واشنطن - يوسف مكي
شهدت مناظرة الحزب الديمقراطي التي أقيمت مساء الخميس ما بين بيرني ساندرز و هيلاري كلينتون سجالاً كبيرًا في لحظة تاريخية من السياسات الرئاسية، بعدما تنازع المرشحان على إسرائيل ومصير الفلسطينيين, وإندهش المراقبون عن كثب من سياسات نيويورك, حيث المدينة التي يقطنها السكان اليهود, بعدما تحدث ساندرز بشكلٍ صريح ومباشر حول معاناة الفلسطينيين في غزة، مع إنتقاد إسرائيل ورئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو بسبب الرد غير المتناسب على إستفزازات حماس, وهو التأييد الذي لم يحدث للفلسطينيين من قبل خلال مرحلة الحملة الإنتخابية الرئاسية.
وخلال المناظرة، لم يصف ساندرز نفسه بأنه يهودي علماني، لكنه ألمح بقوة إلى تراثه بالقول بأنه قضى, عدة أشهر من حياته في إسرائيل عندما كان طفلاً, كما كان حريصًا على وصف نفسه بأنه مؤيد إلى إسرائيل أيضًا بشكلٍ مطلق, ولكن ما لم يحدث من قبل بشأن تدخله هو قيامه بكسر القاعدة غير المكتوبة في الولايات المتحدة خلال السباقات الرئاسية منذ عقود، والتي يؤكد فيها المرشحين حرصهم على دعم إسرائيل، مع الإبقاء على الصمت الظاهري بشأن الجانب الفلسطيني من معادلة الشرق الأوسط, وإتجه ساندرز إلى الحديث عن محنة الفلسطينيين في قطاع غزة، التي تبلغ فيها نسبة البطالة حوالي 40 بالمائة، فضلاً عن المنازل المهدمة والرعاية الصحية المتهالكة، وكذلك المدارس الغير صالحة, مشيرًا إلى ضرورة عمل الولايات المتحدة وبقية العالم سويًا من أجل مساعدة المواطنين الفلسطينيين.
وقال كيمي شاليف، المحرر والمراسل في الولايات المتحدة إلى صحيفة هآرتس Haaretz"" الإسرائيلية بإنها كانت لحظة إستثنائية في السياسة الرئاسية, مؤكدًا على أنه من النادر جدًا لمرشحي الرئاسة التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين، إلى جانب كون حديث ساندرز في ذلك مباشرةً خلال الحملة الإنتخابية لا يقارن حتى بما قام به جيمي كارتر في عام 1976 وباراك أوباما في عام 2008 واللذان كانا أكثر تحفظًا و تحدثا بشأن الحاجة إلى السلام كشرط أساسي من أجل تحقيق الأمن الإسرائيلي بدلاً من تحقيق العدل للفلسطينيين.
وعلي النقيض، فقد إلتزمت كلينتون بما هو معمول به وفقًا لقواعد الرئاسة، بحيث كانت تصريحاتها أكثر تقليدية وتعبر عن التعاطف مع الإسرائيليين الذين يعانون من إرهاب حماس وتهديدها المستمر, رافضة تناول الحديث عن القضية الفلسطينية, وتري حملة كلينتون بأن دعم ساندرز العلني للفلسطينيين بمثابة المكافأة الإنتخابية المحتملة، وذلك قبل أيام من إقامة جولة الإنتخابات التمهيدية الحاسمة في نيويورك في 9 من نيسان / إبريل. حيث تعقد كلينتون الآمال في تحقيق تقدمًا لا يمكن تعويضه على منافسها.
ومن المرجح بأن يتردد صدى تصريحات ساندرز لبعض الوقت على المستوى الوطني في الولايات المتحدة أو حتى على الصعيد الدولي, وكشف جيريمي بن عامي، وهو رئيس جماعة الضغط جي ستريت J Street المؤيدة إلى إسرائيل وإلى عملية السلام بأن تصريحات ساندرز كانت بمثابة اللحظة المهمة للغاية في السياسة الأميركية, لافتًا إلى أن هناك حاليًا نقاش صادق لأول مرة على الساحة السياسية الوطنية، وهذا مهم بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية وإلى دولة إسرائيل.
ومن الصعب المبالغة في تقدير الدور الذي تلعبه القضية الإسرائيلية الفلسطينية في سياسات نيويورك، حيث تتواجد ثاني أكبر جالية في العالم من اليهود خارج تل أبيب على الرغم من إنخفاض عدد أفراد الجالية من أكثر من 2 مليون شخص خلال فترة الستينيات إلى حوالي 1,2 مليون شخص في الوقت الحالي.
وكانت هناك تحركات مدوية داخل المجتمع اليهودي الأميركي من حيث علاقته بالشرق الأوسط خلال العقد الماضي، الناجمة عن الطبيعة المطولة للصراع، وخيبة الأمل مع حكومة نتنياهو فضلاً عن التخفيف من الدور الذي لعبته إسرائيل باعتبارها قضية القيادة, وأظهر استطلاع جي ستريت J Street الذي أُجريَ في عام 2014 بأن الدعم اليهودي للحزب الديموقراطي بقيَ صخرة صلبة بنسبة 69بالمائة، إلا أن إسرائيل جاءت في المرتبة العاشرة في تصويت الناخبين بشأن الإقتصاد والرعاية الصحية العليا.
كما كان هناك أيضاً تحولاً تجاه الجيل الجديد من اليهود في نيويورك الذين هم أكثر إنفتاحاً لرؤية أزمة الشرق الأوسط على أنها نزاع على الوجهين بما يجعل من الضروري إعطاء القضية الفلسطينية الإهتمام الواجب.
لكن المحللين المخضرمين لسياسة اليهودية في نيويورك أكدوا المخاطرة السياسية التي ينطوي عليها موقف ساندرز, وقال ميتشل موس، وهو أستاذ في جامعة نيويورك والذي كتب كثيرًا عن دور الجالية اليهودية في سياسة المدينة بأنه يتوقع أن تصب تصريحات عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت في مصلحة كلينتون.
وعلي خلاف ذلك، فإن ساندرز ربما يعتمد على تزايد أعداد المسلمين في نيويورك، والذين فاق عددهم في الوقت الحالي نصف مليون شخص, وقد أوضحت الفلسطينية الأميركية ليندا صرصور البالغة من العمر 36 عامًا وهي المؤسس المشارك في نادي الديمقراطيين المسلمين في نيويورك بأن تصريحات ساندرز ليلة الخميس أثبتت بأن هناك تغييرًا تشهده الولايات المتحدة التي تتجه نحو إدراك أن الشعب الفلسطيني لابد وأن يعامل باحترام.