الرباط - المغرب اليوم
لا يزال النقاش حول تنفيذ أو إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب، يراوح مكانه منذ قرابة ثلاثة عقود من الزمن.ويعود تاريخ تنفيذ آخر حكم بالإعدام في المغرب إلى سنة 1993، وبالرغم من ذلك، تستمر المحاكم المغربية في إصدار العقوبة في حق مدانين بعدد من الجرائم المختلفة.
وعن أسباب الانقسام حول تطبيق هذه العقوبة، يقول عبد الإله الخضري رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن "النقاش حول عقوبة الإعدام شائك ومعقد، وإذا كان من الطبيعي أن يكون لدى الحقوقيين مبررات معقولة، بضرورة إلغاء العقوبة الأقصى في العالم، تماشيا مع المطالب الحقوقية العالمية، فإن المجتمع المغربي لا زال منقسما إلى أبعد حد حول الإبقاء أو إلغاء هذه العقوبة، نظرا لبشاعة بعض الجرائم المقترفة من قبل بعض المجرمين".
وأضاف الخضري في تصريح : "إيمانا منا بكون الحق في الحياة، من أقدس الحقوق، فلا ريب أن نستحضر حق أولئك الذين أزهقت أرواحهم ظلما على يد هؤلاء السفاحين المحكوم عليهم بالإعدام، الشيء الذي يدفعنا في المركز المغربي لحقوق الإنسان أن نعترف بأننا أمام معضلة حقيقية بين موقفين متناقضين، طرفاهما إرادة مجتمعية جارفة ومطلب حقوقي عالمي".
العنف المجتمعي إلى أين؟
وشدد رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان على أنه "لا يجب التغاضي عن حق أحد من الطرفين، الشيء الذي يدفعنا إلى اقتراح بديل نعتبره مقبولا إلى حد ما، وهو السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، دون الحق في العفو، وعدم الاحتفاظ بالمحكوم عليهم في سجون قريبة ومجهزة بمقومات مريحة، مع التجريد من حق الزيارة، لأننا أمام فئة تشكل خطرا على المجتمع بكل ما في الكلمة من معنى، وهنا يستحضرني مثلا قصة مجرم بلغت به الجرأة بعد الحكم عليه بالإعدام، بقتل شرطي وحارس سجن وهو قيد الاعتقال".
موقف "رمادي"
واعتبر الخبير في مجال القانون والمحامي بهيئة فاس، نبيل علواني، أنه "أصبح من المعلوم أن المغرب في إطار تدبيره لعقوبة الإعدام، أوقف تنفيذ القرارات القاضية به منذ سنة 1993، وهو بذلك يعتمد سياسة مسك العصى من الوسط، بين الاستجابة لالتزاماته الدولية التي تتجسد في مختلف الاتفاقيات والمعاهدات التي سبق وأن صادق عليها، والتي تؤكد في مجملها على الحق في الحياة وعلى رفض عقوبة الإعدام من جهة، ومراعاة توجه داخلي يتشبث بعقوبة الإعدام كعقوبة رادعة وكونها زاجرة لبعض الجرائم التي قد تخلف أثرا كارثيا في المجتمع من جهة ثانية".
وبيّن علواني في حديث: "بين هذا وذاك، وما دام أنها عقوبة منظمة في إطار القانون فالأولى أن يتم تحليلها وفق قواعد القانون نفسه، والقصد هنا هو أن القيمة الحقيقية لأي قانون تتمثل في تنفيذ القرارات والأحكام القضائية التي تصدر باسم الملك وطبقا للقانون على أرض الواقع. وبالتالي لماذا نخجل من تطبيق عقوبة منظمة ومنصوص عليها قانونا بما أن هذا القانون هو أسمى تعبير للأمة".
وختم علواني حديثه بدعوة المشرّع المغربي إلى "تحديد موقفه من عقوبة الإعدام وفق ما يستجيب لحاجياته المجتمعية، بمنطق نفعي محض. هذا التوجه الرمادي الذي يتبناه لن يجعلنا في موقف قوي أمام الموقف الدولي المؤيد لإلغاء عقوبة الاعدام، ولن يخدم مصالح التوجه الداخلي المتشبث ببقاء هذه العقوبة".
حلول بديلة
في مبادرة رسمية غير مسبوقة، كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنه يعتزم نشر شهادات لعدد من المحكومين بعقوبة الإعدام في سجون المغرب، بهدف إطلاع الرأي العام على أوضاع هذه الفئة، وذلك احتفاء باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام.
وأوضح المجلس في بيان له، أنه سيبادر إلى نشر هذه الشهادات ابتداء من منتصف أكتوبر الجاري، وذلك تحت شعار: "ترقب للموت وأمل في الحياة".
وتعليقا على هذه المبادرة، قال رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان، عبد الإله الخضري: "أود أن أتساءل مع المجلس، ألا يحق لذوي الضحية الإدلاء بشهاداتهم ومواقفهم إزاء الجروح التي لم ولن تندمل، مما فعله هؤلاء المحكومون بالإعدام في حق الآخرين، وربما تسببوا في تشريد أسرة، وضياع مصير أشخاص، فحتى لو كان القانون يعاقب على الجريمة من باب التصدي لما يشكل خطرا على النظام العام، فإن من وراء الجريمة، أناس لهم مشاعر وأحاسيس إزاء من فقدوا، وعليه، فالمجتمعات في العالم تختلف ثقافيا وسلوكيا".
وأشار إلى أنه "إذا كانت غالبية المجتمعات المتقدمة قد بلغت من المستوى الثقافي والاجتماعي ما يحول دون اقتراف جرائم بشعة، يبرر شطبها عقوبة الإعدام من قانونها الجنائي، فإننا في المغرب لا زلنا نسمع بجرائم تقشعر لها الأبدان، ولذلك فالمجتمع المغربي بحاجة إلى حماية نفسه من فئة من المجرمين لا يتروعون في سفك الدماء لأتفه الأسباب".
تعديل القانون
أكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، مؤخرا، أن وزراته تتابع بكل مسؤولية النقاش الذي لا يزال مستمرا حول عقوبة الإعدام بين المؤيدين لبقائها والداعين لإلغائها.
وقال المسؤول الحكومي، في جوابه عن سؤال لفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، حول "تقدم مسار إلغاء عقوبة الإعدام"، إن عقوبة الإعدام تعتبر من بين أهم القضايا التي انصب عليها إصلاح العدالة الجنائية".
وأعلن الوزير أنه "في انتظار نضج موقف واضح متوافق بشأنه يعكس إرادة المجتمع حول عقوبة الإعدام، يلاحظ أن أغلب المتدخلين يلحون على ضرورة إعادة النظر في لائحة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام وتقليصها، وهو ما أخذت به السياسة الجنائية الحالية، عبر التقليص التدريجي من عقوبة الإعدام كحل وسط لمواكبة النقاش، وهو تكريس لما جاء في الرسالة التي وجهها الملك إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش 2014".
جدير بالذكر أنه وبحسب الأرقام الرسمية للنيابة العامة، فإن أعداد المحكومين بعقوبة الإعدام في المغرب شهد انخفاضا كبيرا، حيث تقلص من 197 شخصا سنة 1993، وهي السنة التي أوقف فيها المغرب عمليا تنفيذ عقوبة الإعدام، إلى 79 محكوما بالإعدام فقط في ديسمبر 2021.
قد يهمك أيضا
محامو المغربي إبراهيم سعدون يقدمُون طعناً في حكم الإعدام