الدار البيضاء- رضا عبدالمجيد
طفا على السطح خلال الفترة الأخيرة نقاش كبير بشأن استخدام كلمات من اللغة العامية المغربية (الدارجة) في المقررات الدراسية الخاصة بالمستوى الابتدائي، في مادتي اللغة العربية واللغة الفرنسية، وظهرت مجموعة من الجهات والتيارات الرافضة لاستخدام كلمات عامية في مقررات دراسية خاصة باللغة العربية، بل وصل الموضوع إلى البرلمان، بعد مطالبة بعض الفرق البرلمانية باستدعاء وزير التربية الوطنية والتعليم، سعيد أمزازي، من أجل مساءلته.
وزارة التربية والتعليم تدافع عن موقفها
دافعت وزارة التربية الوطنية عن اختيارها إدراج كلمات من "الدراجه" في المقررات الدراسية، مؤكدة أن ذلك جاء بناء على المنطلقات البيداغوجية العامة ذات الصلة بالعام الثاني من التعليم الابتدائي، مشيرة إلى أنه من الناحية "اللغوية اللسانية فإن الكلمات وردت على أنها عربية فصيحة كما أنها مشتركة بين المغاربة". وأضافت الوزارة، في بلاغ لها، أن موضوع النص المثير للجدل، هو العائلة، وهو نص وظيفي يصف حفلة عقيقة في بيت مغربي بهدف معرفة المتعلم والمتعلمة بأواصر الارتباط بين أفراد العائلة، مؤكدة أن "الاحتفال بالعقيقة، يفترض أن يلبس أعضاء الأسرة كسائر المغاربة لباسا مغربيا أصيلا، وكان ذلك مبررا لاستعمال كلمات: القفطان، والشربيل، والجلباب والطربوش والبلغة".
وكشف البلاغ أن الأمر يتعلق فقط بـ8 كلمات بالدارجة في كتاب مدرسي من 150 صفحة يحتوي على أزيد من 8000 كلمة، بحيث في القصة، حدث التفاف الأسرة بشأن المائدة وتناولهم حلويات يفترض أنها مغربية في مثل هذه المناسبات، ولذلك وضعت ما بين مزدوجتين "البغرير"، "البريوات" و"لغريبة"، مشيرة إلى أنه من الناحية اللغوية اللسانية، وعلى مر الزمان استخدمت اللغة العربية الدخيل والمولد والمنحوت ككلمات "سينما"، و"إنترنت"، و"كاميرا"، فلا يمكن رفض كلمة لمجرد أنها مغربية.
واعتبر البلاغ أنه من الناحية الديداكتيكية، يستهدف النص رصيدا لغويا انقسم إلى ثلاثة حقول معجمية، هي حقل الألبسة، حقل أسماء أفراد العائلة، وحقل المأكولات، مضيفة أن الكلمات وردت في نشاط الفهم حيث طلب من المتعلم والمتعلمة ذكر من أحضر الأكلات المعنية بالنقاش، وفي ذلك استحضار لأفراد العائلة بالدرجة الأولى، في حين أنه لم يطلب من المتعلم والمتعلمة توظيف تلك الكلمات واستعمالها أو شرحها لأن الكل يعرفها أو يتذوقها في مختلف المناسبات.
وشددت الوزارة على أنها لن تتوانى في اللجوء إلى المتابعة القضائية في حق الأشخاص الذين يقومون بنشر صور ونصوص مفبركة أو تعود لكتب أجنبية متعمدين نسبها إلى كتب مدرسية وطنية أو نشر صور ونصوص قديمة لم تعد الطبعات الجديدة للكتب المدرسية تتضمنها، وذلك طبقا لمقتضيات القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر كما وقع تعديله بالقانون رقم 71.17.
تعدّد اللهجات في المغرب
كشف عالم المستقبليات المغربي الراحل المهدي المنجرة قبل أعوام من تاريخ وفاته، أن التفسير الوحيد للاستعمال الرسمي المكثف للدارجة في وسائل الإعلام وغيرها من المناسبات الرسمية، "هو أننا الآن أمام حركة استعمارية ثقافية، فالاستعمار يغزونا بشكل متواصل"، بحسب تعبيره.
وقال المنجرة في محاضرة قديمة: "إذا كنا اليوم أمام مشكلة تعويض الدارجة للعربية، فإننا غدا سنكون أمام مشكلة حقيقية، إذ سنكون مجبرين على تقبل احتجاج المراكشيين على استعمال لهجة الطنجاويين، وثورة المكناسيين ضد استعمال لهجة سكان وجدة".
وأبرز: "إننا أمام توجه مدروس ومقصود يسعى إلى تركيز العنصرية، فمثلا عندما يسمع شخص من مراكش مذيعا يتحدث باللهجة التطوانية، فإن ذلك يجعله يشعر بالإهانة و العنصرية.. نحن أمام خطة تهدف إلى القضاء على اللغة العربية القرآنية، إنه جزء من الحرب الحضارية التي تهدد كياننا اللغوي الآن." وتابع الدكتور الراحل: "نحن تعلمنا أكثر من ثلاث لغات، لكننا لا نخلط أبدا بين الأشياء وإنما نتعامل مع لغتنا الأصلية واللغات المكتسبة حسب الظروف، ولا نسعى أبدا إلى إدخال كل ما تعلمناه من لغات في صراع يهدف إلى انتصار ما هو خارجي على ما هو محلي وطني، فالذين يمزجون في جملة واحدة ما بين الفرنسية والعربية حيث يبدؤون الجملة بكلمة عربية و يتممونها بالفرنسية يقصدون فعل ذلك.. إنها عملية مقصودة تدخل في إطار حملة مغرضة للقضاء على اللغة العربية". تابع قائلا: "نحن اليوم أمام ظاهرة جديدة، ولم يعد الاستعمال المكثف للدارجة في وسائل الإعلام بريئا ولا اعتباطيا"، مشددا على أن اللغة العربية لها وظيفة خاصة، فهي لغة القرآن. لغة مكتوبة بالحرف القرآني، أكيد أنها تطورت، لكنها تبقى من اللغات الوحيدة في تاريخ الإنسانية التي لها مقام ولها مرجع من الناحية الروحانية والتاريخية، فهي لغة التوحيد".
وأكد المنجرة أنه ليس ضد الدارجة لكنه ضد المقاصد غير البريئة من توظيفها، مشيرا إلى أن الدارجة لها مكانتها ودورها في تحقيق التواصل الشفوي، لكن إذا تعلق الأمر بخطاب تلفزي أو إذاعي أو مكتوب لا بد من احترام اللغة العربية التي وجدت أساسا للعب هذا النوع من التواصل.
إدانة ورفض
عبر الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، عن "إدانته ورفضه لمسار "التلهيج"، لبعض الجهات المعزولة في الدولة"، مشيرا إلى أن هذا "يعتبر ردة وانتكاسة أمام الجهود التي تقوم بها مختلف الفعاليات الوطنية والديمقراطية من أجل النهوض بالوضع اللغوي للمغاربة".
وأكد الائتلاف في بيان له أن الإشكال اللغوي في التعليم المغربي ينبغي أن تكون في إطار حل شامل وسياسة لغوية واضحة المعالم على أساس المرجعية الدستورية التي أجمع عليها المغاربة في كل القطاعات ووفق جدولة للوظائف.
ودعا البيان رئيس الحكومة والوزارة الوصية على القطاع، للتدخل العاجل لتدارك الأمر قبل فوات الأوان؛ لإيقاف اعتماد هذه المقررات والدعوة لمراجعتها، ومراجعة دفاتر التحملات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية بمراعاة المقتضيات السالف ذكرها.
كما شدد المصدر، على ضرورة الاحتكام إلى المساطر المنظمة لإعداد الكتب المدرسية وإسنادها للكفاءات الوطنية من ذوي التخصص من خلال الاحتكام للضوابط البيداغوجية والمرجعيات ذات الصلة، ومراجعة كتب الابتدائي من كل ما يخل بهذه المرجعيات.
ودعا الائتلاف، السلطة التشريعية للإسراع في سن قوانين حماية اللغة العربية درءا لكل الممارسات التي ترهن مستقبل المغاربة لقراءات مزاجية لمسؤولين يفتقدون أدنى شروط الفهم العلمي والمعرفي للمسألة اللغوية.
نقاش داخل البرلمان
طالب رئيس الفريق الاستقلالي في مجلس النواب، نور الدين مضيان، بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم، سعيد أمزازي، لتدارس استعمال "العبارات الدارجة في المقررات الدراسية، وكذا مسطرة إعدادها والمصادقة على جودة مضامينها".
وعبّر الفريق الاستقلالي عن "قلقه من تواتر إصدار عدد من المقررات الدراسية، خاصة بالتعليم الابتدائي، تستعمل عبارات الدارجة، إضافة إلى عدد من المضامين التي تخالف المنظومة القيمة والثوابت الجامعة للأمة المغربية"، مشيرا إلى أن الأمر "يشكل إخلالا صريحا بالمقتضيات الدستورية، وخاصة الفصل الخامس من الدستور، الذي يحدد اللغتين العربية والأمازيغية لغتين رسميتين للدولة".
وقال نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة زاكورة، وأحد أشد المدافعين عن استعمال الدارجة في مناهج التعليم، إن "الوزارة لديها شجاعة كبيرة وتقوم بعمل احترافي لصالح المغاربة عبر إعطاء الأولوية والأهمية للدارجة"، مشيرا إلى أن "كثيرا من المتخصصين وعلماء اللسانيات كانوا قد أكدوا في وقت سابق على ضرورة إدراجها في التعليم من أجل تمكن المغرب من تطوير مدرسته العمومية".
وأضاف عيوش أن "هذا القرار في صالح العربية والأمازيغية واللغات الأجنبية، مشيرا إلى أن التلميذ عندما يتلقى بلغته الأم يستوعب أكثر، خصوصا في المستويات الأولى من التعليم الابتدائي، وهو ما يجعل نسب الهدر المدرسي تقل مقارنة بفترات اعتماد العربية في المستويات الأولى"، مشددا على ضرورة النقاش حول المسألة اللغوية، مخاطبا حزب الاستقلال الذي رد على المبادرة داخل البرلمان بأن "عليه أن يدرك أنه ليس الوحيد الذي يدافع عن اللغة العربية".
وكشف عيوش أن العديد من الذين يظهرون في الصورة وهم يدافعون باستماتة على اللغة العربية، يعمدون إلى إرسال أبنائهم إلى مدارس البعثات الفرنسية أو الإسبانية، في حين يبقى أبناء غالبية المغاربة رهيني مدرسة عمومية ضعيفة لا تنتج بالشكل المطلوب، مسجّلا أن "الدارجة أصبحت هي السائدة في التداول المغربي، داخل الفضاء الإشهاري وفي وسائل التواصل الاجتماعي وحتى داخل قبة البرلمان".