الرباط -المغرب اليوم
استعرت الحرب بين الأحزاب السياسية المغربية في إطار التنافس لاستقطاب المترشحين للدخول إلى غمار الانتخابات المقبلة، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للترحال والهجرة من حزب إلى آخر، حسب ما يراه المترشح مناسبا له.ومع بداية العد العكسي لقرب تنظيم الانتخابات المغربية ، ارتفعت وتيرة عقد المسؤولين الحزبين لقاءات بالمترشحين المرغوب في إقناعهم بالترشح باسم أحزابهم، ومحاولة استمالتهم بشتى الطرق، ما جعل الساحة السياسية تتحول إلى أشبه بموسم الانتقالات الذي يعيشه المجال الرياضي الكروي بشكل دوري في إطار صفقات انتقالات اللاعبين، رغم التباين الكبير في طريقة عقدهما.ووصف الدكتور محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، هذه العملية بالظاهرة المرضية القديمة، المرتبطة باللحظة الانتخابية، بحيث أنه كلما كنا أمام محطة انتخابية، إلا ونشاهد ظاهرة الترحال من حزب إلى آخر.
وأوضح محمد زين الدين، "، أن هذه الظاهرة تشمل مختلف الأحزاب السياسية، بأغلبيتها ومعارضتها، بما في ذلك الحزب الذي يسير الحكومة حاليا، مشيرا إلى تسجيل هجرة جماعية داخله، تتخذ أشكالا متعددة، ابتداء من استقالات لقيادات صغيرة على المستوى المحلي، ثم نواب برلمانيين وغيرهم.
وقال زين الدين إن الأسباب التي تتحكم في ذلك متعددة، منها البحث عن مقاعد مضمونة ضمن تشكيلة البرلمان المقبلة، ما يجعلنا هنا نتحدث عما يسمى محترفي الانتخابات الذين لا يهمهم الانتماء الإيديولوجي لحزب معين أو الانضباط لقواعده، بقدر ما يهمهم البحث عن المقاعد البرلمانية المضمونة، الأمر الذي يجعلهم يهاجرون، إما فرديا أو جماعيا، نحو أحزاب سياسية أخرى.
وتحدث عن مشكل آخر يتمثل في نمط الاقتراع في حد ذاته، بحيث أن المنظومة الانتخابية لا تساعد على مسألة الانضباط، إضافة إلى عدم وجود جزاءات تطبق على عملية المغادرة، علما أنه داخل الولاية الانتخابية تمنع هذه المسألة بمقتضى القانون، ولكن بمجرد انتهاء الولاية الانتخابية يمكن لأي مرشح أن يرحل من حزب إلى حزب آخر، الأمر الذي يقتضي التفكير في كيفية ضبط هذه المسألة ومنعها.
كما تحدث أستاذ العلوم السياسية عن جانب آخر حاضر، يهم تهافت الأحزاب على نوعية خاصة من النخب، ويتعلق الأمر باستقطاب الأعيان، الذي يتوفرون على نوع من الضمان الأساسي للفوز بالانتخابات لاعتبارات متعددة، منها نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي ونظام الولاءات القبلية والتبعية وغيرها.
وأرجع زين الدين هذا الأمر إلى عدم توسيع قاعدة الأعيان، بحيث نجد العناصر والأسماء نفسها، وربما بدأ عددهم يتقلص، إما بحكم السن، أو مغادرة المشهد السياسي، وغيرها، الأمر الذي يؤدي، حسبه، إلى حدوث عملية يمكن أن نسميها قرصنة سياسية للأعيان بين الأحزاب فيما بينها، في ظل غياب توسيع قاعدة هذه الفئة من المترشحين.
وتحدث زين الدين، في هذا الصدد، عن مشكل آخر، يتعلق بعدم فسح المجال لفئات أخرى يمكن لها أن تخفف من ظاهرة التهافت على استقطاب الأعيان، مبرزا أن قادة الأحزاب السياسية يعلمون أنه لضمان نتائج إيجابية في الانتخابات، يجب أن يرتكزوا على الأعيان، وهو الأمر الذي جعل الأحزاب تتبادل التهم فيما بينها بخصوص محاولة سرقة حزب للمترشحين من الأعيان من حزب آخر، باستمالتهم بإغراءات سياسية.
وأعلن أن الأعيان لا يكون لهم في الغالب انتماء حزبي، ولا يهتمون لا لبرامج وإيديولوجية الحزب، وما يمهم هو مع من سيضمنون النجاح، وهو المنطق الذي يشتغلون به.
بالمقابل، أكد أن قادة الأحزاب السياسية يعرفون أنهم سيحاسبون في نهاية المطاف على نتائج المقاعد التي سيكسبونها، ويظنون أن الأعيان هم من سيربحون لهم هذه المقاعد.
وأفاد زين الدين أنه كان بالإمكان التخفيف من ظاهرة التهافت على الأعيان، بتوسيع وعاء المشاركة السياسية التي تضم فئات أخرى، عبر سن تحفيزات للشباب والنساء وللأطر، وقال في هذا الصدد "بلغة الأرقام لدينا اليوم حوالي 800 ألف إطار مغربي غير متحزبين، لأسباب متعددة، ولو أن هذا العدد دخل المعترك الانتخابي، كنا سنلطف من ظاهرة الترحال، وأيضا التهافت على الأعيان".
كما أرجع أسباب الترحال إلى غياب الديموقراطية الداخلية داخل الأحزاب السياسية، بحيث لا توجد ثقافة تدبير الاختلافات، من أجل تفادي الانتقال من حزب نحو حزب آخر.
وذكر أستاذ العلوم السياسية أن الأحزاب السياسية تخلت عن وظائفها، بحيث أن الدخول سابقا إلى بعض الأحزاب، يكون عن طريق التدرج إما بالولوج إلى الشبيبة المدرسية أو الحزبية، ثم الانتقال إلى فرع الحزب، وبعده الوصول إلى هيئات الحزب، ما يجعل الشخص يتربى داخل الحزب ويصبح مرتبطا به، ويتشبع بأدبياته، وبالتالي يصعب عليه أخلاقيا أن ينتقل من الحزب الذي ينتمي إليه إلى حزب آخر.
وأكد أن هذا السلوك السياسي لم يعد معمولا به حاليا في الأحزاب، التي تخلت عن وظائفها، وأصبح الشخص يدخل الحزب من أجل اللحظة الانتخابية، والظفر بالمقعد، ولا يهمه برنامج الحزب وأدبياته وإيديولوجيته وتوجهاته، وبالتالي يصبح التعامل السائد هو منطق مقاولة سياسية، ماذا سأربح معك؟، وماذا سأخسر معك؟
قد يهمك أيضا:
تفاصيل بشأن مشروع القانون الخاص بتصفية معاشات مجلس المستشارين في المغرب