موسكو _ حسن عمارة
انطلقت في روسيا أمس مناورات عسكرية تعد الأضخم التي تجريها روسيا منذ عام 1981، وتشارك فيها وحدات من مختلف قطاعات الجيش الروسي البرية والبحرية والجوية، في أقوى رسالة إلى الغرب بأن القدرات العسكرية الروسية "استعادت عافيتها"، وأن روسيا باتت قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات المعاصرة؛ وفقا لتعليق مسؤولين عسكريين.
ويراقب حلف الأطلسي عن كثب الاستعراض الروسي الضخم، ووصفه بأنه "تمرين على خوض نزاع واسع النطاق"، فيما أعربت اليابان عن قلق بسبب مشاركة الصين في المناورات وكونها تجرى على مقربة من منطقة جزر الكوريل المتنازع عليها مع روسيا.
إشراف مباشر من وزارة الدفاع
وتجرى المناورات على رقعة جغرافية واسعة في شرق سيبيريا وأقصى الشرق الروسي، وأعلنت وزارة الدفاع أن الوزير سيرغي شويغو سيشرف عليها مباشرة، فيما ينتظر أن يحضر الرئيس فلاديمير بوتين جانبا منها، بخاصة أن بعض مراحلها سيشهد تجربة قدرات عسكرية وآليات جديدة لم يسبق لها أن شاركت في ظروف تحاكي ظروف القتال الحقيقي وفق ما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط".
ونشرت الوزارة أمس الثلاثاء، على صفحتها الإلكترونية شريط فيديو يوثِّق انطلاق المناورات، ظهر فيه عدد كبير من الدبابات والمقاتلات والسفن الحربية وأنظمة الدفاع الجوي الصاروخية المشاركة. وكانت موسكو قد أعلنت أن 297 ألف عسكري روسي من قطاعات مختلفة يشاركون في هذه التدريبات، مع 1000 طائرة حربية من طرازات عدة، بينها "سوخوي57" الحديثة التي جربت أخيرا في سوريا للمرة المرة في ظروف قتال مباشر. وتشارك أيضا 36 ألف آلية عسكرية، إضافة إلى 80 قطعة بحرية بينها سفن حربية وبوارج وقوارب سريعة وسفن إمداد.
أسطول بحر الشمال
وأعلن أمس في موسكو عن التحاق سفن أخرى من أسطول بحر الشمال في المناورات، إلى جانب 6 آلاف مظلي يشاركون مع قوات الإنزال التابعة لقطاعات برية وجوية وبحرية. وأضاف بيان عسكري أن سفن أسطول الشمال عبرت البحار القطبية الشمالية إلى شواطئ تشوكوتكا للمشاركة في مناورات "الشرق 2018"، لافتا إلى أن السفينة الكبيرة المضادة للغواصات "الفريق كولاكوف" والسفينتين البرمائيتين "كوندوبوغا" و"ألكسندر أوتراكوفسكي"، بدأت التحضير لعملية إنزال برمائية على ساحل غير مجهز.
وأشارت الوزارة إلى أنه "توجد على ظهر السفن البرمائية وحدات سلاح مشاة البحرية ولواء الأسلحة الآلية للقطب الشمالي، الذين نفذوا سابقا مهام تدريبية في منطقة ياكوتسكي قرب قرية تيكسي". وتشمل المناورات وفقا لمعطيات وزارة الدفاع القيام باستطلاع من الجو في مناطق الإجراءات العملية، والتدريب على الاقتحام والمواجهة المباشرة.
مواجهة عدو افتراضي
ويحاكي جانب من التدريبات مواجهة عدو افتراضي يخوض هجوما على جبهات عدة. وتشارك للمرة الأولى في تدريبات على هذا المستوى 10 تشكيلات من الطائرات المسيرة من طرازي "إيريون3" و"أورلان10" التابعة لـ"وحدات الطائرات من دون طيار" في سلاح المظليين.
وفي كلمة ألقاها أثناء اجتماع قيادات القوات المسلحة الروسية أمس، أوضح وزير الدفاع الروسي أن المناورات العسكرية تجرى في 5 ميادين تدريب للأسلحة المشاركة، وكذلك في 4 ميادين تدريبية تابعة للقوات الجوية والفضائية وقوات الدفاع الروسية، وفي بحري أخوتسك وبيرنغ وبحر اليابان في شرق روسيا، ونوّه الوزير بأن الاختبارات المفاجئة التي سبقت المناورات تعد جزءًا لا يتجزأ منها؛ إذ يتدرب أفراد وحدات الجيش الروسي في ميادين غير معروفة لهم مسبقا.
مشاركة الصين ومنغوليا ومخاوف اليابان
وتشكل مشاركة الصين ومنغوليا في المناورات حدثا استثنائيا؛ إذ أعلن عن وجود نحو 3 آلاف جندي صيني وبضع مئات من المنغوليين ترافقهم وحدات جوية. ورغم أن موسكو فسّرت المشاركة بأنّها تعزيز للروابط مع الصين ومنغوليا اللذين يعدان شريكين عسكريين أساسيين لروسيا، فإن هذه المشاركة ضاعفت مخاوف حلف الأطلسي الذي وصف التدريبات الروسية بأنها "تمرين على خوض نزاع واسع النطاق".
وأعربت اليابان من جانبها عن قلق أيضا، وعدّت أن استعراض القوة يهدف إلى توجيه رسائل مباشرة في منطقة أقصى الشرق، حيث تقع جزر الكوريل المتنازع عليها بين موسكو وطوكيو؛ لكن النائب الأول لوزير الدفاع الروسي رئيس الأركان الروسية، فاليري غيراسيموف، قال "إن التدريبات العسكرية التي تحمل عنوان "الشرق 2018" لا تحمل طابعا "عدائيا"".
وأضاف غيراسيموف خلال استقباله الملحقين العسكريين الأجانب المعتمدين لدى روسيا قبل أيام، أنّه "لا مكان لحديث عن أن المناورات موجهة ضد أوروبا أو حلف الناتو".
وأعرب مسؤولون عسكريون روس عن استغراب بسبب قلق الناتو، في إشارة إلى أن "المناورات ستجرى على بعد آلاف الكيلومترات عن الحدود الغربية لروسيا". وأفاد مسؤول في وزارة الدفاع بحضور مراقبين من أكثر من 50 دولة، وكذلك من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، في إحدى مراحل المناورات. لكن هذه التطمينات لم تخفف من قلق اليابان التي أعربت في بيان لخارجيتها عن "قلق جدي".
"منتدى الشرق الاقتصادي"
وتزامن العرض العسكري الضخم مع انطلاق أعمال "منتدى الشرق الاقتصادي" في منطقة فلاديفوستوك، التي لا تبعد كثيرا عن مكان إجراء المناورات. ومن المتوقع أن يحضر المنتدى في دورته الرابعة هذا العام أكثر من 6 آلاف مشارك من نحو 60 بلدا، بينهم الرئيس الصيني تشي جينبينغ، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ورئيس وزراء كوريا الجنوبية لي ناك يون، ورئيس منغوليا خالتاما باتولغا.
وكانت موسكو تعوّل على مشاركة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في الحدث، لتكون المرة الأولى التي يشارك فيها في حدث دولي واسع النطاق. وأرسل بوتين قبل أيام رئيسة مجلس الفيدرالية (الشيوخ)، فالنتينا ماتفيينكو، لتسليم الزعيم الكوري الشمالي رسالة تحثه على الحضور، لكن بيونغ يانغ أعلنت في وقت لاحق أن كيم يتطلع للقاء بوتين في وقت لاحق.
وفي حين سيتم التركيز خلال المنتدى على البعد الاقتصادي وزيادة الاستثمارات في إقليم أقصى الشرق الروسي، إلا إن مراقبين لفتوا إلى أن المشاركة الواسعة على مستوى زعماء بلدان شرق آسيا تعكس تطلعا روسيا للعب دور أكبر في الإقليم، خصوصا في ظل احتدام المنافسة بين موسكو وواشنطن على تعزيز دور ووجود الطرفين فيها.
العلاقات الروسية الصينية
وفي هذا الصدد، أكد الرئيس الروسي أن روسيا والصين تنويان زيادة استخدام عملتيهما الوطنيتين وليس الدولار، في مبادلاتهما التجارية المتنامية لتبلغ مستوى قياسيا. بدوره، قال الرئيس الصيني أثناء منتدى فلاديفوستوك إن "الجانبين الروسي والصيني أكدا اهتمامهما باستخدام عملتيهما الوطنيتين بشكل أكبر في المبادلات المشتركة".
وأضاف أن "هذا سيعزز الاستقرار في معالجة البنوك عمليات الاستيراد والتصدير في أجواء من مخاطر مستمرة في الأسواق العالمية"، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتأتي هذه التصريحات على خلفية عقوبات اقتصادية تزداد تشددا يفرضها الغرب على روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014، وشددت واشنطن أكثر في الأشهر الأخيرة ترسانة عقوباتها على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبتسميم جاسوس روسي سابق وابنته في إنجلترا في مارس /آذار 2018.
حربًا تجارية بين الصين وأميركا
ن جهتها، تخوض الصين حربا تجارية مع الولايات المتحدة منذ فرض واشنطن حواجز جمركية على بعض المنتجات الصينية، الأمر الذي ردّت عليه بكين بالمثل، وكشف بوتين أن حجم المبادلات بين بلاده والصين زاد بنسبة الثلث في النصف الأول من العام، وذلك بالقياس السنوي، ليبلغ 50 مليار دولار، وشدد على أنه "لدينا كل الأسباب للاعتقاد بأننا سنبلغ مستوى قياسيا بمائة مليار دولار بحلول نهاية العام"، من جهته، أكد الرئيس الصيني أن "صداقتنا تتعزز باستمرار".