موسكو ـ ريتا مهنا
تسببت "الذئاب الليلية"، وهي عصابة روسية للدراجات النارية تعرف باسم "ملائكة بوتين"، ومعروفة على نطاق واسع بنشر الفوضى خارج حدود روسيا، في إثارة المزيد من الفزع والضحك أكثر من الرعب في جولتهم الأخيرة، وهي جولة استغرقت تسعة أيام في البلقان مصممة لإظهار أن روسيا لا تزال لديها بعض الأصدقاء المتحمسين الذين تركتهم في أوروبا، فبدلا من أن يتجولوا في المدينة وسط محركاتهم التي تبعث الدخان، وصل سائقو الدراجات النارية مستخدمين السيارات في بانيا لوكا، عاصمة جمهورية صربسكا، وهي الدولة التي ولدت وسط سفك الدماء خلال حروب البلقان في التسعينيات، وبسبب قلقهم من الطقس البارد، تركوا دراجاتهم في موسكو، لكنهم أحضروا معهم ستراتهم الجلدية، وأيقونة السيدة العذراء و"السكرتيرة الصحافية"، وهي امرأة روسية شغوفة كانت مهمتها الرئيسية إبعاد الصحافة عنهم.
وفي وقت يتزايد فيه الانزعاج من استعداد روسيا للقيام بعمل متهور في الخارج بعد هجوم عميل على جاسوس سابق في انجلترا، وضع سائقو الدراجات النارية غاز الأعصاب على الحافة، مما يسلط الضوء على مدى سهولة روسيا في خلق التوترات صعودا وهبوطا وسط الغزوات الأجنبية المنخفضة التكلفة. وقامت الفرقة برحلة ممولة من الكرملين قدرها 41 ألف دولار، تهدف إلى إظهار الإيمان الأرثوذكسي المشترك بين روسيا والمنطقة، على الأقل في الأجزاء التي يسكنها الصرب العرقيون مثل جمهورية صربسكا، وهي جزء من البوسنة والهرسك.
ويحيطون هدفهم الرئيسي بزيارة الكنائس وجلسات الشرب مع الرؤساء الوطنيين، وبشكل كبير من السرية لدرجة أنهم أثاروا قلقهم بشأن ما الذي يتعين على روسيا أن تفعله في البوسنة، وهي دولة متهالكة يدعمها الغرب، ولكن تقرضها من الداخل جمهورية صريسكا من خلال الدعم الروسي، وهي تعطي نحو نصف أراضيها وتريد الانفصال عنها.
وقال ألكسندر تريفونوفيتش، محرر موقع بوكا، وهو موقع إخباري مشهور على الإنترنت في بانيا لوكا "روسيا جيدة للغاية في خلق التوتر وإثارة الانتباه، إنها مثل كلب يركض خلف سيارة"، مضيفا" أن سائقي الدراجات البخارية كانوا مزحة لكنهم بعثوا برسالة مفادها أن روسيا تقف وراء جمهورية صربسكا وزعيمها ميلوراد دوديك، الذي وصفته الولايات المتحدة في العام الماضي بالتهديد الكبير للبوسنة ووضعته على قائمة عقوبات وزارة الخزانة، ولاحظ السيد تريفونوفيتش أن إرسال السائقين بدون دراجات، كان أرخص بكثير من إرسال النقود للبلاد.
وشكا السيد دوديك، رئيس جمهورية صربسكا، في مقابلة معه، من أنه على الرغم من اجتماعاته المتكررة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، فإنه لا يزال ينتظر أن تلتزم موسكو بما قال إنه وعد عام 2014 بتزويد حكومته بقروض لا تقل عن 625 مليون دولار، قائلا "لم نتلق أي شيء من روسيا، كان هناك وعد لكننا لم نحصل على شيء، نحن محبطون بعض الشيء ". وبدلا من ذلك، التقى السيد دوديك بالمجموعة، حيث قال سردغان بوهالو، وهو عالم نفسي "بدا الأمر مثيرا للشفقة، حيث صوره مع سائقي الدراجات النارية للتقاط الصور خارج كاتدرائية المسيح المخلص في بانيا لوكا، التي ربما كانت أكثر المدن حماسة للروس خارج روسيا".
وأصر السيد دوديك، الذي اشترى لقوات الأمن 2500 بندقية أوتوماتيكية، أنه لا يريد العنف ويريد أن تنفصل جمهورية صربسكا سلميا عن البوسنة وتنضم إلى الاتحاد الأوروبي، غير أن فرص حدوث ذلك تقترب من الصفر، لأسباب ليس أقلها أن بلده المحتمل يدعي أنه إقليم، مثل بلدة برتشكو الحدودية، التي لا تنتمي إليه.
ووصف "الذئاب الليلية"، وهي مزيج من الروس والصرب، بأنهم "سائحون" غير ضارين أكثر بكثير من "الرجال الذين يرتدون سراويل قصيرة بلحي ولكن ليس لديهم شوارب"، في إشارة إلى قواعد اللباس وعادات الحلاقة للمسلمين الذين يتبعون الشكل الصارم للإيمان الذي تروج له المملكة العربية السعودية، بينما يدعي أنه لا يعرف الكثير عن الذئاب الليلية، أعطى السيد دوديك في شهر يناير/ كانون الثاني ميدالية لزعيمها، ألكسندر زالدوستانوف، وهو قوي البنية وصديق للسيد بوتين، لتكريم ما وصفه بمساهمة راكب الدراجة النارية في حقوق الإنسان، وﺳﻴﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻌﻼﻗﺎت بين جمهورية ﺻﺮﺑﺴﻜﺎ وروﺳﻴﺎ.
الذئاب الليلية ليست مجرد مجموعة من عشاق الدراجات النارية، فهي تهاجم نشطاء حقوق الإنسان وفعلت ذلك في مارس/ آذار 2014، عندما سافر أعضاؤها، هذه المرة بدراجاتهم، إلى شبه جزيرة القرم لإقامة حواجز الطرق وتقديم دعم آخر من أجل استيلاء موسكو على شبه الجزيرة الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود. وأعلنت وزارة الأمن في سراييفو عن خطر سائقي الدراجات، وتهديدها للأمن، وحظرت السيد زالدوستانوف وزعيم الفصل الصربي للقبائل الليلية من أراضيها وهم موالين للجماعة، وغطت وسائل الإعلام الإخبارية البوسنية تقدم الذئاب الليلية وكأنها جيش غازي، وهو ما رفضه السيد دوديك باعتباره هستيريا مناهضة لروسيا، وعندما بدأ راكبو الدراجات في رحلة متعرجة من بلغراد، العاصمة الصربية، إلى بانيا لوكا ثم عادوا، وضعت الولايات المتحدة علاماتها الخاصة بإرسال مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، ويس ميتشل، في جولة دبلوماسية إلى المنطقة.
وقال ميلوس سولاغا، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بانيا لوكا "إن لعبة التجسس هي لعبة شعبية للغاية في البلقان، ويتمتع الناس هنا بدرجة كبيرة من المكائد والمؤامرات"، وأضاف "لن تبدأ روسيا الحرب العالمية الثالثة على جمهورية صربسكا، ولا تريد سوى أن تكون ممثلة هنا، فليس هناك مؤامرة كبيرة، ولكن البوسنة فشلت بشكل دائم لأكثر من عشر سنوات ولم تكن بحاجة لتدخل روسيا لتصبح دولة فاشلة".
وبعد ليلة من شرب الخمر، بدأت الفرقة جولتها في البلقان الروسية بزيارة إلى فيليكا ريميتا، وهو دير أرثوذكسي تأسس في القرن الرابع عشر بالقرب من مدينة نوفي ساد الصربية، وكان مضيفهم رئيس الدير، الأب ستيفان، الذي يعرض في مكتبه خريطة كبيرة لصربيا تظهر حدود البلاد في وقت تأسيس الدير، وقال "إنها تصل إلى ما هو الآن اليونان وألبانيا، لقد تمكنا من الوصول إلى ثلاثة بحار، ولكن الآن ليس لدينا شيء."
ونفى أن يكون لديه أي اهتمام بالسياسة وقال إنه ليس متأكدا مما كان عليه السائقون، لكن يوجد ساعة مزينة بصورة للسيد بوتين على حائط مكتبه وعلم روسي على مكتبه، وقال الأب ستيفان إنه سعيد باستقبال أي شخص يعتز بالروابط الروحية الطويلة بين روسيا وصربيا. ويبدو أن زعيم المجموعة، السيد زالدوستانوف، لم ينضم إلى رفاقه في جولتهم في البلقان، متلهفا على تجنب التشابه لما حدث في جزيرة القرم.
وقال يفغيني ستروغوف، القائد المساعد للصحافيين في المعبر الحدودي بين صربيا والبوسنة "إن هدف الحج هو توسيع العلاقة الروحية بين الناس والأصدقاء في صربيا وجمهورية صربسكا"، مضيفا أن الرحلة كانت تدور حول "ربط الثقافات"، كما أن روسيا والصرب يتمتعون بنفس الثقافة ونفس الدين، وهذا يعني الكثير بالنسبة لنا".