الرباط -المغرب اليوم
تُواصل الرباط تنشيط جهازها الدبلوماسي بخصوص القضايا الإقليمية التي تشكل محور تنافس جيو-سياسي، بحيث تندرج ضمنها الأزمة المالِية التي تعرف تطورات ميدانية متسارعة، ما دفع بالمملكة إلى إيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في خضم التحركات القارية التي تشهدها باماكو.
لذلك، أجرى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، زيارة رسمية إلى جمهورية مالي، تروم تأكيد الدور المغربي في إنجاح المرحلة الانتقالية؛ وهو ما لفت إليه المسؤول المغربي الذي صرّح بأن "الماليين لديهم القدرة على تدبير مشاكلهم، وليسوا بحاجة إلى تدويل وضعيتهم".
والتقى المشرف على الجهاز الدبلوماسي المغربي أيضا ببعض الزعماء الدينيين في مالي، من قبيل الإمام محمود ديكو وبويي حيدرا، إعمالاً لـ"دبلوماسيته الروحية" التي ساهمت في تعزيز الروابط الثقافية بين باماكو والرباط، وإحقاق الانصهار الحضاري بين البلدين.
وأجرى العاهل المغربي جولة إفريقية عام 2013، شملت مجموعة من الفواعل الإفريقية، ضمنها دولة مالي، ما شكّل نقلة نوعية في الاستراتيجية المغربية الخارجية تجاه "القارة السمراء"، عزّزت مجالات التعاون الثنائي بين العاصمتين، وكرّست الاهتمام المغربي الدائم بالأوضاع الداخلية "المقلقة" لباماكو.
وفي هذا الإطار، أورد عبد الواحد أولاد ملود، باحث في العلاقات الدولية والشؤون الإفريقية، أن "المغرب ما فتئ يسخّر كل الإمكانيات لتحقيق التوازن القاري، بوصفه فاعلا أساسيا على الصعيد الإفريقي"، مبرزاً أن "الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية لتباحث الوضع في دولة مالي، يمكن اعتبارها عرفاً مغربيا تجاه بلدان إفريقية بغاية المساهمة في حلحلة الأزمات".
وتأتي الزيارة، بحسب أولاد ملود، "في ظرفية إقليمية مهمة، بحيث عرف شهر شتنبر وساطة مغربية لحل الصراع بين الأطراف الليبية؛ الأمر الذي استحسنه الليبيون، ما يجعل الزيارة الرسمية التي قام بها ناصر بوريطة إلى مالي تحمل أبعادا استراتيجية عميقة، حرصاً من الرباط على رأب الصدع بين الأطراف السياسية"، على حد تعبيره.
وأوضح الباحث السياسي، ضمن تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الزيارة الأخيرة ليست وليدة اليوم، بل هي استمرارية للتفاعل المغربي مع جل الأحداث التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، فالحضور المغربي بباماكو الذي يعد أول حضور أجنبي من دولة صديقة وشقيقة، خلال المرحلة الانتقالية لتجاوز الأزمة المالية، يعكس دلالات جيو-سياسية لإرساء روح التعاون المغربي المالي".
لفت المتحدث إلى أن "الخطوات المغربية نحو مجريات الأحداث في دولة مالي، ما هي إلا تحصيل حاصل لترسيخ أسس السياسة الخارجية المغربية قاريا، فبروز المغرب كطرف وسيط في حل أزمات دول جنوب الصحراء، لا سيما جمهورية مالي، كان ممتدا لفترات؛ إذ لاحظنا الظهور المغربي البارز في أحداث 2013، سواء على المستوى الأمني أو الدبلوماسي، وهو ما تجلى في الزيارة الملكية أثناء تنصيب الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا، وكذا زيارة قادة من الطوارق إلى المغرب".
لذلك، فإن المبادرة الأخيرة للمسؤول المغربي إلى العاصمة باماكو ستنعكس بالإيجاب على الوضع السياسي والأمني لجمهورية مالي، تبعاً لتصريح الباحث المغربي، الذي أكد أن الغرض من الزيارة يكمن في "استتباب الأمن بهذه المنطقة الجغرافية التي ما فتئت تواجه رجّات أمنية بسبب نمو الجماعات الإرهابية والإجرامية، والتشرذم العرقي والسياسي بالمنطقة، فضلا عن مساهمتها في تمتين العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباماكو مستقبلا".
وخلص الباحث ذاته إلى أن "المغرب اتخذ مبادرة أحادية رغم حديث أوروبا عن فرض عقوبات مالية على مالِي، لأنه يهدف إلى مؤازرة باماكو في هذه المرحلة الانتقالية التي تمرّ منها، علماً أن السياسية الخارجية المغربية هي امتداد كذلك لما يجري على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وقد يهمك ايضا:
ناصر بوريطة يُشدِّد على التزام وتشبّث المملكة بعدم نشر أسلحةٍ نوويةٍ