الرباط - المغرب اليوم
وفاء لذكرى الناقد البارز بشير القمري، ذاك “المتعدد” الذي رحل في صمت الأسبوع الماضي (25 يونيو 2021)، جمعت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط أكاديميين ونقادا وطلبة حول مساره وإنتاجه أستاذا جامعيا وباحثا، وشخصيته التي طبعها الالتزام السياسي والثقافي، وحلمه، وفق من عايشوه.نظم هذا اللقاء بشراكة بين شعبة اللغة العربية وآدابها والقطب الثقافي ونادي القراءة والكتابة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط واتحاد كتاب المغرب، وفاء لذكرى “فقيد الثقافة والجامعة المغربية” الناقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، الأديب والمترجم والأستاذ الجامعي الذي درس بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وجامعة محمد الخامس بالرباط.ومن بين أبرز ما طرح في هذا اللقاء، مطلب إعادة نشر مؤلفات الناقد الراحل بشير القمري في مختلف أصناف البحث والنقد والإبداع، وتنظيم يوم دراسي حول فكره وإبداعه.وحضر الأسف في لقاء النعي على عدم الاحتفاء بعطاء مثقفين بارزين حتى توافيهم المنية. كما حضرت ذكرى أسماء أكاديميين ومبدعين بارزين سبق أن مروا من كلية الآداب بالرباط وغابوا عن دنيا الناس، مثل فاطمة المرنيسي وأمجد الطرابلسي ومحمد الخمار الكنوني وأحمد المجاطي.
وفي اللقاء التأبيني لبشير القمري، تحدث الناقد نجيب العوفي عن خلق الراحل، والريح التي كانت تحته باستمرار توجهه جنوبا وشمالا دون أن يستريح، وعيشه “الحداثة الثقافية والفكرية حتى النخاع”، وعن ريفيته الحقة (كان من مواليد الناظور بالريف) التي جعلته “محاربا حتى النزع الأخير، لم يشك لأحد بلواه، ولم يتكئ إلا على عكازه الخاص”.ومع هذا الراحل، كما رسم ذكراه الناقد العوفي، استحضرت جوانب أخرى في شخصيته، منها كونه “ظل طفلا ريفيا بدويا مسكونا بقيم القبيلة” قريبا من الشخوص الأسطورية في بلدة ماكوندو (بلدة تجري فيها أحداث رواية مائة عام من العزلة لكاتبها غ.غ.ماركيز)، كما توقف عند وحدة الفقيد وعزلته على الدوام في غمرة صخبه الثقافي والاجتماعي.ولم يجد العوفي لتقريب ملامح الوحدة التي كان يعيشها القمري في قلب الصخب، إلا بيتا للمتنبي يقول: “لا تحسبن رقصي بينكم طربا .. فالطير يرقص مذبوحا من شدة الألم”، كما استعار من الفقيد عنوانا لمجموعته “المحارب والأسلحة” رأى فيه عنوانا لسجالاته وحياته.
واستحضر الناقد العوفي أخ الراحل الشاعر الحسين القمري، قائلا إنه قد تقاسم مع أخيه فنون وأجناس الأدب، كما تقاسما الدم والنسب، قبل أن يتطرق إلى أعتاب بشير القمري الروائية التي كانت في غرفة الانتظار “قبل أن تخذله غرفة الإنعاش”.وشدد العوفي على أن القمري “ناقد أدبي وثقافي وسياسي بكل معاني الكلمات”؛ فالراحل “خلق ناقدا بدرجة أولى” وقدم للمكتبة النقدية المغربية والعربية “أعمالا نقدية وازنة وثاقبة وجريئة”.وقدم البلاغي محمد الولي لحاضري اللقاء التأبيني القمري “المفلس في صناعة الخصوم والأعداء” الذي “كان يفتح شراعه لكل الرياح الهابة على المغرب آنذاك (في سنوات السبعين وما بعدها من سنوات النشاط النقدي للراحل) شرقا وغربا”.و”رغم سيادة واقع مقرف هو التزلف، وامتهان حرفة الانحناء، واستبدال المعاطف…”، يقول الولي إن الفقيد قد ظل “هو هو، كما كان، أو كما بدأ”، وكان “يكاد يحتقر الملك المادي، ولذلك نفهم كيف غادرنا كما جاء، دون شيء، لأنه استثمر في أهله وعواطفه وأبنائه وبيته الذي لا يملكه”.
وزاد الباحث البلاغي متحدثا عن الفقيد الذي عرفه منذ سنة 1971 بأنه “كان وفيا، صريحا، متهكما، لا يعرف الخصومة، ظل يضحك لمدة سبعين عاما (…) كان يفكر بقلبه أكثر (…) كان رجلا عظيما، لا تجد الأحزان طريقا إلى قلبه”.من جهته، سلط الباحث محمد أقضاض الضوء على جانب آخر من شخصية الفقيد، قائلا إن فكره كان يساريا دون التزام مع أي تنظيم، وهو ما لم يحل دون اعتقاله وتعذيبه.وأضاف أقضاض: “كان مثقفا حداثيا، كاتبا، وباحثا، ودارسا متميزا (…) ينتقد الفساد ويكره المفسدين، لا يهادن، يرفض الإغراءات التي تفقد الشخصية والحرية، وتشبث بحريته، ورفض الظلم ودافع عن الحق”.وتحدثت الناقدة والمترجمة فاتحة الطايب عن جمع الفقيد ما تفرق في كثر، قصة ورواية ومسرحا ونقدا أدبيا وسينمائيا، واثبتة بين مشاهد جمعتها فيها الحياة به.ورغم عدم تعرفها على القمري عن قرب، فقد تعرفت الناقدة عليه “بعمق كاتبا ومترجما وناقدا (…) وأنا طالبة، واسمه عندي متلازم مع الأستاذ حسن بحراوي”، مضيفة:“لم نحس بخصاص في المراجع بفضل جيل من المغاربة من بينهم القمري، وجهودهم التي شيدوا بها النسق المغربي الحديث (…) بالترجمة والإبداع والنقد”.
وتطرقت الأكاديمية ذاتها إلى تعدد مواهب الفقيد، ولغاته التي مكنته من إغناء الخزانة المغربية والعربية، أمازيغية ريفية وعربية وفرنسية وإسبانية. كما استحضرت نصوصه الإبداعية قصة ورواية ومسرحا، ومتحها من معين متعدد، ثقافة مغربية وعربية وعالمية. قبل أن تجمل بالقول إنه باستحضار كون ما يتبقى من الأستاذِ الأجيالُ التي كوَّنَها، وما يتبقى من الكاتبِ كتُبُه؛ فإن “بشير القمري لم يمت”.أما الناقد محمد جودات، فكان بشيره القمري بالنسبة إليه “محاربا” لا يكتب “لغة الوضوح”، ومتعددا في ثقافته ومنجزه، بقي بعيدا عن الأضواء.وفي كلمة باسم طلبة لبشير القمري، تحدث الأستاذ الجامعي خالد البكاري عنه “أستاذا وأخا كبيرا وموجها في النقد والجامعيات”.وحكت كلمة البكاري قصة لقاء بالرباط، ذاك الغول الفرنكفوني، كما حكت في زمن آخر قصة للقمري عن لقائه بهذه المدينة (في المحارب والأسلحة)، وتذكر الناعي “دهشة اكتشاف تواضع الكبار”، وخيبة اكتشاف أن درس أستاذه الراحل “مكتمل مبنى ومعنى”، بعد إشاعات قبل الالتحاق بالكلية بددها واقع الدروس التي علمت الطلبة “احترام المصطلح والتأدب في استحضار المفاهيم”، و”أعادت ترتيب كل ما قرأناه عن بارت وتودوروف، وخاصة كريستيفا وباختين”.وفي كلمة الأكاديمية والروائية زهور كرام، وقوف عند الثقافة، كما تبدت في الفقيد، فلم تكن تباهيا بل “التزاما وموقفا ونضالا”، وقبل ذلك كانت “اشتغالا صارما على الذات العارفة”.
وشددت المتدخلة على مسؤولية “جعل مثل هذه الأسماء حاضرة في خطاباتنا ومراجعنا وأحاديثنا”، من أجل “ربط الجسر بين الشباب والذاكرة الثقافية” ليعرفوا مثقفين من قامة الفقيد.وفي عتابها المنثور الذي عنونته بـ”كيف ينصف الموت الحياة؟”، تخيلت كرام بشير القمري واضعا يده على خده، ناظرا الناعين في قاعة ابن خلدون بكلية الآداب بالرباط وهو يتساءل: “أما كان لهذا الحب أن يترجل في الحياة؟ أما كان لهذا الجمع أن يأتي آنذاك (…) لعل الحب يزيد عمرا، ليس بالسنوات، بل بلحظات الفرح الطفولي”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
جامعة محمد الخامس في الرباط تنظم لقاء حول “الإصلاح البيداغوجي في الجامعة