واشنطن ـ يوسف مكي
نعيش في عالم يحتوي على المشاكل، فربما تكون الصراعات اليوم أقل فتكا من القرن الماضي ولكنها أقل راحة، كما أننا نشعر بقلق عميق، ويمكننا لوم التطرف والخوف لتسببهما في اشتعال الحروب، وعلى الرغم من عدم الإكتراث بإحصائيات الإصابات، أو وسائل الإعلام المعاصرة والدورة المفرغة من "الأخبار العاجلة"، ولكن الحقيقة توضح أن الحروب مصدر إلهام المتعصبين أو أنها أنتجت العديد من العناوين الرئيسية في السنوات الأخيرة والتي شكلت موجة من القلق العميق، وأحد الأسباب هو أن هذه الحروب يبدو أن لا نهاية لها في الأفق.
ولشرح هذه الصراعات نصل إلى مخطط ثنائي سهل، حيث الإسلام والغرب، الدول التي تلعب بقواعد النظام الدولي ضد الأوغاد، ونحن نتطلع أيضا إلى النظريات الجيوسياسية الكبرى والتي كانت نهاية لنظام ويستفاليا، حيث واجه الغرب صعود الباقي والغزو الجغرافي، ولا يبدو أن أيا من هذه التفسيرات يخفف من شواغلنا.
سيزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لندن هذا الأسبوع، وأحد الموضوعات التي سيجري مناقشتها مع صناع السياسة البريطانيين هو الحرب في اليمن والتي بدأت في عام 2015، إذ تقود القوات السعودية تحالفا للقوى الإقليمية ضد المتمردين الحوثيين، فالحرب جزء من سياسة السعودية حين تتبنى موقفا خارجيا أكثر عدوانية، ولا تسير الأمور على ما يرام، إنها الحرب التي شكلت مأزقا أدى إلى مقتل آلاف المدنيين.
وفي الأسبوع الماضي أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غاني، وهو محاصر في أفغانستان عن خطة جريئة لوضع طالبان في عملية السلام الملزمة، وهنا تحدث المعلقون عن مقامرة يائسة أخرى لوضع نهاية للصراع الذي استمر لفترة طويلة، وفي سورية، حيث الحرب الأهلية تدخل عامها السابع، لا يوجد راحة، نطرا لتتعرض مدينة الغوطة، وهي إحدى ضواحي دمشق التي يسيطر عليها المتمردون، لقصف يومي بعد سنوات من الحصار، وسط مناورات الميليشيات لمحاولة كسب ميزة في البلاد، وإذا كان أي شخص يعتقد أن سقوط الرقة، مقر تنظيم داعش المتطرف، من شأنه أن يضع حدا للأعمال القتالية، فاللأسف كان مخطئا.
ويمكن أن تشمل هذه الحروب الطويلة الصومال التي بدأن فيها الحرب منذ عام 1991، أو ليبيا منذ عام 2011 أو مالي منذ عام 2012، وهي دول تقتصر على العالم الإسلامي، ويوجد أيضا جنوب السودان حيث تشهد الحرب الأهلية الشرسة منذ أربع أعوام بشكل كثيف، وجمهورية الكونغو الديمقراطية حيث انتهت الاحتجاجات بإراقة الدماء في الأسبوع الماضي، وتجدر الإشارة إلى أن شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية كان بوتقة صراع ضخم أدى إلى مصرع 5 ملايين شخص بين عامي 1997 و 2003، وظلت البلاد غير مستقرة منذ ذلك الحين، وقد لقى الالاف مصرعهم وتشرد الملايين بسبب النزاع هناك في الشهور الـ18 الماضية حيث تتغلب الفوضى على مساحات واسعة من البلاد، ومنذ أكثر من أربع سنوات منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وساعدت في إثارة التمرد في شرق أوكرانيا لقى حوالي 10 الاف شخص حتفهم، من بينهم 3 الاف مدني، وشرد أكثر من 1.7 مليون شخص، وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن هناك صراعا منخفض الكثافة يقع بشكل يومي في البلاد، ولا يوجد مخرج له.
وأمدت بعض الدول هذه الصراعات، وساعدت في بعض الحالات في حدوثها، حيث طموحات روسيا التعسفية في أوكرانيا، ورفبة باكستان التدخل في أفغانستان، كما أن مشاركة العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في سورية تأجيج العنف، سواء عمدا أو عن طريق الخطأ، وفي العقدين الماضيين وسط تغطية عشرات الصراعات في جميع أنحاء العالم، كان هناك حربان فقط عبارة عن مواجهة مباشرة، الأولى هي الحرب القصيرة بين الهند وباكستان في عام 1999، والثانية هي حرب العراق عام 2003، ووفقا للباحثين في جامعة كاليفورنيا، لا يوجد حروبا مباشرة أحدث من ذلك.
وتتبع الخطوط الأمامية في هذه الصراعات الجديدة حدودا تقسم العشائر أو الطوائف وليس البلدان فقط، فهي تقع على طول الحدود بين الطوائف العرقية أو الطائفية، أو حتى على أساس اللهجة أو اللغة الواخدة، ومن الصعب تتبع هذه الخطوط على الخريطة، أو على الأرض.
والواقع أننا إذا نظرنا إلى العالم في جميع صراعاته المتعددة، وإذا عرفنا هذه الحروب على نطاق أوسع، فإننا نرى خطوطا أمامية في كل مكان، وكل منها له أرضه المتناثرة مع إصاباته الخاصة، وفي المكسيك أو البرازيل أو جنوب أفريقيا أو الفلبين، هناك عنف ضخم مرتبط بالإجرام وبالجهود التي تبذلها الدول للقضاء عليه، وهناك عنف يرتكب ضد النساء من جانب أولئك الذين يخشون تقدمهن في الكفاح من أجل توزيع أكثر إنصافا للسلطة والوضع والثروة، وهناك عنف اقتصادي، حيث يمكن وصف ذلك بوفاة 1000 شخص في انهيار مبنى في بنغلاديش في عام 2013، أو في جمهورية الكونغو الديمقراطية مرة أخرى، حيث إصابات عمال المناجم التي تحفر السلع الأساسية للصناعات في العالم.
ربما لا يكون عالمنا مصطرا بالصراعات التقليدية بين الدول القومية في العصور السابقة، ولكنه لا يزال مكانا عنيفا جدا، وقد يكون الواقع القاسي هو أنه لا ينبغي لنا أن نتساءل عن السبب قساوة هذه الحروب، ولكن علينا سؤال أنفسنا عن سبب نشوب الحروب في عصورنا.
وسيدخل الصراع في سورية عامه الثامن قريبا، وعلى الرغم من أن القتال أهلك البلاد، فإنه ينحصر في مناطق أصغر بكثير، ويحد من فرصة السلام الحقيقي الذي يبدو بعيدا جدا، وأفضل تطور يمكن أن نطمح إليه هو وقف الهجمات الوحشية المروعة، نظرا لأن النظام السوري بمساعدة موسكو وطهران يبدذل جهودا كبيرة لإعادة تأكيد سلطته على البلد الممزق، وأصبح ذلك واضحا في الآونة الأخيرة من خلال الغارات الجوية التي قامت بها الطائرات الحكومية وقتلت أكثر من 600 مدني في الغوطة، إحدى ضواحي دمشق التي تسيطر عليها المعارضة منذ عام 2013.
وعلى الرغم من فقدان داعش لمعظم أراضيها في سورية، فإن الجماعات الإسلامية المتشددة لا توال نشطة جدا هناك، خاصة تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة، ولا تزال جماعات المعارضة تتلقى الدعم اللوجستي من الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج، كما استولى الأكراد على جزء من الأراضي في الشمال الشرقي، وفشلت الجهود المتعاقبة في مفاوضات السلام.
وتعد الحرب السورية معقدة للغاية، حيث الإنقسامات الوطنية والطائفية والإيدولوجية والعرقية، ومن شأن ذلك وحده أن يطيل من عمر الصراع، حتى بدون مشاركة الجهات الفعالة الإقليمية والدولية، كما أن الأمم المتحدة تعرضت للتهميش بسبب سياسات السلطة السورية، وكانت النتيجة بلد مكسور، حتى لو كان تحقيق السلام ممكنا، سيحتاج هذا البلد إلى أكثر من تريليون دولار لإعادة بناء نفسه، وأثرتت سموم هذا الصراع على العالم أجمع.
وتدخل الحرب والفوضى في اليمن عامها السابع، وتعود جذور الصراع إلى أعقاب الربيع العربي، ليضرب أفقر بلد عربي في المنطقة، وقد أجبرت الاحتجاجات زعيمها علي عبد الله صالح على التنحي والتنازل عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي في عام 2011، ولكن كليهما تسبب في تعميق جراح البلاد.
شهدت اليمن صراعات دموية منذ الخمسينات، واتحدت البلاد في التسعينات، رغم ذلك وحتى قبل أزمة 2011 عانت البلاد من الفساد والبطالة ونقص الغذاء وانتشار نظام القبائل والنزعات الانفصالية في الجنوب والتي ساهمت في زيادة عدم الاستقرار.
وسيطر المقاتلون الجهاديون منذ فترة على اليمن، ونشأ هناك فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مما دفع الولايات المتحدة للتدخل ومكافحة التطرف هناك، ولكن التدخل السعودي الأخير فاقم الأوضاع هناك، وذلك لوقف التمرد الحوثي والسيطرة على انتشار إيران.
وتزيد اليدناميات القبلية والطائفية من تعقيد واستمرار الحرب، كما أنه لا يوجد فصيل قوي يمكن الفوز، واستقطب الصراع العديد من الدول للسيطرة على السلطة، والحل هنا هو الاتفاق الفدرالي ولكنه ربما لن يجلب السلام إلى البلاد.
وتشهد دولة الكونغو الديمقراطية صراعا شهدته بين عامي 1997 و2003، ولكن الحرب هناك كانت مدفوعة بسقوط الرئيس موبوتو سيسي سيكو، وتفاقمت بعد تدخل القوى الإقليمية، لمحاولة نهب ثروات البلاد المعدنية، ومن بين علامات تدهور الأوضاع في الكونغو هي ضعف السلطة المركزية في ظل الرئيس جوزيف كابيلا الذي انتهت ولايته منذ 15 شهرا، بجانب انهيار القانون والنظام.
وينتشر مرض الكوليرا وغيره من الأمراض بين سكان الكونغو، وتعاني قوات الأمم المتحدة من هجمات متزايدة، حيث قتل 14 من قوات حفظ السلام في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو أسوأ هجوم تعرضت له المنظمة منذ عام 1993.
وتنشر الشكوك حول إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول، وبالتالي تشير استطلاعات الرأي إلى أن أهم الدول في أفريقيا ستتجه نحو مزيد من الفقر والصراعات وسط تفاؤل عدد قليل جدا.
ولم تشهد أفغانستان سلاما منذ منتصف السبعينات، وتجدر الإشارة إلى أن الصراع الحالي بين الحكومة وطالبان بدأ في عام 2001 مع غزو الولايات المتحدة للبلاد في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، ويعتقد الكثيرون أن الصراع سيستمر لسنوات نتيجة ضعف الموارد في أفغانستان وإساءة توجيهها، كما أن الفرص لبناء تسوية سياسية مستقرة ضاعت، وهناك عامل آخر هو إيواء إسلام آباد لعناصر طالبان، بجانب سيطرة القبائل على البلاد حيث جماعات البشتون الإثنية، والتي تدعم طالبان.
وفي أوكرانيا، مضى أربع سنوات على ضم الرئيس الروسي فلايديمر بوتين لشبه جزيرة القرم، والمساعدة في إثارة التمرد في شرق أوكرانيا، وهي جمهورية سوفيتية سابقة حصلت على استقلالها في عام 1991، وقد تسبب التمرد القائم بها في مقتل المدنيين، التأثير على حياة 4.4 مليون شخص، في حين أن 3.8 مليون آخرين بحاجة إلى المساعدة العاجلة.
وتعود جذور الصراع إلى عام 2013، حين احتج عشرات الآلاف من الأوكرانيين في العاصمة كييف، وطالبوا الحكومة بالتراجع عن توقيع صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد ضغط الكرملين، واستخدمت الحكومة العنف ضد المتظاهرين الذين أطاحوا بالرئيس فيكتور يانكوفيتش في عام 2014، واستمر القتال بين القوات الحكومية والإنفصاليين المدعومين من روسيا في عام 2015.
وستستمر الحرب لفترة طويلة في أوكرانيا، حيث ليس لدى موسكو النية للتخلي عن المكاسب التي حققتها بشق الأنفس، على الرغم من الضغوط والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على روسيا، كما أن واشنطن وحلفائها في أوروبا لا يريدون مواجهة مباشرة مع موسكو.