أنقرة - المغرب اليوم
يواجه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، سلسلة تحديات داخلية وخارجية صعبة، تفرض عليه إجراء تغييرات هيكلية في السياسات التي اتبعها خلال فترتي رئاسته السابقتين.
يسعى إردوغان إلى «قرن تركيا»، وهو شعار حملته الانتخابية، ويعمل على الحفاظ على فكرة «تركيا القوية» المؤثرة في العالم، وتعزيزها.
حدد إردوغان الخطوط العريضة لسياسته الخارجية خلال حملته الانتخابية، وبدا أنها تشكل عودة جديدة إلى سياسة «صفر مشكلات مع دول الجوار» التي أسس لها مستشاره ووزير خارجيته ثم رئيس وزرائه الأسبق أحمد داود أوغلو الذي يقود الآن حزب «المستقبل» المعارض، بعد انفصال غاضب عن إردوغان وحزب «العدالة التنمية»، عقب صدام على منهج الإدارة.
تمكن إردوغان على مدى العامين الماضيين من ترميم كثير من الشقوق التي أحدثتها سياسته الخارجية في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن اختار وفريقه ما عُرفت بـ«سياسة العزلة القيّمة» التي خاضت إلى عزلة كاملة وشبه قطيعة مع محيط تركيا الإقليمي، لا سيما في الشرق الأوسط بعد انتفاضات ما سمي «الربيع العربي».
الانفتاح العربي
وتمكن إردوغان في المراحل الأخيرة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي لم تكن نزهة أو عملاً سهلاً لـ«سيد الانتخابات» هذه المرة، من إعادة ضبط علاقات تركيا بدول الخليج العربي (السعودية والإمارات على وجه الخصوص)، وقطع شوطاً كبيراً في إعادة العلاقات مع مصر إلى مسارها الطبيعي، والذي تكلل في النهاية بالاتفاق على تبادل السفراء خلال اتصال هاتفي، الاثنين، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وإردوغان لتهنئته بالفوز بالرئاسة.
تغييرات يرى الخبراء والمحللون أن إردوغان أُجبر فيها على التخلي عن عناده بسبب المتغيرات الدولية والإقليمية التي وضعت المنطقة أمام خيار «تجميع القوى» وتنحية الخلافات.
بقي أمام تركيا في علاقاتها مع المنطقة الملف السوري الذي يبدو الآن أنه أعقد الملفات، وأكثرها تطلباً للوقت، بسبب التباين حول الوجود العسكري التركي في الأساس.
يتطلب هذا الملف قرارات حاسمة وجذرية، أهمها إعلان تركيا انسحابها من شمال سوريا، لا سيما أن قبول الدول العربية عودة سوريا إلى الصف العربي يضفي مزيداً من القوة على موقف دمشق المطالب بالانسحاب، بينما تركيا لا تريد الانسحاب قبل أن تتأكد من القضاء على مشروع الحكم الذاتي الكردي الذي تواجه فيه ضغوطاً من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الداعمين لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.
وداخل الملف السوري، هناك أيضاً قضية اللاجئين، وهي مسألة لا تعتمد فقط على حوار التطبيع بين أنقرة ودمشق برعاية روسيا ودعم إيران؛ لكنه يتطلب مساندة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي في توفير البنية التحتية والفوقية لاستيعاب اللاجئين والموافقة على خطط إعادة الإعمار. ولطالما كان ملف اللاجئين نقطة قوة وورقة ضغط في يد إردوغان في مواجهة الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أن بقاء إردوغان في السلطة سيضيف مزيداً من التعقيد إلى علاقات تركيا معه، وسيبقي على الباب الموصد في وجه أنقرة لاستئناف مفاوضات عضويتها المجمدة للانضمام إلى الاتحاد الذي يرى أن إردوغان لا يمكن أن يكون مخاطباً له فيما يتعلق بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
ويعتقد المحللون أن سياسة إردوغان تهدف إلى أن تستغل تركيا أفضل ما لديها من ميزات، تتمثل في موقعها داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الخلافات المتكررة لإردوغان مع شركائها الغربيين. ويتوقعون أن يواصل إردوغان أسلوبه التكتيكي المزدوج، واللعبة التي مارسها بين روسيا والغرب. وبدا ذلك واضحاً من خلال الرسائل الأولى التي صدرت عن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في أول تصريح بعد إعلان فوز إردوغان؛ حيث أكد أن تركيا لن تتراجع خطوة واحدة في ملفاتها الخلافية مع الولايات المتحدة، وأنها رفضت وستواصل رفض الضغوط الغربية عليها لفرض عقوبات على روسيا، كما أعلنت موسكو تطلعها إلى تعميق علاقاتها وتوسيع تعاونها الاقتصادي وفي المشروعات المختلفة مع تركيا.
وكشف إردوغان أيضاً عن توجهه إلى تنشيط علاقات تركيا بالجمهوريات التركية، أو «العالم التركي»، وربط مصالح هذه الدول بالتعاون مع تركيا. كما يتوقع أن يواصل سياسته المنفتحة على الصين وشرق آسيا ووسطها، على حساب العلاقات مع الحلفاء التقليديين في الغرب، وهو ما سيبقي على تصلب الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لتركيا، في إغلاق أبوابه أمام قبولها عضواً فيه. كما سيبقي العلاقات مع الولايات المتحدة تعمل وفق آلية «الصفقات» التي شكلت عنواناً لتلك العلاقات. وفي هذا الإطار، قد يقوم إردوغان بالموافقة على انضمام السويد إلى عضوية «الناتو»، مقابل حصول تركيا على مقاتلات «إف 16» من أميركا. مع الإشارة إلى أن تركيا ما زالت قادرة على الاضطلاع بدور يعتد به في تعزيز مصالح السياسة الأميركية، كما أظهرت ذلك من خلال اتفاقية الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود التي توسطت فيها مع الأمم المتحدة بين روسيا وأوكرانيا.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي التركي، مراد يتكين، أن حرص إردوغان على إعطاء مكانة خاصة لرسائل التهنئة من قادة العالم في خطابه بعد الفوز بالانتخابات، يعني أنه سيحافظ على الخط ذاته في السياسة الخارجية، معتبراً أن فوز إردوغان يتماشى مع الاتجاهات المتصاعدة للقومية على مستوى العالم، بحيث يمكن القول إن «إردوغان فاز وربح بعض القادة في العالمين الشرقي والغربي». وأضاف: «يمكننا أن نتوقع مزيداً من العلاقات المتشابكة مع روسيا ودول الخليج في الفترة المقبلة؛ لأن إردوغان يرى في ذلك مخرجاً في ظل الأوضاع الداخلية وتعقد العلاقات مع الغرب».
في الداخل التركي يواجه إردوغان تحديات ربما تكون أكثر صعوبة مما يواجهه على صعيد السياسة الخارجية، تتمحور حول أزمة الاقتصاد، وغلاء المعيشة، والتضخم الجامح، وتدهور الليرة، وإحجام المستثمرين الأجانب عن العمل في تركيا، لعدم الثقة في سياسات إردوغان ونموذجه الاقتصادي غير التقليدي.
أكد إردوغان أنه سيواصل السير مع نموذجه الاقتصادي القائم على خفض الفائدة وزيادة الإنتاج ورفع النمو واجتذاب الاستثمارات الخارجية، واعداً بخفض التضخم. وهو خطاب لا يحمل أي تغييرات في السياسات التي قادت الاقتصاد التركي إلى أزمة عميقة على مدى 5 سنوات.
يقول خبراء الاقتصاد إن إردوغان يقدم كثيراً من الوعود في خطاباته الشعبوية؛ لكنه لا يفي إلا بالنذر اليسير منها، اعتماداً على انفراده بالسلطة وتيار المعارضة الضعيف، معتبرين أن سياساته الخاطئة هي أكبر أسباب الأزمة الاقتصادية، وأن اختياره التعاون مع روسيا على حساب الغرب هو أحد العوامل وراء أزمات تركيا الاقتصادية، من حيث التبادل التجاري والاستثمار الأجنبي، ومقدمين تراجع الليرة التركية منذ إعلان فوزه مجدداً بالانتخابات مؤشراً على أن اقتصاد البلاد سيتراجع، ولن يكون هناك تقدم باستثناء أرقام طفيفة.
وسجلت الليرة التركية أسوأ أداء لها في تاريخها، في تعاملات الثلاثاء، وهبطت إلى مستوى سحيق، وجرى تداولها عند 20.41 ليرة للدولار حسب السعر الرسمي، وعند 21.50 ليرة للدولار في أسواق الصرافة الحرة. وفقدت الليرة أكثر من 6 في المائة من قيمتها منذ بداية العام الحالي. وتوقع بنك «مورغان ستانلي» أنه إذا استمر إردوغان في الالتزام بسياسة الفائدة المنخفضة الحالية، فسيكون هناك خطر أن تنخفض قيمة الليرة التركية بنسبة 29 في المائة مقابل الدولار، وأن الليرة قد تنحدر إلى مستوى 28 ليرة للدولار الواحد بحلول نهاية العام؛ حسب مذكرة المستثمر المقدمة من المحللتين الاقتصاديتين في «مورغان ستانلي»، هاندا كوتشوك وألينا سليوسارتشوك. وأوضحت المذكرة أن «احتياجات التمويل الخارجي المرتفعة لتركيا ستؤدي إلى مخاطر كلية مستمرة، وما لم يتغير إطار السياسة الكلية الحالية، فستبدي تركيا حساسية متزايدة تجاه الصدمات العالمية (أسعار السلع والاحتياطي الفيدرالي) وتوفر تدفقات العملات الأجنبية من الشركاء الإقليميين».
وأوضح خبراء أن الاقتصاد ربما يتحسن فقط في حال غيَّر إردوغان من سياسته الخارجية تجاه الغرب؛ لكن الواضح أن إردوغان يفضل الاستمرار مع روسيا، وطلب مزيد من الدعم من دول الخليج التي أثنى على دورها في دعم الاقتصاد التركي أثناء حملته الانتخابية.
وقال مراد يتكين: «ينبغي لإردوغان أن يكون قادراً على تنفيذ سياسات التقشف التي يجب تنفيذها بسرعة، بسبب الانتخابات المحلية التي ستجرى بعد 10 أشهر، من جهة، ومثلث سعر الصرف والفائدة والتضخم من جهة أخرى. ولا نعلم ما مقدار الموارد الضرورية التي يمكن إيجادها بدعم من دول الخليج وروسيا».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الرئيس البولندي يُهنئ مشجع كرة قدم بدلاً من أردوغان بالفوز في الانتخابات التركية