الدار البيضاء - جميلة عمر
نظمت ندوة دولية في موضوع "الاتجاهات الكبرى للاجتهاد القضائي للمحكمة الدستورية" أمس الجمعة داخل قصر المؤتمرات في مدينة فاس والتي شارك فيها كل من وزير العدل مصطفى فارس ، ورئيس محكمة النقض مصطفى فارس، و رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله و عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية و رئيس المركز المغربي للدراسات السياسية والدستورية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وخلال أشغال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية المتميزة التي اختير لها موضوع ذي رهانات كبرى ودلالات متعددة ، صرح رئيس محكمة النقض مصطفى فارس ، أن "هذا اللقاء هو فرصة لتقييم مستوى أدائنا ومدى تفاعلنا ونحن على بعد أيام قليلة من الاحتفاء بالذكرى الخامسة لحدث الاستفتاء والمصادقة على دستور المملكة الجديد".
مضيفا أن محكمة النقض عملت طيلة السنوات الأربعة على استعاب،وتنزيل المقتضيات الدستورية التي انبثقت من خلال مقاربة ديموقراطية إدماجية شفافة أسست لميثاق حقيقي للحقوق ولواجبات المواطنة والحريات الأساسية وعززت المساواة وشددت على ربط المسؤولية بالمحاسبة ونصت على مبادئ قوية في مجال الحكامة وتخليق الحياة العامة في ظل ملكية مواطنة ضامنة لأسس الأمة وثوابتها.
قواعد ومباديء موجهة ومؤطرة استقبلها قضاة وأطر محكمة النقض ، الصرح القضائي الشامخ بكثير من العناية والحرص على الالتزام بها وتفعيلها، من خلال مخطط خماسي يحاول قدر الإمكان الاستفادة من الفرص المتاحة واستثمار الرأس اللامادي المتوفر والإشتغال على محاور استراتيجية مرتكزة على رؤية ورسالة وأهداف تنصهر كلها في بوثقة واحدة وهي تنزيل المضامين الحقوقية نصا وروحا، مبنى ومعنى. وذلك بالسهر على مراقبة قضاء محاكم الموضوع والعمل على تأطير عملها وتوحيده بالشكل الذي يوفر شروط المحاكمة العادلة والتطبيق السليم للقانون، وإنتاج عدالة تليق بهذا الوطن العزيز.
مردفا،أن "كل متتبع لنشاط محكمة النقض سواء على مستوى الحكامة الإدارية أو العمل القضائي سيتضح له بالملموس حجم الجهود المبذولة لتكريس الحقوق الدستورية في مختلف مستوياتها وتجلياتها انطلاقا من الحقوق السياسية ومرورا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من الحقوق التي يتعذر بكل يقين سرد تفاصيلها في هذا الحيز الزمني الضيق، أو إبراز كيف أسبغ عليها قضاتنا الأجلاء طابع الحماية والتفعيل، لكن أكتفي فقط بالإشارة إليها مع إمكانية الإطلاع عليها على مستوى تقاريرنا السنوية ونشراتنا الإحصائية وإصداراتنا العامة والمتخصصة ولقاءاتنا العلمية والتواصلية".
واسترسل مصطفى فارس خلال كلمته " أن محكمة النقض تبحث عن أفضل الصيغ لممارسة حق أساسي وضمانة هامة في بناء دولة القانون ألا وهي الدفع بعدم دستورية القوانين المنصوص عليها في المادة 133 من الدستور والتي نعتبرها مكسبا كبيرا ودعامة حقيقية لدولة القانون والمؤسسات، ستخولنا ليس فقط توسيع الضمانات وإنما أيضا تطهير منظومتنا القانونية من أي مقتضى لا يتماشى وهذه الروح الجديدة أو هذه الديناميكية الحقوقية الرائدة لبلادنا".
كما اغتنم فارس هذه المناسبة ليؤكد على ضرورة اليقظة التشريعية والقضائية والإدارية من أجل حسن تنزيل هذه المقتضيات وذلك من خلال عدد من الآليات، كضرورة الأخذ بعين الاعتبار حجم وعدد القضايا التي قد تحال على القضاء للبت فيها بمناسبة إثارة الدفع بعدم الدستورية وما يقتضيه ذلك من توفير كافة الآليات لمواجهة ذلك سواء من حيث التكوين القانوني اللازم لمكونات أسرة العدالة المتشبع بروح حقوقية وانفتاح على ما توافقت عليه التجارب والاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، وأيضا توفير الدعم اللوجستيكي الضروري حتى نكون في مستوى التطلعات والانتظارات، وكذلك اعتماد ما استقر عليه الفقه والقضاء سواء الوطني أو المقارن وذلك بوضع شروط لسلوك هذه المسطرة، إحداث آلية لتصفية الجدي من الطلبات فقط واستبعاد كل دفع لا يرقى إلى ذلك، ثم وضع آجال محددة للإحالة والبت في هذه الدفوع مع ضرورة التنصيص على إلزامية وضع ضمانات مالية وأداء الرسوم القضائية للحد من الطعون الكيدية والتعسفية التي للأسف أصبحت ظاهـرة تسيئ لحسن سير العدالة ببلادنا والتي تدل عليها بوضوح إحصائيات محكمة النقض السنوية الثابتة، التي يستشف منها أن ما يفوق ثلث الطعون المقدمة إليها (31في المائة) يكون مآله عدم القبول أو السقوط لإخلالات شكلية مسطرية، وهو رقم ذي دلالات خطيرة، مؤثرة على مسار الثقة التي نعمل جميعا على تكريسها.