثلاثة أيام في الإيزيدية: الاثنين والثلاثاء، وينتهي بمغيب شمس يوم الأربعاء، والمسيحية صامت تلك الأيام ثم أطلقوا على صيامهم باعوثة أو صيام مريم العذراء".
ويضيف أن مزار "خضر الياس" المعروف لدى الإيزديين يعرف لدى الإخوة المسحيين باسم القديس "مار جورجيس" وهو أحد أمراء كبدوكية واستشهد في عهد ديومليتيانوس "303" م ويعيد المسيحيون ذكراه كل عام في موعد احتفال الإيزيدين تقريباً ".
يقع دير القديس في محافظة نينوى شمال العراق ويبعد مسافة 14 كم جنوب بلدة بخديدا قره قوش، تعرف الآن بقضاء الحمدانية حوالي 30 كم جنوب شرق الموصل، الدير يزوره الإيزيديون والمسيحيون والمسلمون على حد سواء من أجل التبرك وتحقيق الأماني، ويعرف لدى الإيزيدين باسم "خضر الياس" وفي المسيحية دير الشهيدين مار بهنام وأخته مارت سارة.
ويضيف الباحث الإيزيدي: "عيد خضر الياس الآن تحول إلى عيد الفلانتاين عيد الحب ومن الآراء الشائعة أن قرار الكنيسة المسيحية بالاحتفال بالعيد الديني للقديس فالنتين في منتصف شهر فبراير/شباط قد يعبر عن محاولتها تنصير احتفالات لوبر كايلي الوثنية الخاصة باحتفالات خصوبة الطبيعة ولم تستطع الكنيسة الكاثوليكية أن تمحو احتفال لوبركايلي شديد الرسوخ في وجدان الناس فقررت أن تخصص يومًا لتكريم السيدة مريم العذراء لذلك تعتبر الصيام لثلاث أيام صوم الباعوثة الخاص بالعذراء".
ولفت سالم الرشيدي إلى أن الاحتفال بأسبوع الخدر يتفاوت بمواعيد متقاربة لدى جميع الاعتقادات، والمتعارف عليه في الإيزيدية أنها مناسبة نهاية الموسم الزراعي ولا زال الإيزيدي يردد مقولة خدر الياس سالك خلاص، ويقصد بذلك انتهاء الأعداد للموسم الزراعي الجديد وبدء موسم الإخصاب في الطبيعة .
ما يميز الاحتفالات الإيزيدية بصيام "خضر الياس"، وعيده هو نوع المواد التي تحضر للمناسبة فالحلاوة المصنوعة تعتبر من أقدم أنواع الحلويات التي اكتشفها الإنسان وأعاد صنعها بالمناسبة وهي من طحين الحبوب المجففة على النار ويدعى بيخون، يخلط بالدبس عسل التمر، وهو أقدم ما عرفه الإنسان من الحلوى وكذلك قلي وشواء أنواع مختلفة من الحبوب على نارالجافوف، والجافوف موقد مصنوع من الطين يوقد النار فيه بواسطة الحطب، ويقدم من تلك المواد إلى الزوار المهنئين يوم العيد.
"خضر الياس يقضي المراز" جملة يتداولها الإيزيديون أهالي بعشيقة وبحزاني يفهم منها أن خدر الياس يحقق الاماني، ولقد ساد الاعتقاد بتحقيق الأماني في هذه الأيام المباركة وخضر الياس يحقق آمال المقبلين على الزواج من شبان وشابات حيث يكثرون من تناول الحبوب المملحة المقلية ليالي الصوم، ويقللون من شرب الماء اعتقادًا منهم أن "خضر الياس" يزورهم في منامهم ويسقيهم الماء، ويصبح الحلم حقيقة ويتزوج من يجد نفسه مع "خدر الياس" ونصيبه يكون من فتاة تسكن المنطقة التي وجد نفسه فيها في ذلك الحلم، ويعتقد أبناء المجتمع الإيزيدي أن الشخص صاحب الرؤيا صادق في إيمانه وقوله وعمله، وأن شربه الماء من يد خضر الياس يعني منحه السعادة طول عمره مع الفتاة التي تصبح من نصيبه.
تقوم العوائل الإيزيدية بوضع صحن من السويق في مكان ما في البيت بغية زيارة خدر الياس ليترك آثاره الدالة على زيارته، وإذا نظرت عائلة ما تلك الآثار اعتقدت أن تلك السنة هي سنة خير وبركة للعائلة، وبحسب باحثين تعد الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات التوحيدية، وجميع نصوصها الدينية تتلى باللغة الكوردية في مناسباتهم وطقوسهم الدينية.
ووفق إحصائيات غير رسمية، يقدر عدد الإيزيديين بنحو 600 ألف نسمة في العراق، غالبيتهم يقطن في محافظتي نينوى ودهوك، فضلا عن وجود أعداد غير معروفة في سورية وتركيا وجورجيا وأرمينيا، وأعداد أخرى من المغتربين في دول أوربية أبرزها ألمانيا والسويد، وتعرض الإيزيدون إلى 74 مجزرة سجلت في التاريخ ساهمت في إبادة الآلاف منهم، وكان آخرها في 3 من شهر آب/ أغسطس 2014 في شنكال موطنهم الأصلي في العراق على يد "داعش" الذي قتل الالاف وسبى المئات من الفتيات الإيزديديات والأطفال في أبشع جرائم ضد الإنسانية شهدها العالم.