الرئيسية » أخبار محلية وعربية وعالمية
المتسولين الأفارقة

الدارالبيضاء-فاطمة القبابي

دأب المغاربة بصفة عامة والبيضاويون بصفة خاصة، على رؤية أفواج المتسولين الأجانب تغزو شوارع وأزقة المملكة، كل بأسلوبه الخاص وطريقته المبتكرة في امتهان  التسول، وذلك بعد أن كانت الأزقة ملاء بالمتسولين المغاربة، حيث يخترق أفواج بالعشرات من المهاجرين الأفارقة واللاجئين السوريين الفارين من ويلات الصراع في بلاد الشام، الشوارع والطرقات، أمام المخابز والمساجد والإشارات الضوئية يستوقفون المارة والسيارات لجمع الدراهم لسد الرمق.
 
وبين أحضان العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، ووسط كبريات الشوارع وبين الحركة الدؤوبة للمدينة يتراءى لك العديد من المتسولين الأجانب، خاصة أولئك المنحدرين من بلدان الصحراء الأفريقية يجوبون وسط الطرقات وفي الأزقة، قادهم الحلم الأوروبي إلى المغرب، بعضهم تحقق حلمه في العبور إلى أوروبا فيما كثير منهم سقط فريسة سهلة للتشرد والتسول.

في مدينة " البيزنيس"

"يوسوفا تانيغا" من غينيا كوناكري يحكي كيف انتهى به المطاف بالمغرب إلى التسول، يحدثنا قائلًا: " انحدر من عائلة فقيرة تتكون من 6 إخوة أنا الابن الأكبر تركت مقاعد الدراسة مرغمًا على ذلك، لأن والداي لم يستطيعا تحمل تكاليف الدراسة اشتغلت في مهن عديدة هناك في غينيا، لكن ظروف العيش جد قاسية فقررت خوض غمار الهجرة رفقة بعض الأصدقاء.

ويحكي يوسوفا، شاب في مقتبل العمر، "رحلتنا كانت جد شاقة لأننا اخترنا أن نخوض غمار المغامرة سيرًا على الأقدام من غينيا إلى السنغال مرورًا بموريتانيا ثم إلى المغرب كنا في البداية في جنوب البلاد لينتهي بنا المطاف في مدينة الدارالبيضاء، مضيفًا "في مدينة البيزنيس لم استطع الحصول على عمل لأنني جئت بطريقة غير شرعية فقط بعض المعارف الذين استطاعوا استكمال دراستهم هنا بالمغرب يسمحون لي بالمبيت معهم وأوفر بعض الطعام والشراب مما تجود به أيدي المحسنين".

ويتحدث يوسوفا عن حلمه الضائع بين براثين التسول والمصير المجهول وقد تسرب إليه اليأس والإحساس بالضياع في موطنه وهوس العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط معلق حتى إشعار آخر.

فغير بعيد عن يوسوفا  وفي العاصمة الاقتصادية، أمام إشارة ضوئية بالقرب من محطة الحافلات " أولاد زيان"، كان يجلس مالك شاب من الكونكو وبجانبه تقعد امرأة تحمل في يدها رضيعًا، جاء إلى المغرب فلم يتمكن من إيجاد عمل ولا الهجرة إلى أوروبا، كل حلمه الآن أن يحصل على بطاقة اللجؤ حتى يتمكن من العثور على عمل وبالتالي التحرك بكامل الحرية في المغرب،  أو أن يعود إلى الكونكو عبر الجزائر مشيًا على الأقدام ولو اقتضى الأمر ذلك، حسب تعبيره.
تابعنا جولتنا في شوارع الدارالبيضاء، وفي أحد الأحياء الراقية صادفنا عائشة، 26 عامًا، شابة تنحدر من أصول نيجيرية قصيرة القامة ضعيفة البنية كان يبدو عليها التعب والإرهاق من شدة التجول في شوارع وأزقة الدارالبيضاء مشيًا على الأقدام، خاصة وهي تحمل على ظهرها طفلها مصطفى ذا الثلاثة أعوام، تبحث

عن لقمة عيش في مدينة البيزنيس .
أخبرتنا عائشة أنها أتت منذ 6 أشهر إلى المغرب رفقة طفلها، تاركة زوجها في بلادها تقول إنها لم تتخطى قدمها قط مقاعد الدراسة؛ لأنه في نيجيريا الأهالي لا يهتمون كثيرًا بإرسال الفتيات إلى المدارس بل يتزوجن في سن صغيرة، تماشيًا مع تقاليدهم المتعارف عليها، زد على ذلك أنها لم تتمكن من تعلم أي حرفة تساعدها على إيجاد فرص عمل، وتقول التي تتحدث بصعوبة اللغة الفرنسية، "لا أجد أي حرفة أساعد بها طفلي ونفسي ويبقى التسول هو ضالتي حتى أتمكن من دفع إيجار البيت الذي اكتريه رفقة بنات بلدي في منطقة ليساسفة وأستطيع شراء بعض الطعام لابني"، وعن سؤالنا عن الزوج، صمتت قليلًا وتسرح بعينيها لبرهة ثم تجيب بنبرة حزينة قال إنه سيلحق بنا حالما تسمح له الظروف بذلك.

المغرب وجهة مؤقتة

على صعيد الرسمي وقع المغرب عددًا من الاتفاقيات التي تهدف إلى دمج المهاجرين وتسوية أوضاعهم، لكن ما زالت هناك العديد من المشاكل التي تحول دون تحقيق هذا الهدف خصوصًا أن عددًا ملحوظًا من المهاجرين يعاني من الاضطهاد  والعنصرية وظروف العيش السيئة ويشكل الذكور العدد الأكبر من المهاجرين وينحدر معظمهم من دول الجنوب الصحراء، وذلك وفق إحصائيات رسمية أخيرة من دول جنوب الصحراء، فإن ما بين 25 و40 ألف مهاجر ينحدرون من مالي وساحل العاج، والكونغو ونيجيريا وغينيا والسنغال والغابون.

وللتعرف أكثر على هذه الفئة، التقينا علي، شاب في 27 من العمر، هاجر إلى المغرب قبل أكثر من عامين، يعيش في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة الاقتصادية؛ يقول حاولت مرارًا السفر إلى أوروبا ولم أنجح في ذلك، مضيفًا "أقاتل منذ وصولي من أجل البقاء فليس لدي عمل ولا سكن لائق في انتظار الحصول على عمل أعيش منه يسهل لي الحصول على بطاقة الإقامة بطريقة قانونية.

ومثل هذا الوضع يدفع بعض المهاجرين إلى طرق أخرى لكسب القوت ومنهم؛ "بينتا" 23 عامًا، التي تعيش في المغرب منذ أكثر من تسعة أشهر وتضطر في كثير من الأحيان إلى التسول رغم كل شيء فإن المغرب شعب كريم، وفي الوقت الذي يضطر فيه المهاجرون الأفارقة للتسول، يفضل فيه آخرون ممارسة التجارة ببيع الهواتف النقالة والإكسسسوارات ومستحضرات التجميل وبعض الأدوية المهربة من موريتانيا، شأن ذلك شأن ما أصبح يطلق عليهن بفتيات "الماكانة".
أما سميرة اسم مستعار لفتاة ذات أصول سنغالية، تبيع مستحضرات التجميل في السنغال، جاءت إلى المغرب لكي تجمع بعض المال لتتمكن من الذهاب إلى أوروبا ومساعدة والدتها المريضة وشقيقتها الصغرى مريم على استكمال دراستها "هناك سأتمكن من الادخار وفي وقت أقل" تضيف سميرة. 

نظرة متعالية
أصبح المغاربة اليوم ينظرون إلى المهاجرين الأفارقة بطرق مختلفة منهم المشجع ومنهم القلق ومنهم العنصري، ويعتبر إبراهيم 22 عامًا، طالب من الدارالبيضاء، أن على الحكومة أن تسوي أوضاع مواطنيها وحقوقهم قبل تسوية أوضاع غيرهم، فالشباب المغربي يعاني من البطالة وهو الأجدر بالمبادرات، من جهتها تعبر صوفيا 26 عامًا، طالبة، عن قلقها من هجرة الأفارقة إلى المغرب، قائلة: "المسألة ستكون لها تبعات سيئة على البلاد لأن وضع المهاجرين غير معروف ولا مدروس ما جعل المتسولين الأفارقة أكبر عددًا من المتسولين المغاربة".

طرحنا موضوع النظرة المتعالية التي يتبناها الشارع المغربي تجاه الوجود الأفريقي في محيطه الاجتماعي على مجموعة من الشباب المغاربة، فكانت شهادة حسناء طالبة جامعية، 22 عامًا، من الدارالبيضاء، "لا وجود للعنصرية ببلدنا ولا أعتقد أننا  شعب عنصري، ولم ألاحظ أن الطلبة الأفارقة أو المهاجرين السرين يعانون من أي إشكالية في المغرب خصوصًا في المحيط الجامعي بالدارالبيضاء"، مشيرة إلى "إننا شعب مسلم وديننا ينهانا عن العنصرية فلا فضل لأحد على أحد سوى بالتقوى، وحتى لو كانت هناك تصرفات من هذا القبيل فيجب التوقف عنها لأننا في النهاية أفارقة، مضيفة " لكن أأكد لك بأنني استبعد هذه الأفكار المتعلقة بالعنصرية، ولا أعتقد أنها موجودة لكنني من جهة ثانية ألاحظ أن الطلبة الأفارقة منعزلون جدًا ولا يتكلمون مع المغاربة وهذه مسألة سيئة بالنسبة للطلبة عليهم الاندماج مع الطلبة المغاربة وتكوين صداقات والانفتاح على محيطهم بدل الانكماش والالتفاف  حول بعضهم البعض".

سوريون أجبرتهم الحرب على التسول
وعلى مقربة من "درب غلف" في العاصمة الاقتصادية، صادفنا إحدى السيدات السوريات تجلس أمام مدخل لمسجد بالمنطقة، بادرنا بسؤالها عن المدينة التي تنحدر منها، وعن سبب امتهانها التسول، لتجيب والدموع تملأ عيونها، قائلة: "اسمي مريم من حلب، جئت إلى المغرب بعد أن قصف النظام منزلي وقتل زوجي ووالدتي المسنة، حيث اشتدت بي الأزمة هناك، وقررت مغادرة سورية صوب لبنان، لكن حدة الحاجة والتوتر هناك دفع بي إلى جمع بعض المال والتوجه إلى الجزائر ومن تم إلى المغرب"، مضيفة "البلد هنا أمن وأهله كرماء، أتجول رفقة رضيعتي في بعض شوارع المدينة، بالمساجد والأسواق، أطلب المهونة من أهل الكرم لكي أسد قوت يومي، في انتظار انتهاء الأزمة وزوال النظام".

ولم يجد الكثير من السوريين من وسيلة لكسب القليل من المال غير التسول كحل لضمان قوتهم اليومي، وقد صاروا يقصدون المساجد، والأسواق للتسول وطلب المعونة فكثيرًا ما يرتادون المساجد وخاصة النساء منهم اللائي يكن عادة مصحوبات بأطفالهن، كما يتجولن بجانب الإشارات الضوئية، يعرفن بجنسيتهم على لوحات مكتوبة بخطوط عريضة، بعبارات "عائلة سورية بحاجة للمساعدة"، ومنهن من يعملن على رفع بطاقات هويتهم وجوازات سفرهم كدليل على صحة ما يقولون، أغلبهن أرامل الشهداء.

قل عطاء المغاربة..
في ظل انتشار المتسولين الأفارقة والسوريين قل عطاء المغاربة وتصدقهم على المتسولين المغاربة، إذ صار الكثير من المحسنين يفضلون التصدق على السوريين دون غيرهم، مؤكدين أنهم الأحق والأكثر حاجة للمال، خاصة أن غالبية المتسولين المغاربة يتوفرون على مقومات العيش الكريم إلا أنهم يقومون بالتسول، رغم أنهم يملكون مساكن وموجودون في بلادهم عكس السوريين الذين يعدون لاجئين وعابري سبيل.

ومن السوريات اللواتي تأتين للمغرب رفقة أزواجهن، في هذا الصدد أخبرتنا إحدى السوريات أنها جاءت للمغرب رفقة زوجها وأبنائها، عن طريق أحد فاعلي الخير الذي دفع تكاليف السفر، لكثير من العائلات، مضيفة أنه تم منعهم من دخول الأردن آنذاك، لذلك جاءت إلى المغرب هي وعائلتها وهم لا يملكون درهمًا، ما اضطرهم للتسول للحصول على لقمة عيش إلى حين الحصول على بطائق الإقامة، وأن يتمكن زوجها من إيجاد عمل ويتمكنوا من الاستقرار.

متسولوا العالم الرقمي

بسبب انتحال واستغلال وانتحال صفة اللاجئين السورين بشكل مهول، ظهرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أسسها سوريون مقيمون في المغرب، من أجل نصرة قضية اللاجئين السورين والدفاع عن حقوقهم في العيش الكريم، وفي مقابل ذلك توجد صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تحارب بعض اللاجئين السورين الذين يمارسون التسول.

وأوضح "محمد. م" ناشط سوري مقيم في المغرب، أن الغجر السوريين يتسولون باسم الثورة السورية وذلك بسبب ظروف الحرب، التي تعرفها الجمهورية السورية، إذ وصلت إلى المغرب مجموعة من العائلات عبر الحدود الجزائرية تحمل جوازات سفر سورية، وقد تهافت المغاربة من فاعلي الخير وهيئات المجتمع المدني وذوي القلوب الرحيمة إلى تقديم  يد العون وإيوائهم، بل والبحث لهم عن عمل لرب الأسرة، مضيفًا أن مجموعة منهم بدؤوا يمتهنون التسول وجمع النقود بالجملة، ويخترعون قصصًا وأكاذيب من أجل استعطاف المغربة واستغلال طيبتهم وتعاطفهم مع الشعب السوري، مردفًا أن هناك من يكتري سيارة يتسول بها ويطوف بها المغرب شمالًا وجنوبًا، وأعدادهم كثيرة، ويمتهنون التسول وهمهم هو استغلال قلوب المغاربة لجمع النقود، وذلك من أجل الذهاب إلى أوروبا فيما بعد.

واعتبر محمد أن التسول أصبح قطاعًا مستقلًا بذاته، عبر الشبكة المعلوماتية وصار من السهل على بعضهم امتلاك اسم مرور أو حساب رقمي ثم تبدأ عملية التسول، حيث أصبح الأجانب في الآونة الأخيرة يلجاؤون إلى التسول عبر مواقع الإنترنيت.

وتبقى الطريقة التقليدية في التسول داخل العالم الافتراضي هي التسول عبر البريد الإلكتروني، وتبقى أشهر طرق التسول والتي ينخدع فيها أناس كثيرين هي أن يرسل المتسول باسم مستعار رسالة نصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشد القارئ يناشد فيها كرم وإحسان الجميع فيظهر أحد من المتواطئين معه بإجابته على الرسالة نفسها يعبر فيها عن مدى تضامنه وقيامه بمد المتسول بما استطاع من المال ثم يدعو الجميع للمشاركة في هذا الموقف التضامني، وحث كل من شاهد الرسالة بأن يبعث بمشاركته للمتواصلين معه حتى يتم حشد عدد كبير من زوار صفحات الموقع.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

٩٦شهيداً في القصف الإسرائيلي لشمال غزة و منع الإسعاف…
التحقيقات في الهجوم على منزل نتنياهو تورّط ضابط رفيع…
الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت تصل أطراف عين الرّمانة…
زيلينسكي يؤكد. أن الحرب ستنتهي بشكل أسرع مع تولي…
الرئيس الصيني يُحذر الولايات المتحدة من تجاوز «الخط الأحمر»…

اخر الاخبار

الشعب المغربي يُخلد اليوم الذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال…
فاطمة الزهراء المنصوري تضع اللمسات الأخيرة على مشروع إعداد…
وزير العدل المغربي يعقد أول اجتماع مع المحاميين لمناقشة…
إسبانيا تُشيد بالجهود الإغاثة المغربية لمناطق المتضررة من الفيضانات

فن وموسيقى

المغربية فاتي جمالي تخوض تجربة فنية جديدة أول خطوة…
حاتم عمور يُؤكد أن ألبومه الجديد "غي فنان" عبارة…
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…

أخبار النجوم

شيرين عبد الوهاب تشعل حماس جمهورها في الكويت استعدادًا…
مروان خوري يحيي حفلا غنائيا في الكويت 12 ديسمبر
عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

صحة وتغذية

وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…
نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…

الأخبار الأكثر قراءة

الكشف عن تفاصيل اتفاق بين فتح وحماس على إدارة…
إطلاق 20 صاروخاً من لبنان تجاه إسرائيل وحزب الله…
بايدن ونتنياهو سيتحدثان اليوم بشأن مهاجمة إيران وتوقعات بأن…
استطلاعات الرأي تظهر حظوظًا متقاربة لكل من ترامب وهاريس في…
نتنياهو يحذّر لبنان من دمار مماثل لغزة و باريس…