القاهرة - المغرب اليوم
يُقال إنّه من أصعب المهام في العمارة، ترميم المباني ذات الرمزيّة واحترام أعمال البنّائين الأوائل، مع وضع بصمة توضّح النظرة الشخصيّة إلى المشروع؛ يقع هذا العمل الدقيق في صلب اهتمامات بسمة كعكي التي تركّز اهتمامها مع شركائها في «استديو باوند» على تصميم وهندسة المباني التراثيّة في جدة البلد، ضمن رؤية 2030 السعوديّة. إلى ذلك، هي تكثّف البحوث في مجالات عدة، ومنها تصوّر مستقبل منازلنا بعد الحجر الذي فرضه وباء «كورونا»، وتوثّق مشاركة السعودية في «بينالي البندقية للعمارة». نصّ حوار «سيدتي» الشائق، مع مهندسة العمارة والمصمّمة بسمة كعكي في الآتي.
جانب من عملك يتعلّق في الترميم، في إطار مشاريع مع اليونسكو، في «جدة البلد»؛ حدّثينا عن تجربتك في هذا الإطار؟
لطالما كان العمل في المباني التراثيّة في «جدة البلدة» من أهدافي؛ مع «رؤية 2030 السعودية»، تتالت الفرص في المجال، من مخطّطات المشاريع التي تولّد عملاً تعاونيّاً بين الشركات الكبيرة والصغيرة، والمشاريع الأصغر والتي تتطلّب التنفيذ السريع، والتي تسمح لنا بالإشراف عليها منذ البداية حتّى مرحلة التنفيذ، بالتماشي مع نموّ المملكة السريع، وإنجاز «الرؤية». وفي هذا الإطار، تتولّى وزارة الثقافة العمل على مشاريع ترميم جدة القديمة (البلد) وتطويرها، مع منح الشركات الهندسيّة المحليّة فرصة المشاركة في هذه اللحظة التاريخيّة المهمّة من تاريخ المملكة العربية السعودية. و«استديو باوند» هو من شركات التصميم التي تعمل في تصميم وهندسة المباني التراثيّة. وفيما ننتهز الفرصة للتعبير عن استراتيجيّتنا في هذا المجال، علينا قبل ذلك احترام الإرث ومحيط الموقع، بالتوافق مع المبادئ العامّة التي تحكم إعادة تطوير المباني المدرجة على لوائح اليونسكو. يتحقّق ذلك من خلال الترميم الدقيق للزخارف الحجازية المستخدمة، والكشف عن المعرفة المضمنة في تاريخ المدينة، وإضافة عناصر معمارية معاصرة، والارتقاء بالمباني بشكل مناسب، بالاتساق مع وظيفتها الجديدة.
تعاونتِ مع السِير بيتر كوك في بعض المشاريع؛ حدّثينا عن تفاصيل هذا التعاون؟ وكيف تنظرين إلى رؤيته المستقبليّة في العمارة؟
خلال الفترة التي أمضيتها في لندن للدراسة والعمل، اغتنمت فرصة المكان الجغرافي لتحصيل الخبرة العمليّة، وبالتالي عملت لدى العديد من الشركات الهندسيّة متنوّعة الأساليب، الشركات التي تعير البحث أهمّية، بصورة يبدو فيها الأخير جوهر العمل. وفي هذا الإطار، عملت مع السِير بيتر كوك وجافين روبوثام في «مكتب كوك روبوثام لهندسة العمارة» وفي «روجرز ستيرك هاربور وشركاه» الخاصّ بالمهندس العالمي ريتشارد روجرز. يسير البحث والتصميم جنباً إلى جنب في طريقة العمل الخاصّة بمهندسي العمارة المحترمين المذكورين. راهناً، في مكتبي الهندسي (استديو باوند)، ومع شركائي في العمل الذين ينتمون إلى الخلفية التعليميّة نفسها، نتبع الطريقة عينها في مشاريعنا أي إنشاء ديناميكية تصميم بقيادة البحث المعماري.
«تصميمات خالدة»
من العناوين التي يرفعها «استديو باوند» هو إنشاء مساحات لا ترتبط بموضة أو بتيّار. هل المزج بين القديم والحديث، بانسجام، يسهّل المهمّة؟
تتمثّل فلسفة التصميم في «الاستديو»، في تطوير تصميمات خالدة تدوم ولا ترتبط بتيّار، وتتأثّر وتتطوّر بحسب قسم الأبحاث في الشركة، والتي تركّز على دراسة السياقات الحضرية العميقة والفريدة من نوعها. وبالتوازي مع مشاريع التصميم، نشارك في التدريس والكتابة والبحث، الممارسات التي تمثّل جزءاً لا يتجزّأ من مشاركة «الاستديو» في ميدان هندسة العمارة. نقوم بالتوجيه والتعليم في Visiting School AA: «برنامج مكة مقابل مكة» الذي يركز على دراسة حضرية متعمّقة لمدينة مكّة المكرمة. البرنامج عبارة عن منصّة بحثيّة وورشة عمل ذات طموح شامل جمع الأبحاث وإعداد أرشيف عن مكة المكرمة وما حول المسجد الحرام. من خلال منهجيتنا في التوثيق ورسم الخرائط، نأمل في تطوير دليل يطمح في أن يكون أساساً إرشاديّاً للتصميم والحوارات التحليلية كأداة مهمة لفهم المدينة من أجل التصميم لها. أضف إلى ذلك، الاختلاف وتنوّع وجهات النظر والتعاون مع الفنّانين والمؤرّخين والمهندسين المعماريين والمطوّرين والمدنيين يقوّي طريقة عملنا (...). ما أهدف إلى الوصول إليه هو أن البحث والتوثيق والحوار النقدي تعادل التصميم قيمةً.
«العيش معاً»
رفعت «بينالي البندقيّة للعمارة» هذا العام عنوان «العيش معاً» ردّاً على الإنقسمات السياسيّة التي تطال عالمنا، وغياب تكافؤ الفرص؛ كيف تقرأين هذا العنوان؟
من المهمّ لي أن أكون جزءاً من مبادرة ثقافيّة تتضمّن تصدير تطوّر مجال هندسة العمارة في المملكة على مستوى دولي، لأهمّية استمرار التبادل الثقافي الدولي، وتعزيزه بين المملكة العربية السعودية والعالم. «بينالي البندقية للعمارة» هو حدث ثقافي مهم، ومنصّة دوليّة يزورها ويقدّرها جمهور كبير من أنحاء العالم. تشارك المملكة العربية السعودية للمرّة الثانية في «الحدث» بجناحٍ وطني؛ تتولّى هيئة فنون العمارة والتصميم مسؤولية الإشراف عليه هذا العام. وقد اختُرت مع شركائي في «استوديو باوند» حسام الدقّاق وحصة البدر لتمثيل المملكة في «البينالي»، مع القيّمين العالميين عظمة ريزڤي ومرتضى ڤالي. المساحة التي تصوّرناها لـ «بينالي» هذا العام من خلال معرضنا «مقار» تفاعليّة؛ تدعو المشاهد إلى استكشاف وتأمّل عنوان «العيش معاً»، عن طريق الاستلهام من مفهوم العزل الصحي الوقائي ودلالاته، سواء راهناً أو عبر التاريخ. من خلال أبحاثنا، سلّطنا الضوء على تاريخ السعودية العريق في مقاومة الجائحات، كون المملكة تستقبل وفود زائري الحج والعمرة من الخارج، سنويّاً. لقد دفعنا ذلك إلى التفكير في كيفيّة تطوّر المساحات والبيئة المبنيّة والنسيج الحضري، واستجاباتها، وتأثّرها في السياقات الخارجيّة، واستيعابها لها وتكيّفها معها، ما يعيد تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع والمكان والمحيط به. تشهد اللحظة الراهنة على واحدة من الأزمات الصحّية الاستثنائيّة، وتأثيراتها في العام الماضي كانت بالغة الأهمّية، ومناسبة للبحث والتعمّق في تاريخ الحجر الصحّي من خلال القراءات العديدة والاستكشافات لأماكن الإقامة خلال الحجر الصحّي كما تطوّرت خلال أواخر القرن الثامن عشر، وصولاً إلى شكلها الحالي في القرن الحادي والعشرين، وهذا أمر مثمر ومطوّر لمفهومي المتعلّق في العمارة. ونأمل من خلال الجناح الوطني السعودي في تحفيز النقاش حول تأثيرات العمارة الناتجة عن العزلة الملازمة للحجر الصحي والإيواء المطلوب لمواصلة الحياة معاً... تتطلّب الطريقة التي نعيش حسبها، اليوم، والتي تتميّز بالفصل بسبب الجائحة مفردات وطرقاً جديدةً للوجود والانتماء.
من مشاريع استديو «باوند» السكنيّة والتجاريّة
تتداخل عوالم العمارة مع التصميم والديكور؛ ما هو مستقبل هذه العوالم بعد جائحة «كورونا»؟
غالبًا ما تتشابك العمارة والتصميم الداخلي، ويرتبطان، ويندمجان بصورة تلقائيّة. وقد سلّطت جائحة «الكورونا» الضوء على أهمّية مساحاتنا، والأهمّ من ذلك جعلتنا نركّز على مساحات المنزل وتحوّلاته. المنزل هو مساحة الاعتكاف الخاصّة بنا والملجأ المألوف الذي انقلبت وظيفته خلال الحجر الصحي والاعتماد شبه الكامل على المنصّات الإلكترونيّة للتواصل مع الآخرين وللتمكّن من الاستمراريّة في العمل، ممّا يمثّل تحوّلًا في استخدام المساحات المنزليّة، وإعادة تخيّل وظائفها. طوال وقت انتشار الوباء، انتقلنا بشكل جماعي من فهم الحجر الصحّي كحالة طوارئ أو استثناء إلى التكيّف مع ما يمكن أن نطلق عليه نمط الحياة الوبائي، وقبول الوضع الجديد والاعتراف بأن طريقة تعايشنا وتنقلنا في العالم مكانيّاً واجتماعيّاً قد تغيّرت بشكل أساسي.
من الزيارات في البرنامج المتعلق بالدراسة الحضرية المتعمّقة لمدينة مكّة المكرمة
على المهندسين مسؤوليّة...
مع أسلوب التقشّف والعودة إلى الطبيعة والاستدامة؛ هل تلاحظين أن مشاريع العمارة والتصميم تعرف إعادة صياغة في بعض جوانبها؟
يسمح دور مهندسي العمارة والمصمّمين لهم بصياغة مناهج استباقيّة ومبتكرة في التصميم، وبتحمّل المسؤولية في الزمن الراهن وفي التاريخ. قراءة وتسجيل وفهم المساحة، ليس لغرض الحفاظ عليها حصراً، ولكن لجمع إرشادات تصميم والتمكين من تصميم مساحات تتزاوج، بانسجام، مع سياقها الحالي. يصبح فهم السياق جزءًا لا يتجزّأ من رموز التصميم الخاصة بنا وكيفيّة عملنا؟ نحن في وضع يسمح لنا بالتساؤل والتجريب حول كيف يمكن أن يصبح التوثيق والبحث والحساسية للسياق أداة تصميم ودليل غير مقيّد ودافع لتصميماتنا إلى الأمام.
ما هي المشاريع التي تتولّين العمل عليها راهناً؟
نواصل العمل على الجناح الوطني للمملكة العربية السعودية «مقار» في المعرض الدولي السابع عشر من «بينالي البندقية للعمارة»، بعد الافتتاح، وذلك لإنشاء منصّة وموقع إلكتروني وكتاب للنشر لجعل المعرض وعملنا في متناول الجميع. نعمل أيضًا على إطلاق برنامج عام يشتمل على سلسلة من المحادثات التي ستجمع فريقنا المتنوع لمناقشة موضوع الإقامة والحجر الصحي، ما سيولّد الحوارات حول كيفية تصوّرنا لمستقبل مساحاتنا؟ علاوة على ذلك، نعمل حاليًا على التصميم الداخلي لبيت البلد والمجلس البلدي في جدة التاريخيّة.
في سطور...
بسمة كعكي، مهندسة وشريكة مؤسّسة في «استديو باوند» Studio Bound؛ نالت إجازة في الهندسة في جامعة Architectural Association بلندن، والميداليّة البرونزيّة من «ريبا» التي تمنح من قبل «المعهد الملكي البريطاني لهندسة العمارة» سنويّاً لطلاب هندسة العمارة أو الخرّيجين الجدد، والجائزة البريطانيّة من «مؤسسة SOM». هي مقيمة في جدة، وتعمل راهناً على مجموعة من المشاريع في المملكة، سواء في مواقع مدرجة على لائحة اليونسكو في جدة البلد أو في تطوير جسر، في إطار «مشروع البحر الأحمر».