الرباط - يوسف عصام
تناول الأستاذ الباحث محمد اسموني، مختبر المغرب والحوض الغربي للمتوسط، تاريخ مدينة أبي الجعد من زاوية جديدة ومن منطلق ومقاربة حديثة، خلال المحاضرة التي ألقاها، الجمعة 31 آذار/مارس، في فضاء أقواس أبي الجعد الأدبي، انطلاقًا من البحث في الماء ودوره كبنية مجالية في تشكيل خريطة المقدس الصوفي عبر نفس زمني طويل، لكون أغلب البنيات المائية لها علاقة بأهل الولاية والصلاح بحكم ارتباط مدينة أبي الجعد بمؤسسها شيخ الزاوية الشرقاوية محمد الشرقي.
وانطلق الأستاذ اسموني في محاضرته التي نشطها الأديب عبد الرحمن الوادي وحضرها العديد من الباحثين وطلبة التاريخ والمهتمين، من التذكير بعناصر عرضه انطلاقًا من المقاربة المؤطرة التي بناها على الشروط والحيثيات بطرح أسئلة جديدة يتطلبها تجديد التاريخ، مرورًا بالسياق الصوفي في علاقته بالسياق الزمني وتلازمه معه في تجربة الشيخ محمد الشرقي مؤسّس مدينة أبي الجعد، وصولًا إلى رصد المحطات الإعمارية الكبرى التي توجت بتأسيس هذه المدينة.
ولم يفت المحاضر، التذكير بضرورة تناول تاريخ أبي الجعد وزاويتها بموضوعية منطلقا من الشك في نصوص المناقب التي وردت حول مؤسس الزاوية وهي التي تهتم بالمجال أكثر من اهتمامها بالزمن، هذا الشك كفيل، وفق الأستاذ اسموني، بتحديد مدى صحة ما قيل عن محمد الشرقي مؤسس الزاوية الشرقاوية من قبل المؤرخين القدامى والحديثين، وفي شرح للسياق الصوفي والزمني لتجربة محمد الشرقي، عرض اسموني علاقة الحركة الجزولية بالدولة السعدية وبين اهتمام الجزوليين بالإعمار آنذاك مستحضرًا شخصية أبو محمد عبد الله الغزواني الذي كان يأمر كل أتباعه بالإعمار وحفر الآبار، الشيء الذي ذهب عليه الشيخ محمد الشرقي في مسيرته الإعمارية من الزاوية الأولى في الدير، إلى تأسيس أبي الجعد الأولى، ثم إخلاء الزاوية الأولى وإعمار الثانية.
وأكد اسموني على مركزية الماء في التأسيس، حيث عرض خريطة التصوف في المنطقة وربطها بكل من الخريطة الهيدروغرافية وخريطة البنية الجيولوجية مما يزيل بعض الشك مما ذكر في المناقب كون أبي الجعد منطقة قاحلة يصعب فيها الإستقرار، ورغم هذه التحديات يصر محمد الشرقي النزول فيها وتأسيس زاويته بها، وإيجاد شرط التأسيس بحفر البئر وإدخال نظام الخطارات، وجاءت تدخلات الحاضرين مركزة في أغلبها على حيثيات اختيار مكون الماء لفهم المجال، وطالب آخرون بضرورة التركيز على الحفريات مادامت المنطلقات علمية تنبني على الشك، داعيًا إلى إزالة البياضات الكثيرة التي تحيط بتاريخ أبي الجعد بفتح المجال أمام علماء الأركيولوجيا للبحث في مكان أبي الجعد الأولى في غابة سيدي الغزواني غرب أبي الجعد، لأن الحفريات التي يمكن العثور عليها من شأنها أن تميط اللثام عن الكثير من الأمور الغامضة في تاريخ هذه المدينة العريقة.