بيت الدين ـ أ.ف.ب
تشارك الموسيقي اللبناني شربل روحانا والمغنية السورية لينا شماميان وعازف العود والمؤلف العراقي نصير شما عرضا موسيقيا كبيرا في مهرجان بيت الدين مساء السبت احتفالا ب"التراث الثقافي والموسيقي" لبلدان المشرق العربي، استعاد أغاني من فلكلور هذه البلدان على هامش أعمال خاصة تركزت على قضايا معاصرة.
فأمام فرقة موسيقية قوامها عشرات العازفين في الاوركسترا اللبنانية الشرقية والاوركسترا الكندية المطعمة بعازفين أتراك، توالى على خشبة مسرح قصر بيت الدين، جنوب شرق بيروت، الفنانون الثلاثة، مقدمين على مدى نحو ساعتين أغاني ومعزوفات خاصة، قبل أن يلتئم شملهم جميعا في تقديم أغاني من تراث بلاد الشام، في ختام العرض الذي حضره آلاف المشاهدين اللبنانيين والسوريين والعرب والأجانب.
وكان القسم الأول مع شربل روحانا الذي استهل عرضه بالحديث عن معاناة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان، مضافة الى ما يعيشه اللبنانيون اصلا من ظروف صعبة، وآملا في ان تساهم الموسيقى والفنون في "تلطيف القلوب القاسية" في عالم يجول فيه العنف "من دون حسيب".
ويقيم في لبنان اكثر من مليون نازح سوري هربوا من جحيم النزاع في بلدهم، اضافة الى بضع مئات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين، في بلد يرزح تحت اعباء اقتصادية تفاقم منها الازمات والاضطرابات الداخلية.
وقدم شربل روحانا عددا من الاغاني والمعزوفات منها اغنية "بالعربي" التي تنتقد اعراض عدد من اللبنانيين عن استخدام اللغة العربية، او اعتمادهم الكلام بمزيج من اللغات الثلاث، العربية والفرنسية والانكليزية، وذلك بمرافقة الفرقة الموسيقية الكبيرة التي قادتها كاتيا مقدسي وارن.
ثم كان اعتلاء لينا شماميان خشبة المسرح فرصة للكشف عن الحضور الكبير للجمهور السوري في قصر بيت الدين، اذ استقبلها ابناء بلدها الغارق في حرب مدمرة وقوفا، ورددوا معها اغانيها باللغتين العربية والارمنية، ولم يتمالك البعض منهم دموعه لدى ادائها انغاما من التراث الشامي، مثل "يالله تنام"، او اغانيها الخاصة "مثل حلالي" التي اعادتهم الى ذاكرة بلد جعلته الاحداث فيه محرما عليهم، وجعلتهم موزعين في الشتات.
وكان القسم الاخير من العرض الذي حمل اسم "يا مال الشام"، مع عازف العود والمؤلف العراقي نصر شما، الذي استعرض مهاراته المعروفة على آلة العود عازفا بمرافقة الاوركسترا الحانا من تأليفه منها لحن أهداه الى ضحايا تفجير الكرادة في بغداد الذي وقع قبل اسابيع مسفرا عن عشرات القتلى والجرحى.
وفي الختام، اجتمع الفنانون الثلاثة في أداء أغاني من التراث المشترك بين لبنان وسوريا وفلسطين، والعراق، منها "عالروزنة" التي استعرضت فيها اسماء عدد من المدن السورية، و"يا مال الشام"، و"فوق إلنا خل"، فيما كان الجمهور من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين يشعلون القصر بالغناء والرقص، وخصوصا رقصة "الدبكة" المشتركة في تقاليد هذه البلدان الثلاثة.
ويستمر مهرجان بيت الدين، الذي انطلق في العام 1985، اي في ذروة الحرب اللبنانية (1975-1990)، في تقديم مساهمة كبيرة في المشهد الثقافي والفني في لبنان، معرفا جمهوره على طاقات فنية لبنانية وعربية وعالمية، ومشاركا في اغناء المشهد الثقافي والفني في هذا البلد الذي لم تحل اضطراباته الامنية والسياسية دون تواصل الحياة الابداعية فيه ونموها.
ويقام المهرجان، الذي تستمر دورته لهذا العام حتى التاسع من آب/اغسطس، في القصر التاريخي الواقع في بلدة بيت الدين الجبلية جنوب شرق بيروت، والعائد لعهد الامارة الشهابية التي حكمت جبل لبنان بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، في ظل الامبراطورية العثمانية.